خطة روسيا المعقدة للتغلغل في الشرق الأوسط تغضب إيران وواشنطن على السواء
السياسية:
أثارت زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لدول الخليج العربية، الإمارات والسعودية وقطر، في وقت سابق من هذا الشهر حالة من عدم الارتياح لإدارة بادين، ومثلت نموذجاً لدهاء السياسة الروسية في الشرق الأوسط.
ففي الوقت الذي تتخذ فيه الإدارة الأمريكية الجديدة موقفاً أكثر تشدداً حيال روسيا وزعيمها فلاديمير بوتين، يذهب ثلاثة من أقرب حلفاء أمريكا في الخليج العربي بدلاً من ذلك في اتجاه السعي إلى تحسين العلاقات مع موسكو، حسبما ورد في تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.
رسالة سعودية لبايدن
أحد الأمور التي تجمع موسكو مع هذه الحكومات الخليجية وتعزز تحركات السياسة الروسية في الشرق الأوسط، هو الحذر المشترك من تشديد إدارة بايدن المتجدد على المخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان، وهو أمر لطالما قللت إدارة ترامب من شأنه.
فبالنسبة للسعودية على وجه الخصوص، فقد يكون الهدف من العلاقات الدافئة مع روسيا توجيهَ نوعٍ من التحذير لواشنطن بأنه إذا كانت الولايات المتحدة تعتزم اتخاذ إجراءات عقابية ضد المملكة بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، فإن الرياض يمكنها الالتفات إلى موسكو وشراء المزيد من الأسلحة الروسية وكميات أقل من الأسلحة الأمريكية.
وكان لافتاً أن وزير الخارجية السعودي السعودي فيصل بن فرحان قال خلال مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الروسي سيرغي لافروف إن الأزمة السورية تتطلب حلاً سياسياً، مؤكداً أن هذا البلد في حاجة إلى العودة لحضنه العربي، والتمتع بالاستقرار والأمن.
وهو موقف يعد بمثابة نقلة نوعية في السياسة السعودية تحديداً، التي تُعتبر أكبر متحفِّظ على عودة سوريا للجامعة العربية، ولا يعرف هل هذا الموقف نتيجة تغير التوجه السعودي نحو الأسد، أما مغازلة لروسيا لتوصيل رسالة عتاب لواشنطن.
كما عقد لافروف اجتماعاً ثلاثياً مع وزيري خارجية تركيا وقطر، وهما أبرز دولتين داعمتين للمعارضة السورية، خاصة بعد تخلي الغرب والسعودية عنها، وهو الاجتماع الذي تقول وسائل إعلام روسية إنه قد تمخض عنه ما يُعرف بمسار الدوحة للتعامل مع الأزمة السورية.
السياسة الروسية في الشرق الأوسط تبحث عن المكاسب الاقتصادية
على الجانب الآخر، فإن الأمل في تحقيق مكاسب اقتصادية هو أحد الدوافع الرئيسية التي تجعل السياسة الروسية في الشرق الأوسط تسعى لتحسين علاقاتها مع الرياض وأبوظبي والدوحة.
إذ تتمتع دول الخليج العربية الثلاث هذه بإمكانيات أكبر بكثير للتجارة والاستثمار في روسيا من شركاء موسكو التقليديين المعادين لأمريكا في المنطقة، إيران وسوريا.
لكن اللافت للنظر على نحو خاص، أن روسيا والإمارات، على وجه الخصوص، تعملان معاً على ما يبدو لنقض العقوبات الاقتصادية الأمريكية المفروضة على النظام السوري.
فموسكو تعاني أزمة مالية واقتصادية وهي بالتالي لا تستطيع منع انهيار الاقتصاد السوري، كما أنها تعلم أن الرهان على حلٍّ سياسي في سوريا وإعمارها مستحيل من دون الخليج والسعودية، والرضا الأوروبي والأمريكي.
وها هي تتعاون مع الإمارات ضد العقوبات الأمريكية على الأسد
لم يكتف وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد خلال مؤتمره الصحافي الأخير مع لافروف بالدعوة فقط لعودة سوريا للجامعة العربية، بل ذهب لأبعد من ذلك عندما صرح بأن “قانون قيصر” الأمريكي أصبح يشكل عائقاً رئيسياً أمام التسوية السياسية في سوريا، وأن أبوظبي ستبحث هذا الأمر مع الجانب الأمريكي، وهو ما دفع الخارجية الأمريكية للرد عليه.
وكما أشار كيريل سيمينوف، الخبير في الشؤون الروسية في مقال له على موقع Al-Monitor، أنه فيما يتعلق بالأجزاء من شمال شرق سوريا التي تضم مناطق يوجد فيها أكراد سوريون وقوات نظام الأسد، فإن أنشطة الشركات الإماراتية في هذه المناطق الرمادية تثير احتمالات بأنها تتهرب من عقوبات قانون قيصر الأمريكي المتعلق بحظر التعامل الاقتصادي مع الشركات والأفراد المرتبطين بنظام الأسد.
إذا كان الأمر كذلك، فسيكون هذا مثالاً بارزاً على عملِ حليفٍ للولايات المتحدة مع روسيا لإحباط سياسة أمريكية، وهي هنا العقوبات الأمريكية على نظام الأسد.
ويشير ذلك أيضاً إلى أنه في حين تتشارك الإمارات مع واشنطن في عدائها لإيران، ترى أبوظبي أن العمل مع روسيا ونظام الأسد وسيلةً فعَّالة للحدِّ من النفوذ الإيراني في سوريا أو حتى تحجيمه.
