السياسية:

من الصعب معرفة حصيلة حرب غزة، حالياً، في ضوء الغموض المحيط باتفاق إطلاق النار بين المقاومة الفلسطينية والعدو الإسرائيلي الذي أُبرم بوساطة مصرية.

ولكن من الواضح أن الحرب أعادت القضية الفلسطينية للأضواء بعدما كان العالم قد تجاهلها، وأصبحت الإدارة الأمريكية الجديدة لا تراها أولوية في ضوء انشغالها بمواجهة تصاعد نفوذ الصين وروسيا. 

وأوقفت الهدنة التي دخلت حيز التنفيذ يوم الجمعة 21 مايو/أيار قتالاً دام 11 يوماً بين إسرائيل وحركة حماس في غزة، دون حل أي من المشكلات الأساسية في الصراع الدائر منذ عقود في الشرق الأوسط، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The Washington Post الأمريكية.

ولا يتوقع أحد تقريباً أن تكون هذه الحرب- التي اندلعت بسبب الاحتجاجات والاشتباكات في القدس- هي الأخيرة.

حصيلة حرب غزةاحتفال في فلسطين وانتقادات لنتنياهو في إسرائيل

احتفل الفلسطينيون في غزة والقدس الشرقية والضفة الغربية المحتلة بما اعتبره كثيرون انتصاراً لحركة حماس على إسرائيل التي تتمتع بقوة أكبر بكثير. وفي الوقت نفسه، واجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو انتقادات من قاعدته المتشددة؛ حيث اتهمه كثيرون بإنهاء الحرب قبل الأوان دون هزيمة حماس.

وقال نتنياهو إن إسرائيل ألحقت أضراراً جسيمة بالقدرات العسكرية لحركة حماس وقتلت 200 من مقاتليها بينهم 25 من كبار قادتها. وقال إنها ضربت أكثر من 100 كيلومتر من الأنفاق، فضلاً عن قاذفات صواريخ وبنى تحتية عسكرية أخرى.

لكن إسرائيل لم تنجح قط في وقف إطلاق الصواريخ.

إذ أطلقت حركة حماس وابلاً هائلاً من الصواريخ بدا في بعض الأحيان متفوقاً على الدفاعات الجوية الإسرائيلية المهولة، على أن الجيش الإسرائيلي صرّح بأن معدل اعتراضه للصواريخ يبلغ 90% وأن مئات الصواريخ سقطت في غزة، حيث قتل أحدها عائلة فلسطينية مكونة من ثمانية أفراد.

هدنة هشة جديدة

مثلما حدث في الحروب الثلاث الأخيرة، انتهى القتال بهدنة غير رسمية بوساطة من مصر وآخرين، ولم يُعلن عن شروط محددة.

وزعمت حماس أن العدو الإسرائيلي وافقت على وقف تحركات الشرطة في مجمع المسجد الأقصى في القدس والتهديد بإجلاء العائلات الفلسطينية من حي الشيخ جراح القريب منه. وقد أثار كلا الأمرين احتجاجات فلسطينية واشتباكات مع الشرطة أدت في النهاية إلى اندلاع الحرب. ولكن لم يخرج تأكيد على ذلك من جانب إسرائيل أو الوسطاء حول هذه الشروط.

وحتى قبل أن يجف حبر وقف إطلاق النار، اقتحم عشرات المستوطنين باحات المسجد الأقصى، صباح الأحد 23 مايو/أيار 2021، وسط حراسة مشددة من قوات الاحتلال الإسرائيلي، بعد أن اعتدت واعتقلت عدداً من المعتصمين الذين تواجدوا بأعداد قليلة، إثر حصار فرضه الاحتلال على المسجد وإغلاق منذ صلاة الفجر. 

وسبق ذلك قيام شرطة العدو الإسرائيلية بفرض تشديدات كبيرة على أبواب المسجد الأقصى، منذ فجر الأحد، حيث منعت المصلين من الدخول لأداء صلاة الفجر، كما شمل المنع إدخال طلاب المدارس الشرعية الواقعة داخل المسجد.  

وقد أدت هُدَن سابقة إلى وقف اشتباكات كبرى ولكن ثبت أنها هشة؛ إذ خاضت العدو الإسرائيلي وحماس أربع حروب وتبادلتا إطلاق النار مرات عديدة لا تحصى منذ سيطرة حماس على غزة عام 2007. وكانت بعض الاشتباكات المتفرقة في الأقصى بعد صلاة الجمعة بمثابة اختبار مبكر لاستمرارية الهدنة.

