السياسية:

من الطبيعي أن تقفز إلى ذهن من يقرأ العنوان في هذه الأيام صورة ذلك الصاروخ الصيني الخارج عن السيطرة، لكن الأمر لا علاقة له بالصين ولا صاروخها “الشارد” وإنما يتعلق بسيناريوهات لم تعد تبدو مستحيلة.

صحيح أن قصة الصاروخ الصيني “لونغ مارش B5” الذي يدور حول الأرض حالياً بسرعة فائقة ومن المتوقع أن يدخل الغلاف الجوي ربما اليوم السبت 8 مايو/آيار أو غداً الأحد، ويخشى البعض من سقوطه فوق منطقة مأهولة بالسكان مسبباً أضراراً بشرية ومادية، إلا أن علماء الفضاء يكادون يكونوا متأكدين تماماً أن حطامه سيتناثر ويسقط في أحد المحيطات.

وكانت الصين قد أعلنت الجمعة 7 مايو/آيار عن توقعها سقوط حطام صاروخها المحلي الذي كانت أرسلته للفضاء قبل أيام حاملاً الوحدة الأساسية للمحطة الفضائية التي تبنيها بكين، خلال اليومين القادمين أي السبت أو الأحد.

الصاروخ كان قد أتم مهمته بنجاح لكن بكين فقدت السيطرة عليه في طريق العودة للأرض، ونشر موقع بيزنس إنسايدر الأمريكي تقريراً الجمعة، قال إن الصاروخ لا يمكن التنبؤ بموقع هبوطه، لكن بعض التقديرات تشير إلى احتمالية سقوطه في تركمانستان السبت.

نهاية العالم قد تكون نووية

لكن على أية حال، وكما هو واضح من عنوان هذا التقرير، لا علاقة للصاروخ الصيني بسؤال “ما الحدُّ الأدنى لعدد الأشخاص اللازمين من أجل نجاة البشرية من نهاية العالم؟”، وهو السؤال الذي جاء عنواناً لتقرير نشره موقع Live Science الأمريكي ويرصد الأبحاث والدراسات العلمية التي سعت للتوصل إلى إجابة للسؤال الذي قد يبدو غريباً للبعض.

أما عن أسباب التفكير في احتمال انتهاء الحياة البشرية على كوكب الأرض فهي في حقيقة الأمر كثيرة ومتنوعة، من حربٍ نووية شاملة إلى اصطدام كويكب عملاق بالأرض وغيرهما من الأسباب التي قد تكون مرتبطة بتغير المناخ والاحتباس الحراري، كما يقول بعض علماء المناخ أحياناً على سبيل التحذير، وبالتالي فإنه حال وقوع كارثة من هذا النوع وبافتراض وجود بعض الناجين، يصبح سؤال كم عدد الأشخاص الذين سيتطلَّبهم الوضع للحفاظ على استمرار جنسنا البشري، سؤالاً منطقياً ولو على سبيل الافتراض.

وهذا بالتحديد هو صلب تقرير الموقع الأمريكي، وكانت الإجابة القصيرة على هذا السؤال هي أن الأمر يتوقَّف على عوامل عديدة، إذ من شأن الكوارث المختلفة أن تخلق ظروفاً مختلفة لنهاية العالم لكي يتحمَّلها البشر الناجون.

على سبيل المثال، يمكن أن تؤدِّي الحرب النووية الشاملة إلى شتاءٍ نووي، حيث يواجه الناجون درجات حرارة متجمِّدة في الصيف ومجاعة عالمية، ناهيكم عن التعرُّض للإشعاع النووي. ومع ذلك، وبغض النظر عن بعض هذه الشروط، وإذا ركَّزنا على حجم السكَّان، فمن المُحتَمَل أن يكون الحدُّ الأدنى لعدد السكَّان ضئيلاً للغاية مقارنةً بحوالي 7.8 مليار شخص على قيد الحياة اليوم.

سيناريوهات متعددة لبقاء الجنس البشري

كاميرون سميث، الأستاذ المساعد بقسم الأنثروبولوجيا في جامعة ولاية بورتلاند الأمريكية، قال للموقع: “مع وجود عددٍ قليلٍ من السكَّان بالمئات فقط من الأشخاص، فمن المُحتَمَل أن تتمكَّن من البقاء على قيد الحياة لعدة قرون. وقد نجت الكثير من المجموعات الصغيرة من هذا النوع بالفعل لعدة قرون وربما لآلاف السنين”. 

وفي بحثه عن الحضارات البشرية القديمة واستعمار الفضاء يلقي سميث نظرةً ثاقبة على آمال البشرية في البقاء على قيد الحياة عند نهاية العالم، ويتوقَّع أن تكون المدن الكبرى أكثر عرضةً للخطر إذا انهارت الحضارة العالمية، لأنها تستورد معظم طعامها وتعتمد بشدة على الكهرباء. وبالتالي، من المُرجَّح أن ينتشر السكَّان الناجون على نطاقٍ أبعد من المدن للعثور على الموارد.

خلال الفترة المبكرة من العصر الحجري الحديث (الذي بدأ عندما انتهى العصر الجليدي الأخير، منذ حوالي 12 ألف سنة)، عندما بدأ البشر في الزراعة، كانت هناك الكثير من القرى الصغيرة في جميع أنحاء العالم، وكان عدد سكَّانها يتراوح من مئاتٍ قليلة إلى حوالي ألف فرد، وفقاً لما يذكره سميث في البحث. وقال: “كان هؤلاء سكَّاناً مستقلين إلى حدٍّ ما، لكنني أظن أنه كان لديهم أيضاً روابط تربية وصلات زواج مع قرى أخرى. وفي سيناريو مُروِّع آخر، أتخيَّل أن الشيء نفسه سيحدث”.

