مستقبل وقف إطلاق النار في فلسطين والعوامل المتحكمة به
إيهاب شوقي*
بعد هذه الجولة المفصلية في الصراع الممتد مع العدو الصهيوني، والتي انتصرت فيها المقاومة نصرًا جليًا لا لبس فيه واستطاعت في 11 يومًا إذابة مخطط انطلق عمليًا منذ 11 عامًا متسترًا تحت عنوان “الربيع العربي”، يبقى الانتصار السياسي رهنًا بما أعلنته المقاومة من التزامها بربط غزة بالضفة والقدس، وهو ما جاء في عبارة بليغة للقائد بسرايا القدس “أبو حمزة” ليلخص لب هذه الجولة وفطنة المقاومة له والتمسك به.
لا شك أن القضية وصلت لمسار صفري، يعني أنه إما المقاومة حتى النصر والتحرير لكامل التراب الفلسطيني، وإما التصفية للقضية ولا ثالث لهذه الخيارات.
ولا شك أن اختيار نتنياهو والكابينيت الإسرائيلي لخيار وقف إطلاق النار من جانب واحد دون تحقيق أي هدف استراتيجي، كان خيارًا حتميًا رغم ما ينطوي عليه من اعتراف صريح بالهزيمة، لأن البديل هو اتفاق للتهدئة وشروط حتما ستتناول ملف القدس، وهو ما لا يملك نتنياهو التعاطي معه نظرًا لمستقبله المتعلق باليمين من جهة، وللتشبث بابتلاع القدس وإنفاق المليارات على هذا المخطط، من جهة أخرى.
كما أن أي اتفاق، لا تملك المقاومة التخلي به عن القدس، وهو ما وضع هذا المسار الصفري وكرس انتصار المقاومة وهزيمة الصهاينة.
إلا أن هذا المسار الصفري أيضًا هو المتحكم بوقف إطلاق النار، الذي نراه هشًا، وبانتظار شرارة صغيرة للاإنهيار، لعوامل متعددة، منها ما هو داخلي فلسطيني، ومنها ما هو داخلي إسرائيلي، ومنها بالطبع ما هو إقليمي ودولي، وذلك على النحو التالي باختصار:
أولًا: العوامل الداخلية الفلسطينية:
هناك أزمة شرعية بالداخل الفلسطيني، ولم تجرَ انتخابات منذ العام 2008، وتأجلت الانتخابات التشريعية والرئاسية وانتخابات المجلس الوطني، والتي كان مزمعا إجراؤها هذا الشهر على خلفية عرقلة العدو الاسرائيلي لإجرائها بالقدس، وبصرف النظر عن منطلقات الرئيس عباس لإلغاء الانتخابات، إلا أننا أمام أزمة حقيقية.
فكل خيارات التهدئة والتسوية تتطلب اتفاقات مع سلطة شرعية، وبملاحظة الشعبية الكاسحة للمقاومة بعد هذا النصر الكبير وزيادة تدني شعبية السلطة ورئيسها، فإن الانتخابات مرشحة بقوة للتمخض عن أغلبية كبيرة للمقاومة لا في غزة فقط، وإنما في الضفة والقدس، وهو ما يستحيل على العدو أو أمريكا أو قوى إقليمية أخرى قبوله.
وبالتالي فإن أي خيار للتفريط أو المهادنة سيصعب تمريره رسميا، ناهيك عن استحالة تمريره شعبيا بعد الزخم العائد للقضية وبعد الدفعة المعنوية الكبيرة للشعب الفلسطيني في الضفة والقدس كما في غزة معقل المقاومة.
هذا يصب في صالح خيار المقاومة وفي صالح التشبث بالثوابت وهو ما يجعل من التصعيد لازما بملاحظة تمسك العدو بالتصفية وصعوبة التنازل وخاصة بعد الضربة القاصمة لهيبته في الجولة الأخيرة.
ثانيا: العوامل الداخلية الإسرائيلية:
بعد هذه الهزيمة الكبيرة للعدو وتصاعد الإحباط بالداخل الإسرائيلي، والانتقادات والشتائم التي وجهت لنتنياهو من الإعلام والخبراء والسياسيين، هناك أزمة كبيرة تتعمق داخل الكيان، تضاف لأزمة الفشل في تشكيل حكومة، وإذا أضيفت للكارثة التي لحقت بالجبهة الداخلية بين العرب والمستوطنين وتآكل الردع والفشل الأمني والعسكري، فإننا أمام أزمة يصعب معها مزيد من الاعتراف بالهزيمة، وهو ما يقود إلى التشدد لمحاولة استعادة الهيبة، كما يقود للتشبث بالقدس واسترضاء المستوطنين لإقناعهم بالبقاء بدلًا من تحقق كابوس الهجرة العكسية البادية نذره.
إضافة إلى ذلك، وكعادة الصهاينة، يمكن تصدير الأزمة إلى الخارج والإلهاء بالعودة لخيار الحرب.
ثالثا: العوامل الإقليمية والدولية:
لا شك أن محور التطبيع والمهادنة قد تلقى ضربة كبرى، لا تقل عن الضربة التي تلقاها العدو، وتراجعت أسهمه بشدة بعد انتصارات المقاومة.
ولا شك أن المطبعين سيحاولون إشعال فتيل مواجهة جديدة لاستعادة مكانتهم، إضافة إلى محاولة خلق الفتن الداخلية بين الفلسطينيين، حيث تزداد الهوة بين المتشبثين بالمهادنة بفعل الإمدادات السياسية والمعنوية من المطبعين، في مقابل ازدياد القناعة بخيار المقاومة شعبيًا وزيادة أسهم فصائل المقاومة، وهي عوامل تساعد على تسريع وتيرة العودة للتصعيد، وهنا تكون المقاومة ملاذا آمنا لوحدة الشعب الفلسطيني.
إن تصريح الرئيس الأمريكي بايدن بأنه لا سلام في الشرق الأوسط دون الاعتراف بحق “اسرائيل” في الوجود، هو في حد ذاته معركة صفرية ودعوة للتصعيد واعتراف بأن هذا الوقف لإطلاق النار هو وقف هش ومؤقت. واقتحام العدو لباحات الأقصى غداة وقف إطلاق النار، كان يمكن أن يكون شرارة مبكرة للغاية لتفجير الاتفاق لو تطورت الأمور وسقط شهداء. لن يتخلى الفلسطينيون عن القدس ولن تعترف المقاومة بالعدو ودولته، ولن يخشى المقاومون من انهيار وقف إطلاق للنار لم يطلبوه ولم يسعوا إليه.
* المصدر : موقع العهد الإخباري