السياسية:

يعتقد على نطاق واسع أن السياسي المتشدد إبراهيم رئيسي هو المرشح الأوفر حظاً في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، ويثير تاريخه قلقاً كبيراً لدى المعارضين الإيرانيين، كما يلقي مزيداً من الشكوك حول تطورات المفاوضات النووية الإيرانية.

وسيتعين على الإيرانيين الاختيار من بين ساحة تتألف في معظمها من مرشحين معادين للغرب ومتشككين في الاتفاق النووي المتعثر للبلاد حين يخرجون لاختيار رئيسهم المقبل في يونيو/حزيران المقبل.

وضمت القائمة النهائية 7 أسماء فقط من أصل 40 شخصاً قدمواً أوراقهم إلى مجلس صيانة الدستور للترشح للانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 18 يونيو/حزيران المقبل.

ويُعَد المرشح الأوفر حظاً في القائمة النهائية، والتي نشرتها وزارة الداخلية، هو الرئيس الحالي للسلطة القضائية ورجل الدين المحافظ للغاية، إبراهيم رئيسي، حسبما ورد في تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية.

وأثار استبعاد المرشحين الإصلاحيين والمعتدلين من قبل مجلس صيانة الدستور، الذي يهيمن عليه المتشددون، استياء الكثيرين داخل إيران، في وقت يبدو فيه أن الأجواء تعد ليربح شخص واحد بعينه هذه الانتخابات، هو رئيسي.

هل يفسد إبراهيم رئيسي الاتفاق النووي؟

وتحل الانتخابات الرئاسية الإيرانية في الوقت الذي تتوصل فيه أخيراً القوى الدولية وإدارة الرئيس المعتدل حسن روحاني إلى اتفاق لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015، والذي تخلى عنه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب. وفي حين كان إبراهيم رئيسي معادياً للاتفاق، فمن المستبعَد أن يفسد المباحثات التي تجري في فيينا في الوقت الذي يؤيدها فيه المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي.

وبوجود رئيس متشدد، ستكون السلطة التنفيذية الإيرانية منسجمة مع مؤسسات الدولة الأخرى -بما في ذلك القضاء والبرلمان والحرس الثوري- وهو الأمر الذي، للمفارقة، قد يؤدي إلى زيادة احتمالية العودة إلى الاتفاق النووي في ظل التوقعات بمحدودية المشاحنات السياسية في طهران في هذه الحالة.

ينذر بكارثة للمجتمع المدني

لكنَّ احتمال وصول شخص محافظ متشدد إلى الرئاسة ينذر بكارثة لنشطاء المجتمع المدني وحقوق الإنسان الذين شعروا بخيبة أمل مريرة نتيجة عجز روحاني عن إحداث أي أثر كبير في تغيير القوانين الثقافية والاجتماعية الصارمة بالبلاد.

من المتوقع كذلك أن تؤدي هيمنة المتشددين على الاقتراع إلى نسبة مشاركة منخفضة. إذ قالت وكالة أنباء فارس شبه الرسمية، المتحالفة مع فصائل المتشددين، إنَّ بيانات آخر استطلاعات الرأي تشير إلى أنَّ نسبة مشاركة الناخبين في 18 يونيو/حزيران المقبل ستكون 53%، في واحدٍ من أقل المعدلات المسجلة، وإنَّ 72.5% من أولئك الذين يعتزمون المشاركة سيصوتون لرئيسي.

ولم تقدم وكالة فارس أي بيانات أو تفاصيل حول كيفية إجراء الاستطلاع.

استبعاد مستشار المرشد

استبعد مجلس صيانة الدستور -وهو هيئة دستورية نافذة مُعيَّنة بشكل مباشر مع خامنئي ومُكلَّفة بفحص الانتخابات- أكثر من 580 شخصاً من السباق الرئاسي، بينهم علي لاريجاني، رئيس البرلمان السابق والمستشار الحالي للمرشد الأعلى.

وكان يُنظَر إلى لاريجاني، الذي ينحدر من أسرة نافذة ويحظى باحترام واسع داخل المؤسسة السياسية في إيران، باعتباره قريباً من روحاني أكثر من اللازم ويُرجَّح أن يواصل سياسته المتمثلة في الانخراط مع الغرب.

كما استبعد مجلس صيانة الدستور الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد ورئيس مجلس الشورى السابق علي لاريجاني والمرشح الإصلاحي إسحاق جهانغيري.

وقد اشتكى الرئيس الإيراني الحالي حسن روحاني، والذي لا يحق له الترشح بحسب الدستور لدورة رئاسية ثالثة، مما وصفه بالاستبعاد الجماعي لعدد من المرشحين قبيل الانتخابات الرئاسية.