نهاية العالم لها كثير من السيناريوهات

وقال سميث إن السكَّان الباقين على قيد الحياة من بضع مئاتٍ فقط سيكونون بحاجةٍ إلى طريقةٍ للحفاظ على نظام تكاثر. يُعتَبَر زواج الأقارب، أو التكاثر بين الأفراد المرتبطين ارتباطاً وثيقاً، أحد التحديات التي تواجهها المجموعات السكَّانية الصغيرة.

ويمكن إثبات عواقب زواج الأقارب بسقوط سلالة هابسبورغ الإسبانية، التي حكمت إسبانيا خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر. أفاد موقع Live Science الأمريكي سابقاً بأن السلالة حافظت على الزواج بانتظام داخل الأسرة حتى عام 1700، عندما انتهت السلالة مع الملك تشارلز الثاني الذي كان يعاني من العقم والتشوُّهات الخلقية في الوجه.

وبالتالي يمكن أن يحدث سيناريو مشابه لتناقص عدد السكَّان مع خياراتٍ محدودة للتكاثر بعد نهاية العالم، ما لم يكن لديهم تنوُّعٌ جيني كافٍ لتجنُّب التكاثر بين الأفراد وثيقي الصلة ببعضهم. ستكون هناك حاجةٌ أيضاً إلى عددٍ كافٍ من الأفراد في سنِّ التكاثر من الجنسين، والمعروف باسم الحجم الفعَّال للسكَّان، من أجل حدوث تهجين ناجح.

كيف يمكن أن يستعد البشر للسيناريو المرعب؟

يمكن للبشر أن يعدوا أنفسهم للنجاة من نهاية العالم إذا رأوا أنها قادمةٌ بالفعل، وفي هذا الصدد يبحث سيث بوم، الشريك المؤسِّس والمدير التنفيذي لمعهد الخطر الكارثي العالمي، وهو مؤسَّسة فكرية مستقلة، في مخاطر حدوث كوارث عالمية، إذ يفضِّل بوم منع الكوارث المُحتَمَلة، وهو ما يعني في حالة الحرب النووية على سبيل المثال ضمان علاقاتٍ جيِّدةٍ بشكلٍ كافٍ بين الدول التي تمتلك قدراتٍ نووية. ومع ذلك، يتضمَّن بحث بوم أيضاً إمكانية بناء ملاجئ لحماية البشر في حالة حدوث كارثة عالمية.

قال بوم لموقع Live Science: “إذا كانت هناك كارثةٌ ستحدث، فسوف نرغب في وضع بعض هذه الضمانات موضع التنفيذ في مكانها الصحيح، حتى يتمكَّن بعض السكَّان على الأقل من الاستمرار، وحتى يستمر قدرٌ من الحضارة البشرية”. 

ووفقاً لبوم، من العوامل المهمة في أيِّ نوعٍ من أنواع اللجوء القدرة على عزل مجموعةٍ ما عن كلِّ ما يسبِّب الضرر. على سبيل المثال، قامت بعض البلدان الجزرية، مثل نيوزيلندا وأستراليا، بتحويل نفسها فعلياً إلى ملاجئ على نطاقٍ واسعٍ خلال جائحة كوفيد-19 عن طريق إبعاد الفيروس في الغالب. 

أشهر نبوءات بنهاية العالم لم يكن لها أساس من الصحة

وقال بوم إن الخطوة الأولى هي أن يكون هناك ملجأ مُخصَّص للكوارث في مكانٍ ما على الأرض. وقارن بوم هذا الملجأ الافتراضي مع قبو سفالبارد العالمي للبذور في النرويج، والذي يحتفظ بنسخٍ احتياطية من بذور العالم بأمانٍ داخل أحد الجبال. 

إذاً، في الموقف الافتراضي الذي يتمكَّن فيه البشر من الهروب إلى جرمٍ سماوي أو كوكبٍ لتجنُّب سيناريو نهاية العالم، ما هو الحدُّ الأدنى لعدد الأشخاص اللازمين من أجل نجاة البشرية في الفضاء؟ 

سيكون طاقم البداية مُكوَّناً من 98 شخصاً فقط لرحلةٍ تستغرق 6300 عام (السفر في مركبةٍ فضائية افتراضية بسرعاتٍ ممكنة مع التكنولوجيا الحالية) إلى كوكب بروكسيما سنتوري بي، وهو كوكبٌ يُحتَمَل أن يكون صالحاً للسكن ويشبه الأرض، ويدور حول بروكسيما سنتوري، أقرب نجمٍ إلى الشمس، وفقاً لدراسةٍ أُجرِيَت عام 2018 ونُشِرَت في مجلة Interplanetary Society البريطانية، وقادها فريدريك مارين، عالم الفيزياء الفلكية بجامعة ستراسبورغ في فرنسا والذي يدرس أنثروبولوجيا الفضاء. 

لن يتكوَّن طاقم بروكسيما سنتوري بي من عيِّنةٍ عشوائية من 98 شخصاً، بل 49 زوجاً على استعدادٍ لنقل جيناتهم. سيظلُّ عدد السكَّان مُتنوِّعاً وراثياً وصحياً بمرور الوقت فقط في ظلِّ ظروفٍ معينة، لذلك على سبيل المثال، يجب مراقبة تكاثر الطاقم عن كثب. علاوة على ذلك، من المُرجَّح أن يكون طاقم البداية الأكبر المُكوَّن من 500 فرد خياراً أكثر أماناً، حيث من المُرجَّح أن يحتفظوا بتنوُّعهم الجيني مع المزيد من أزواج التكاثر، وفقاً لدراسةٍ أجراها مارين وزملاؤه نُشِرَت في فبراير/شباط الماضي.

عربي بوست