ولكن لم تتطرق أي هدنة إلى المشكلات الأساسية، مثل احتلال إسرائيل للأراضي التي يريدها الفلسطينيون لدولتهم المستقبلية ورفض حماس الاعتراف بإسرائيل. ولم يعقد الإسرائيليون والفلسطينيون محادثات سلام جوهرية منذ أكثر من عقد.

كان خصوم نتنياهو السياسيون على وشك تشكيل الحكومة والإطاحة به بعد أربع انتخابات غير حاسمة انعقدت في غضون عامين. لكن مفاوضات التحالفات الحساسة مع الأطراف العربية داخل إسرائيل (عرب 48) توقفت حين اندلع القتال.

وبدت الحرب في البداية وكأنها تعزز فرص نتنياهو السياسية، وسمحت له بتقديم نفسه على أنه زعيم قوي يعاقب أعداء البلاد. لكن الانتقادات الموجهة له لم تتوقف منذ سريان وقف إطلاق النار، حسب صحيفة The Washington Post

وليس واضحاً على الإطلاق إن كان خصوم نتنياهو، الذين ينتمون إلى الطيف السياسي الممتد من الحلفاء السابقين من التيار اليميني إلى الأحزاب العربية، سيتمكنون من تنحية خلافاتهم جانباً لإبعاده عن منصبه. وعقد انتخابات جديدة أواخر هذا العام من الاحتمالات الواردة بقوة.

وقد ساد استقطاب حاد بين الإسرائيليين حول نتنياهو في السنوات الأخيرة؛ حيث واجه مزاعم بالفساد يُحاكم بسببها الآن. وفي الأشهر التي سبقت الحرب، دأب نشطاء على تنظيم احتجاجات أسبوعية خارج مقر إقامته. وهم يستعدون الآن لاستئنافها.

أمريكا تضطر للنظر للشرق الأوسط مجدداً 

وقفت إدارة بايدن، التي كانت تأمل في تخليص الولايات المتحدة من صراعات المنطقة المستعصية للتركيز على قوة الصين الصاعدة وتغير المناخ، عاجزة واُستدرجت من جديد إلى دور الوسيط في الشرق الأوسط.

فمنذ بداية الحرب الأخيرة، أكدت الولايات المتحدة غير مرة حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، في الوقت الذي شجعت فيه سراً جهود وقف إطلاق النار. لكن الرئيس جو بايدن قال لنتنياهو يوم الأربعاء إنه يريد أن يرى “تهدئة كبيرة للتصعيد”.

وبدا في البداية أن نتنياهو يتجاهله بقوله إنه “عازم على مواصلة” الهجوم حتى تتحقق أهدافه. لكنه وافق على وقف إطلاق النار في اليوم التالي.

وكان هذا الحوار بمثابة اختبار مبكر للعلاقة بين الزعيمين، التي شهدت توترات في السنوات الأخيرة. وفي الوقت نفسه، يواجه بايدن ضغوطاً داخلية من قاعدة ديمقراطية يتنامى تعاطفها مع الفلسطينيين.

..بلينكن يزور المنطقة

يخطط وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن لزيارة المنطقة في الأيام المقبلة.

أكد وزير الخارجية الأمريكى خلال اتصال مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أنه يتطلع للقائه، خلال زيارته المرتقبة للمنطقة، إلى جانب عدد من اللقاءات مع الجانب الإسرائيلى، لبحث سبل تثبيت التهدئة وعدم التصعيد سواء فى قطاع غزة أو القدس والضفة الغربية.

وأشار بلينكن إلى أهمية مواصلة عمل الفريقين الفلسطيني والأمريكي لتذليل العقبات التى تعترض تطوير العلاقات الثنائية بين الجانبين، مؤكداً حرص الإدارة الأمريكية على تعزيز علاقات الشراكة الفلسطينية – الأمريكية، بما ينعكس إيجاباً على الأمن والاستقرار فى المنطقة.

وقالت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان، إن بلينكن أبلغ عباس أن “الولايات المتحدة ملتزمة بالعمل مع السلطة الفلسطينية والأمم المتحدة لتقديم مساعدات إنسانية سريعة، وحشد الدعم الدولي لإعادة إعمار غزة”.

وقال الرئيس الأمريكي، جو بايدن، السبت، “إنه لا سلام إلى أن تعترف منطقة الشرق الأوسط بحق بالعدو الإسرائيلي في الوجود كدولة يهودية مستقلة”، لافتاً إلى أنه لا يوجد تحوُّل في موقفه تجاه إسرائيل. 

عربي بوست