السياسية:

كان العزوف القياسي عن التصويت في انتخابات أقاليم فرنسا هو العنوان الأبرز، يليه الفشل الذريع لليمين المتطرف بزعامة ماريان لوبان وأيضاً لحزب الرئيس إيمانويل ماكرون، فما مدى عمق أزمة فرنسا الديمقراطية؟

كانت الجولة الثانية من انتخابات الأقاليم في فرنسا، الأحد 27 يونيو/حزيران، قد شهدت فشل اليمين المتطرف في تحقيق انتصار تاريخي توقعته بعض استطلاعات الرأي، إذ خسر مرشحوه في جميع المناطق، بما فيها منطقة بروفانس-ألب كوت دازور (جنوب شرق) التي كان متقدماً فيها في الجولة الأولى التي أجريت الأحد 20 يونيو/حزيران.

ولم يكن حزب “الجمهورية” إلى الأمام، حزب الرئيس إيمانويل ماكرون، أحسن حالاً، حيث لم يفز أي من مرشحيه في جميع الأقاليم، مما يطرح علامة استفهام ضخمة بشأن حظوظ ماكرون في الانتخابات الرئاسية المقررة بعد 10 أشهر من الآن.

عزوف الفرنسيين عن التصويت

كانت الملاحظة الأبرز في الجولة من انتخابات الأقاليم هي غياب الناخبين، حيث تدنت نسبة الإقبال بصورة غير مسبوقة، وبلغت نسبة الامتناع عن التصويت نحو 68.5%، على الرغم من تزامن الانتخابات مع انتهاء نحو سبعة أشهر من القيود الصارمة على الحريات المدنية بسبب جائحة كورونا ووسط طقس مشمس.

وتوقع البعض أن ترتفع نسبة الإقبال في الجولة الثانية، مع تكثيف المرشحين والأحزاب لحملاتهم الهادفة لخروج الناخبين والتوجه نحو مراكز الاقتراع. لكن ذلك لم يفلح، واستمر عزوف الفرنسيين عن الإدلاء بأصواتهم، في مؤشر على عمق الأزمة التي تواجهها الجمهورية الخامسة في فرنسا والتي أسسها شارل ديغول، بحسب المحللين.

وقال يوسف شهاب، أستاذ العلوم الجيوسياسية والعلوم الدولية في جامعة باريس، لقناة فرانس24 إن المؤشر الأخطر في هذه الانتخابات يخص العملية الديمقراطية برمتها في الجمهورية الخامسة التي أصبحت في مأزق حقيقي بسبب عزوف الناخبين عن التصويت بتلك النسبة القياسية.

وأرجع شهاب السبب في عزوف الفرنسيين عن المشاركة في الانتخابات إلى عدة أسباب أبرزها “عدم حدوث تغيير حقيقي في السياسات وعدم تحقيق المرشحين لوعودهم”، مضيفاً أن الأحزاب التقليدية مثل الحزب الاشتراكي (يسار) وحزب “الجمهورية” يمين قد فقدت كثيراً من أرضيتها الشعبية، بينما فشل اليمين المتطرف “التجمع الوطني” في حشد أنصاره للخروج إلى صناديق الاقتراع، باستثناء الانتخابات الرئاسية.

ولا يمتلك حزب ماكرون “الجمهورية إلى الأمام” شعبية جماهيرية في الأقاليم بفرنسا، ويرى شهاب وغيره من المحللين أن الحزب الذي أسسه ماكرون قبل انتخابات الرئاسة التي فاز بها عام 2017 لم يضِف جديداً للحياة السياسية في البلاد، وأن الحزب هدفه الرئيسي “خدمة ماكرون وليس خدمة العملية السياسية في البلاد”.

هل خسرت لوبان فرصة الفوز بالرئاسة مبكراً؟

يرى كثير من المراقبين أن تيار اليمين المتطرف، الذي تعتبر ماريان لوبان رمزه الرئيسي، كان الخاسر الأكبر في الجولة الثانية من انتخابات الأقاليم، وقد أقرت لوبان نفسها بهذه الحقيقة.

فقد أقرت لوبان بالخسارة مساء الأحد وقالت: “هذا المساء، لن نفوز بأي منطقة”، متحدثة عن “أزمة عميقة على صعيد الديمقراطية المحلية”، لكنها شددت على أن “التعبئة هي مفتاح الانتصارات في المستقبل”، في إشارة إلى الانتخابات الرئاسية المقبلة.

