السياسية:

وسط تدهور العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة، صعد الجيش الروسي هجماته ضد القوات الأوكرانية بينما اخترقت 3 غواصات روسية جليد القطب الشمالي، فهل يختبر بوتين إدارة نظيره الأمريكي جو بايدن أم أنه يستعد لضربة كبرى؟

كانت روسيا قد استدعت سفيرها إلى واشنطن على خلفية وصف بايدن لبوتين “بالقاتل” تعليقاً على ما حدث مع أليكسي نافالني، المعارض الأبرز للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يقضي عقوبة السجن حالياً بعد نجاته من محاولة تسميمه، الصيف الماضي، وشهدت الأيام القليلة الماضية تصعيداً عسكرياً روسياً على الحدود مع أوكرانيا، أصاب المسؤولين في حلف الناتو بالدهشة والتوتر في آن معاً.

تصعيد خطير ضد أوكرانيا
وعلى الأرض تقوم موسكو بحشد عدد غير عادي لقواتها على الحدود مع أوكرانيا، فيما وصفه البعض بأنه يشكل اختباراً مبكراً لإدارة بايدن في الوقت الذي تتطلع فيه إلى إصلاح العلاقات مع حلفائها في الناتو (حلف شمال الأطلسي)، وتمييز نفسها عن نهج الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب المثير للجدل في العلاقات مع موسكو.

وأثار حشد القوات على الحدود الأوكرانية، إلى جانب المئات من انتهاكات وقف إطلاق النار في المناطق الشرقية لأوكرانيا التي يسيطر عليها الانفصاليون المدعومون من روسيا، قلق الناتو، وكذلك موجة من الاتصالات بين كبار أعضاء إدارة بايدن ونظرائهم في أوكرانيا وروسيا.

وتعليقاً على ما يحدث، قال جيم تاونسند، نائب مساعد وزير الدفاع الأمريكي السابق لأوروبا وحلف شمال الأطلسي حتى عام 2017 لمجلة Foreign Policy الأمريكية: “إنهم يحققون في المسألة، ويحاولون معرفة ما سنفعله، وما الذي سيفعله الناتو والأوكرانيون. هل هذه إدارة مضطربة، أم أنها إدارة ستتصرف بحزم؟ إنهم يفعلون كل هذه الأشياء لتقييم موقف الإدارة الجديدة”.

كما صرح مسؤول في الناتو للمجلة قائلاً إنَّ مبعوثي دول الحلف الثلاثين التقوا، يوم الخميس 1 أبريل/نيسان، لمناقشة الأمر، وأعربوا عن قلقهم بشأن التدريبات العسكرية الروسية واسعة النطاق، وتصاعد انتهاكات وقف إطلاق النار. وقال المسؤول “تصرفات روسيا المُزعزِعَة للاستقرار تُقوِّض الجهود المبذولة لتهدئة التوترات. يواصل الناتو دعم سيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها. ونحافظ على يقظتنا ومراقبة الوضع عن كثب”.

ويوم الجمعة 2 أبريل/نيسان، حذَّر الكرملين من أنَّ أي نشر لقوات الناتو في أوكرانيا سيزيد من حدة التوترات، ويدفع روسيا إلى اتخاذ تدابير إضافية لحماية نفسها.

وتندلع صراعات في شرق أوكرانيا بين القوات المسلحة في البلاد والانفصاليين المدعومين من روسيا من وقتٍ لآخر، منذ أنهى اتفاق السلام لعام 2015 أسوأ المعارك، ويقول مراقبو الصراع إنَّ التصعيد الحالي يختلف في ضخامته عن المخاوف السابقة.

وتظهر في مقاطع الفيديو التي شاركها مستخدمو الشبكات الاجتماعية الروسية، والتي يصعب التحقق منها بطرق مستقلة، قطارات وقوافل من المركبات العسكرية تتدفق إلى الحدود مع أوكرانيا والقرم- شبه الجزيرة الأوكرانية الاستراتيجية على البحر الأسود التي ضمتها روسيا خلافاً للقانون في عام 2014. ولا يزال المراقبون والخبراء يحاولون تحديد النوايا الروسية وراء هذا الحشد العسكري، الذي يبدو أنه يفوق وتيرة موسكو العادية في التدريبات العسكرية.

ماذا يريد بوتين من هذا التصعيد المكشوف؟
وقال تاونسند، مسؤول البنتاغون السابق، للمجلة الأمريكية، إنَّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “يكون غامضاً حين يضرب ضربته الكبرى. فلماذا سمح لنا برؤية هذا؟”.

واعتبر المسؤولون الأمريكيون السابقون هذا جهداً واضحاً من موسكو لاختبار إدارة بايدن الجديدة، التي لا تزال تُحلِّل مراجعات السياسات حول كيفية صياغة استراتيجية جديدة تجاه روسيا بعد تصعيدات أخرى، بما في ذلك اختراق هائل للوكالات الحكومية الأمريكية، اتهمت واشنطن الكرملين بالمسؤولية عنها.