أمريكا ترى روسيا خصماً بينما إيران مجرد مصدر قلق يمكن تغيير سلوكه
وتسلّط هذه السياسة الضوءَ على الاختلاف بين نهج الولايات المتحدة تجاه روسيا وإيران من جانب، وبين توجُّه السعودية والإمارات (وكذلك إسرائيل) للعمل معهما. إذ ترى إدارة بايدن في روسيا خصماً للولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم (ويشمل ذلك منطقة الشرق الأوسط).
بينما ترى إدارة بايدن في إيران مصدرَ قلقٍ قد يُعدَّل سلوكه على نحو إيجابي عن طريق إحياء خطة العمل الشاملة المشتركة.
على النقيض من ذلك، ترى السعودية والإمارات وإسرائيل في إيران عدواً يشكل تهديداً رئيسياً لهم. وعلى الرغم من قلقهم إزاء من بعض جوانب السياسة الروسية في الشرق الأوسط ولاسيما التعاون الروسي مع إيران (خاصة في سوريا)، فإنهم يرون إمكانية إبعاد موسكو عن طهران عن طريق التعاون الاقتصادي الخليجي مع روسيا.
وبطبيعة الحال، فإن مخططي السياسة الروسية في الشرق الأوسط مستعدون تماماً للاستفادة من هذا الاختلاف في تحديد “التهديد الذي يمثّل أولويةً” من جانب الولايات المتحدة من جهة، وبعض حلفائها في الشرق الأوسط من جهة أخرى.
وإيران، بالطبع، ليست مصدر القلق الوحيد لدول الخليج العربية. إذ تعارض كل من روسيا والإمارات، على وجه الخصوص، سياسة تركيا، خاصة في سوريا وليبيا. لكن في الوقت نفسه، تعمل روسيا على زيادة تعاونها مع تركيا وحليفتها الخليجية، قطر، التي كانت على خلاف مؤخراً مع الإمارات والسعودية. وهذا مثال آخر على دعم بوتين للأطراف المتعارضة في وقت واحد دون الانحياز لفقدان أي منهما أو الدخول في خلاف معه.
هذا الوضع يغضب واشنطن وطهران على السواء
في الواقع، ما يلفت الانتباه في السياسة الروسية في الشرق الأوسط ككل -وليس فقط في الخليج- هو أن موسكو بات لديها علاقات جيدة مع جميع حلفاء أمريكا في المنطقة. ومن ثم، فإن ذلك يعني لإدارة بايدن: أن أي جهد أمريكي لتقليص النفوذ الروسي في الشرق الأوسط -أو لجعلِ حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط يدعمون العقوبات الأمريكية ضد روسيا بسبب أوكرانيا وأوروبا (على وجه الخصوص) والانتهاكات لحقوق الإنسان داخل روسيا- كلها جهود من غير المرجح أن تنجح.
ومع ذلك، فإن علاقات موسكو الآخذة في التحسن مع السعودية والإمارات وقطر، إلى جانب علاقاتها الحسنة بالفعل مع تركيا وإسرائيل ومصر ودول أخرى، لا تثير انزعاج واشنطن فحسب، بل انزعاج طهران أيضاً. فاستعداد روسيا للتعاون الوثيق مع جميع حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط -بما في ذلك أولئك المعادون لإيران- يُؤكد لطهران أن التضامن التام مع إيران ليس الأولوية الأبرز لبوتين.
في الواقع، تدرك طهران جيداً بلا شك أن استمرار العداء بين الولايات المتحدة وإيران يعني أن روسيا لن تخشى في أي وقت من الأوقات أن تلجأ طهران إلى واشنطن أو أي طرف آخر حتى إذا اعترضت إيران على التعاون الروسي مع منافسيها الإقليميين. كما لا تستطيع إيران المزايدة على دول الخليج بتقديم حوافز اقتصادية لروسيا لأخذ مصالحها بعين الاعتبار. وحتى لو كان ذلك ممكناً، فإن روسيا ستستمر بلا شك في سعيها إلى الحصول على تنازلات من كلا الجانبين.
بالإضافة إلى ذلك، سيكون إنجازاً كبيراً للدبلوماسية والسياسة الروسية في الشرق الأوسط إذا تمكنت موسكو من إقناع دول الخليج العربية بتمويل أي جهود مدعومة من روسيا لإعادة الإعمار في سوريا، حتى لو كان ذلك بالأساس في المناطق الرمادية التي تشهد حضوراً لنظام الأسد وقوات كردية سورية.
ولا شك ساعتها أن الشركات الروسية، وليست الإيرانية، هي التي ستحصل على هذه العقود. ومع ذلك، ومهما تعاونوا مع روسيا، فمن المستبعد أن يتخلى عرب الخليج عن علاقاتهم الوثيقة مع واشنطن، خاصة أنهم يدركون جيداً أن موسكو لن تتخلى عن علاقاتها مع إيران.
ومثلما ترغب موسكو في العمل مع الأطراف المتصارعة في الشرق الأوسط، فإن حكومات الشرق الأوسط مستعدة للعمل مع قوى خارجية عظمى متعارضة المصالح. كما أن الولايات المتحدة وروسيا ليستا الخيار الوحيد لدول الخليج في الشراكة الخارجية. وهو ما تكشف عنه جولة الزيارات التي بدأها هذا الأسبوع وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، إلى دول المنطقة، وتشمل السعودية وتركيا وإيران والإمارات والبحرين وعمان.
عربي بوست