فقد أظهرت استطلاعات الرأي التي أجرتها مؤسسة إيفوب حصول اليمين المتطرف على 44.2% من الأصوات في الجولة الثانية من الانتخابات في بروفانس ألب كوت دازور مقابل 55.8% لتيار المحافظين. وأظهر استطلاع آخر أجرته مؤسسة أوبينيان واي أن اليمين المتطرف حصل على 45% من الأصوات مقابل 55% لمنافسيه.

ماريان لوبان زعيمة اليمين المتطرف في فرنسا

وفي منطقة أوت دو فرانس الشمالية، أظهرت استطلاعات الرأي أن بطاقة يمين الوسط برئاسة المحافظ كزافييه برتران، وهو مرشح آخر للانتخابات الرئاسية لعام 2022، تتجه لتحقيق فوز مريح على اليمين المتطرف.

وتشير هذه النتائج تساؤلات جدية حول مدى نجاح استراتيجية لوبان في تحسين صورة حزبها المناهض للهجرة والمشكك في منطقة اليورو، من أجل محاولة كسب أصوات الناخبين من تيار اليمين التقليدي.

ومع ذلك، يقول محللون إن الفشل الواضح للوبان وحزبها في الفوز في اثنين من معاقل اليمين المتطرف ينبغي ألا يتم إسقاطه على الانتخابات الرئاسية العام المقبل، بحسب تقرير لفرانس24.

ماذا عن حزب ماكرون إذاً؟

أبدى حزب الرئيس إيمانويل ماكرون “خيبة أمله” إثر ظهور النتائج الأولية للانتخابات، فحزب “الجمهورية إلى الأمام” لم يفز بأي منطقة، وهذا مؤشر خطير بالنسبة إلى “خيبة أمل للغالبية الرئاسية” وذلك قبل عشرة أشهر من الانتخابات الرئاسية، وفق رئيس الحزب ستانيسلاس غيريني.

وكان حزب الرئيس الفرنسي الذي أنشئ في عام 2017 ولا يملك قواعد شعبية في المناطق، قد تلقى نكسة كبيرة في الدورة الأولى من الاستحقاق التي أجريت الأحد الماضي، إذ لم يتمكن من الفوز بأي من المناطق الـ13.

ومن الطبيعي أن تطرح تلك النتيجة الكارثية تساؤلات جادة إذا ما كانت خسارة “الجمهورية إلى الأمام” تشكل ضربة قاضية لماكرون قبل عشرة أشهر من الاستحقاق الرئاسي.

لكن جمال بدومة، المحلل السياسي في فرانس24، أشار إلى أنه من المبكر التنبؤ بتقديرات انتخابات الرئاسة التي جرت العادة أن تكون لها أحكامها وقواعدها الخاصة في فرنسا، مضيفاً أن الانتخابات الرئاسية عادة ما تحمل مفاجآت لما بها من تحالفات.

ويتفق كثير من المحللين مع هذا الرأي، على أساس أن نسبة العزوف القياسي عن التصويت في انتخابات الأقاليم على الأرجح لن تتكرر في الانتخابات الرئاسية من ناحية، كما أن عدم وجود شخصية سياسية تحظى بشعبية واضحة على الساحة الفرنسية قد يصب في صالح ماكرون، كما حدث في انتخابات 2017 التي فاز بها.

وإذا لم تحدث مفاجآت كبرى خلال الأشهر العشرة التي تفصل الفرنسيين عن الانتخابات الرئاسية، فإن ذلك يعني أن مشهد الانتخابات الماضية (2017) قد يتكرر مرة أخرى، لتنتهي الجولة الأولى بوصول ماكرون ولوبان إلى الجولة الثانية الحاسمة، بحسب المحللين.

أما بخصوص من منهما قد يكون أقرب للفوز هذه المرة، فالإجابة على الأرجح ستظل مفتوحة على جميع الاحتمالات، خصوصاً أن ماكرون كان يحظى بدعم اليسار واليمين المحافظ والناخبين المسلمين في المرة الماضية، لكن الرئيس الفرنسي ربما يكون قد خسر أصوات اليسار وكثير من مسلمي فرنسا، بعدما أثار غضب الجميع بتصريحاته عما وصفها بـ”الانعزالية الإسلاموية”.

الخلاصة هنا هي أن نتيجة الانتخابات الإقليمية في فرنسا قد وجهت لطمة قاسية للوبان ولماكرون معاً، لكن ذلك لا يعني بالضرورة أن كليهما قد خسر فرصته في الانتخابات الرئاسية المقبلة بالفعل، نظراً لعدم منافس لهما، حتى الآن!

عربي بوست