ودعا في رسالة أرسلها إلى القائد الأعلى للثورة الإسلامية، آية الله علي خامنئي، إلى التدخل لتوفير “منافسة أكبر” وإلا فستتحول الانتخابات إلى “جثة هامدة”، بحسب تعبيره.

ويضم مجلس صيانة الدستور، وهو هيئة غير منتخبة، 12 من رجال الدين والمشرعين، وله القرار الفصل في اختيار أهلية المرشحين.

ويحظى إيراهيم رئيسي، المقرب من خامنئي وكثيراً ما تشير وسائل الإعلام الرسمية إليه باعتباره الخليفة الأكثر ترجيحاً للمرشد الأعلى، بإعجاب الأجهزة الأمنية والمؤسسات الدينية بالجمهورية الإسلامية، لكنَّه لا يحظى بشعبية لدى الطبقة الوسطى الحضرية المتعلمة بالبلاد.

وقد خسر بهامش كبير حين خاض الانتخابات ضد روحاني في 2017 لأنَّه كان يُنظَر إليه باعتباره تهديداً للاتفاق النووي الذي دافع عنه خصمه في محاولة لإنعاش الاقتصاد وتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة وتحفيز الاستثمار الأجنبي المباشر في البلاد بعد عقود من العزلة.

ولم يكن إبراهيم رئيسي معروفاً بشكل واسع بين الإيرانيين قبل انتخابات عام 2017، إذ كان قضى السنوات الماضية بعيداً عن الأضواء يعمل في السلك القضائي. وتربطه بقيادة الحرس الثوري علاقات قوية، وينظر اليه على أنه المرشح المفضل للتيار المتشدد.

ورئيسي حائز على شهادة دكتوراه في الفقه الإسلامي، وكان له صعود سريع في السلك القضائي، إذ أصبح مساعد النائب العام في طهران ولم يتجاوز سنه 25 عاماً.

ويقول أمير عظيمي من “بي بي سي فارسي” إنه في عام 1988، كان رئيسي واحداً من القضاة الأربعة الأعضاء فيما أطلق عليه “لجنة الموت” التي كانت تقرر مصير الآلاف من معتقلي المعارضة الذين أعدموا عند انتهاء فترات محكومياتهم. وتعد تلك الإعدامات من الأحداث الأكثر سرية في تاريخ إيران ما بعد الثورة، ولم يتم التحقيق فيها رسمياً قط.

ومن غير المرجح أن يثار هذا الموضوع من جانب الإعلام الإيراني الرسمي خلال هذه الحملة الانتخابية، ولكنه يناقش بالفعل على نطاق واسع من خلال وسائل التواصل الاجتماعي ومن قبل الإعلام الناطق بالفارسية في الخارج، حسبما ورد في تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي”.

وفي مارس/آذار 2016، عين رئيسي مديراً لواحدة من أغنى وأهم المؤسسات الدينية في إيران، وهي مؤسسة “آستان قدس رضوی”، وكلف بمسؤولية الإشراف على مرقد الإمام الرضا في مشهد. ويعد هذا المنصب منصباً يحمل الكثير من الهيبة والنفوذ.

وأدى تعيين رئيسي فيه إلى استنتاج كثيرين بأنه إنما يُعد ليخلف المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، بحسب عظيمي الذي يقول إن بعض المراقبين يرون أن ترشحه لمنصب الرئيس إنما هو على سبيل الاستعداد لتولي المنصب الأعلى، منصب المرشد. وإذا صح ذلك، فإن قرار ترشحه للرئاسة ليس خالياً من المخاطر، فإذا خسر بعد حملة تتسم بالمرارة فلن يكون من السهل تعيينه مرشداً في القريب العاجل، حسبما نقلت عنه “بي بي سي”.

وسيخوض رئيسي الانتخابات إلى جانب عدد من الخاسرين السابقين الآخرين، بينهم سعيد جليلي، الرئيس السابق لوفد المفاوضات الإيراني مع القوى الكبرى في عهد الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، والقائد السابق لقوات الحرس الثوري محسن رضائي، ومحسن مهر علي زاده، المرشح الوحيد الذي عمل في حكومة إصلاحية.

وكان مهر علي زاده رئيساً لهيئة الرياضة الإيرانية في عهد الرئيس محمد خاتمي. وفي حين أنَّه مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالإدارة الوحيدة المؤيدة للإصلاح بصورة كاملة في الجمهورية الإسلامية، فلا يُعتَبَر سياسياً قوياً ولم يجذب إلا أقل من مليون ونصف المليون صوت حين ترشح في 2005.

* المادة الصحفية نقلت حرفيا من موقع بي بي سي ولا تعبر عن رآي الموقع