وقال مسؤول كبير سابق في إدارة ترامب لمجلة Foreign Policy: “قد تكون هذه مجرد مناورة للقوات يختبرونها فقط لمعرفة رد فعلنا، أو قد يكون شيئاً عسكرياً، وربما يكون المكان الذي قرر توقيف الناس فيه على الحدود. إنهم بحاجة إلى إعطاء توضيح علني عن سياساتهم، ومن غير المقبول شن المزيد من الغارات الروسية”.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين
من جانبهم، يُشكِّك المراقبون القدامى للصراع في أنَّ روسيا تخطط لغزو متجدد لأوكرانيا، لكنهم لم يستبعدوا الاحتمال بالكامل. وقال كيريل ميخائيلوف، الباحث في فريق استخبارات الصراع، الذي يتتبع تدخلات الجيش الروسي في أوكرانيا: “الشيء الذي يميز فلاديمير بوتين هو أننا عندما نفكر فيما سيفعله، نحاول أن نعتقد أنه سيكون شيئاً عقلانياً. قد تكون لديه وجهة نظر مختلفة تماماً عن العالم؛ نظراً لأنَّ المعلومات التي يحصل عليها يفترض أنها مُنسَّقة ومدروسة”.

ويقول روبرت لي، خبير في شؤون الجيش الروسي، إنَّ هذه التحركات تهدف على الأرجح إلى ردع أوكرانيا عن أية هجمات مستقبلية في المنطقة، مضيفاً: “تسعى روسيا لإثبات أنها تحتفظ بالهيمنة التصعيدية”.

فيما قال مسؤول بارز سابق في مجال الدفاع الأمريكي: “المشكلة مع الروس هي أنَّ كل شيء بالنسبة لهم هو خط أحمر، وهم يلوحون بتهديدات على كل شيء، لكن عندما يبدأ موقفهم في الانهيار، يتراجعون. والأوكرانيون يفهمون ذلك أفضل من أي شخص آخر”.

وتأتي هذه التعبئة وسط مجموعة من الأنشطة التصعيدية الأخرى من موسكو. إذ قال بن هودجز، الذي كان القائد العام للجيش الأمريكي في أوروبا حتى عام 2017، “نظم (الروس) حقاً حدثاً يقعقع سيوف الحرب على مستوى القارة”.

ويوم الجمعة الماضي، نشرت وزارة الدفاع الروسية مقطع فيديو لثلاث غواصات روسية وهي تخترق الجليد في القطب الشمالي، وهي مناورة صعبة قال هودجز إنها كانت استعراضاً لقدرات في منطقة تشهد تنافساً عسكرياً متزايداً.

ويوم الإثنين 29 مارس/آذار، أعلن الناتو عن “ذروة غير عادية” في الرحلات الجوية الروسية بالقرب من أطراف انتشار قوات الحلف، حيث اعترضت طائرات الناتو 10 رحلات خلال مدة 6 ساعات، وقال هودجز إنَّ هذه الأحداث، إلى جانب الحشود العسكرية على طول الحدود مع أوكرانيا، “واضح أنها ليست مصادفة”.

علاقات روسيا والغرب منهارة
وتأتي التوترات في الوقت الذي وصلت فيه العلاقات بين الغرب وروسيا إلى “الحضيض”، وفقاً لوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، واستدعت موسكو سفيرها في واشنطن، أناتولي أنطونوف، بعدما أيد بايدن تعليقاً بأنَّ بوتين “قاتل” في مقابلة أجريت معه مؤخراً.

ومع ذلك، تعتزم إدارة بايدن إبقاء قناتها الدبلوماسية مفتوحة لموسكو رغم تصاعد التوترات الثنائية، وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية لمجلة Foreign Policy إنه “لا توجد خطط” لاستدعاء السفير الأمريكي في موسكو، جون سوليفان، إلى واشنطن رداً على قرار روسيا.

وأضاف المتحدث: “نظل ملتزمين بفتح قنوات اتصال مع الحكومة الروسية؛ لتعزيز المصالح الأمريكية وتقليل مخاطر سوء التقدير بين بلدينا”.

حتى مع تصاعد التوترات في الأيام القليلة الماضية، قال مسؤولون أمريكيون سابقون إنَّ كييف تتمسك بحذرها من تصعيد أي صراع؛ ما يعني ابتلاعها الطُّعم من موسكو والسماح للقوات المدعومة من روسيا بتعزيز مكاسبها في الشرق.

بوتين وبايدن
وعلَّق مسؤول دفاعي أمريكي رفيع سابق: “سيكون من الأفضل للأوكرانيين الحفاظ على حالة الجمود بدلاً من التصعيد والتعرض للهزيمة. أفضل ورقة لعب يقدمونها في دونباس هي الضغط الدولي وانتظار خروج بوتين. التلويح بالقليل من جافلين (وهي صواريخ مضادة للدبابات حصلت أوكرانيا عليها من الولايات المتحدة)، لن يكون له فائدة كبيرة”.

وتعيد التحركات الروسية الحالية إلى الأذهان ما حدث عام 2014، عندما شهدت أوكرانيا ثورة أطاحت بالرئيس فيكتور يانكوفيتش، الموالي لموسكو، وردت موسكو بضم شبه جزيرة القرم في مارس/آذار 2014، وسط تنديد غربي وفرض عقوبات على روسيا واستبعادها من مجموعة الثمانية.

والآن أثار تعامل روسيا العنيف مع حركة المعارض نافالني ومحاولة تسميمه، ثم اعتقاله لدى عودته من رحلة علاجة في ألمانيا وسجنه، واعتقال آلاف المتظاهرين، رد فعل غربياً رافضاً لما يحدث، وفرض عقوبات بحق مسؤولين روس من جانب واشنطن والدول الغربية الأخرى، وهو ما رفضته موسكو واعتبرته تدخلاً في شؤونها الداخلية، وتوترت الأمور أكثر بعد وصف بايدن نظيره الروسي بوتين “بالقاتل”، ما أدى لاستدعاء موسكو سفيرها في واشنطن.

عربي بوست