شارل أبي نادر*

دراسة لافتة نشرها موقع “غلوبس” للباحث يوئِل غوجنسكي في معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، يقول فيها إنه يجب على “إسرائيل” مساعدة السعودية ضد الهجمات الصاروخية، وانه لديها مصلحة في أن تكون يد السعودية هي العليا في الصراع مع إيران، ثم يمكنها قطف الثمار السياسية عاجلًا أو آجلاً، على أن يتم ذلك عبر قنوات سرية. ويتابع الباحث في عرض تقرير عن “الوضع المحرج للسعودية” التي تتلقى ضربات مستمرة من القوات اليمنية، ويقول إن “على “إسرائيل” استغلال هذا الظرف للتقرب من السعودية”.

في الواقع، صفة الكاتب (غوجنسكي) كباحث في معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، وتاريخ ومسار أغلب دراسات المعهد المذكور، والتي تركز دائمًا في بحث ودراسة ما تتعرض له “اسرائيل” من “تهديدات استراتيجية”، ومقترحات المعهد عن استراتيجيات المواجهة لتلك التهديدات، تدفعنا للاستنتاج أولًا، أن الطرح قريب من توجهات الحكومة الإسرائيلية، إذا لم يكن بالكامل معبرًا عن طروحات الأخيرة، وثانيًا، أن الطرح أو الاقتراح، يصب في خانة تامين أو تحقيق مصلحة الأمن القومي الإسرائيلي، فكيف يمكن إذًا، دمج أو ربط مصلحة الأمن القومي للكيان مع تحقيق مستوى مرتفع من حماية أجواء ومنشآت السعودية؟ وما هو الرابط بين المصلحتين؟ وبالتالي، ما هي أهداف “اسرائيل” من الطرح؟

مبدئيًا، لا يختلف كثيرًا مضمون طرح تزويد السعودية بمنظومة القبة الحديدية الإسرائيلية لحماية أجوائها من الصواريخ والمسيرات اليمينة، عن أحد أهم أهداف التحالف الإسرائيلي الخليجي، والذي كانت قد روجت له مؤخرًا “اسرائيل”، وهو: “مواجهة ايران وقدراتها العسكرية النوعية باعتبارها عدوة لهذا التحالف”، ومن هنا، يمكن ايجاد الرابط بين مصلحة الأمن القومي لكيان العدو، وبين أن تكون السعودية محصنة أمام الهجمات اليمنية -الايرانية حسب ادعاء السعودية و”اسرائيل”-.

فالأخيرة استطاعت أن تخلق في ذهن وتوجهات بعض الدول الخليجية وعلى رأسها السعودية، هاجسًا خادعًا بأن ايران هي عدوتهم، وبنت، على هذا الأساس معهم، منظومة واسعة من العلاقات والارتباطات السياسية والعسكرية والإعلامية، ليأتي اليوم معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، ويوصي بتطوير العلاقة الى تزويد مباشر للرياض بمنظومة القبة الحديدية.

أهداف “إسرائيل” من الطرح

أولًا: لا يمكن استبعاد هدف الطرح عن الهدف المادي، فالكيان الصهيوني يعتبر من الأوائل في الشرق الأوسط، كمورد للأسلحة والتقنيات العسكرية المتطورة والفعالة في عالم السلاح، الأمر الذي يغري الكثير من الدول للحصول عليها، وبالمقابل، الطرف الشاري (السعودية)، أيضًا هي من الدول المتصدرة في شراء الأسلحة في العالم، وتدفع أموالًا طائلة بدل حصولها على نماذج متعددة من الأسلحة – خاصة الأميركية منها – دون أن تستعملها، أو أن تكون بحاجة لها، فكم بالحري مع منظومات القبة الحديدية، والتي هي أكثر ما تحتاجه اليوم بمواجهة ما تتعرض له من استهدافات نوعية يمنية، صاروخية أو مسيرة.

ثانيًا: الهدف السياسي من الطرح، ويمكن أن يكون في اتجاهين، الإتجاه الأول تكون الفكرة منه، إظهار موقف داعم للسعودية بمواجهة ايران وحلفائها، وخاصة أنصار الله، وبالتالي سيكون الطرح فرصة لتسهيل التطبيع وعنصرًا من عناصر وأهداف التحالف المزمع بين “اسرائيل” وبعض الدول الخليجية.

الاتجاه الثاني كهدف سياسي من الطرح، يمكن وضعه في إطار التصويب الإسرائيلي على واشنطن وبالتحديد على إدارة الرئيس بايدن، والتي تختلف مع حكومة نتنياهو في الرؤية لمصير الاتفاق النووي مع ايران، فواشنطن مع الاتفاق بشروط خاصة طبعًا، بينما “تل ابيب” ما زالت ترفضه بالكامل. وهذا التصويب على واشنطن يجعلها في نظر السعودية وكأنها فشلت في حمايتها، في الوقت الذي حصلت فيه على مبالغ طائلة منها، كبدل أسلحة ومنظومات دفاعية لحمايتها، فتكون هنا “اسرائيل”، وكأنها المنقذ البديل للرياض عن واشنطن.

ثالثًا: الهدف العسكري التقني من الطرح، وهو قد يكون الأهم والأكثر الحاحًا للكيان، ويتعلق بحصوله على فرصة ميدانية مباشرة، يقوم خلالها باجراء تجارب حية على منظومات القبة الحديدية لديه، بمواجهة قدرات محور المقاومة، والتي طالما اعتبرها مصدر الخطر الأكثر جدية عليه، بمعزل عن مصدر هذه القدرات، اذا كانت من إيران أو اليمن أو لبنان أو غزة أو سوريا أو العراق، وبذلك تكون “تل ابيب” قد حصلت على فرصة غالية، تقوم على معاينة تلك الصورايخ أو المسيرات اليمينة مباشرة والتعامل معها، والتي تعتبرها من الناحية التقنية، غير بعيدة عن مثيلاتها من التقنيات والقدرات النوعية الايرانية، وبنفس الوقت، تكون ساحتها ومستوطناتها وعمقها، محمية وبعيدة ومحصنة.

بالإضافة للهدف العسكري المذكور أعلاه، يمكن لـ”اسرائيل” عبر ذلك، تنفيذ ربط عملاني ميداني لجميع منظومات الدفاع الجوي في الخليج، (الأميركية والخليجية العربية)، وهذا يمكن أن يشكل ستارًا فعالًا لمصلحتها ضد خطر الصواريخ الإيرانية الباليستية البعيدة المدى، حيث سيكون العنوان المكشوف علنًا، إجراءً دفاعيًا عن أجواء ومنشآت المملكة، وستقبض ثمنه بدلًا ماليًا ضخمًا، ولكنه في الحقيقة، سيكون إجراءً دفاعيًا لحماية عمق “اسرائيل”، عند أي عدوان تقوم به الأخيرة ضد ايران.

* المصدر : موقع العهد الإخباري
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع