هل غادر قطار الإصلاح في السعودية المحطة؟ اعتقال هؤلاء يكشف ما تروِّج له الرياض
السياسية:
يرى كثير من المراقبين أن مسيرة الإصلاح التي يدعو إليها ولي عهد السعودية محمد بن سلمان تحمل في طياتها متناقضات كثيرة، كشفت قضية الداعية سلمان العودة وعدد من المعتقلين في قضايا تخص التعبير عن الرأي جانباً هاماً من تلك التناقضات.
ونشر موقع Modern Diplomacy تقريراً بعنوان “الإصلاح في السعودية: طريق لم يُسلك”، رصد ما يتعرض له الدعاة ونشطاء حقوق الإنسان في المملكة وكيف يناقض ذلك تأكيدات ولي العهد بأنه يسعى لتغيير دفة المملكة العربية السعودية وتحويلها لاتباع ما يقول إنه شكل أكثر اعتدالاً من الإسلام يظل غامضاً وغير محدد.
وكان الشيخ سلمان العودة قد تعرض للاعتقال في سبتمبر/أيلول 2017 ضمن تداعيات انقلاب مفاجئ في سياسة الملك سلمان وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، بعدما بدأ بالتقارب مع علماء الدين في السعودية، وقبل اعتقال العودة، كان الملك سلمان قد اتصل به لتعزيته في وفاة زوجته وابنه في حادث سيارة.
ومثُل العودة، الداعية الإسلامي الشهير، الذي قضى معظم وقته في السجن في الحبس الانفرادي، أمام المحكمة هذا الأسبوع ليُفاجأ بتأجيل قضيته مرة أخرى لمدة أربعة أشهر.
دعوة “العودة” الإصلاحية
يصف خبراء حقوق الإنسان في الأمم المتحدة العودة بأنه “شخصية دينية مؤثرة تحث على زيادة احترام حقوق الإنسان في الشريعة”.
وقالت الباحثة السعودية ياسمين فاروق لموقع Modern Diplomacy إن ماضي العودة في الواقع يُحسب له. وقالت: “إذا كان النظام السعودي يسعى فعلاً إلى إصلاح السلفية الوهابية، فالعُودة سيوفر له نموذجاً يساعده على تنفيذ ذلك، كما أنه طرف لا غنى عنه في هذه العملية. وهذا لأنه رجل لا ينكر ماضيه”.
لكن محاكمة الشيخ سلمان العودة، وكذلك الأحكام التي صدرت العام الماضي بحق رجال مثل الباحث والكاتب الشرعي عبدالله المالكي تلقي بظلالها على تأكيد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أنه يوجه السعودية نحو شكل معتدل من الإسلام غامض وغير محدد.
فتصوُّر الأمير محمد لإسلام سعودي معتدل يهدف إلى تعزيز سعي المملكة لقيادة العالم الإسلامي وزيادة قدرتها على جذب الاستثمار الأجنبي المباشر.
ويرى ولي العهد والعديد من أفراد النخبة السعودية، الذين لم يستهدفهم الأمير محمد في حملته القمعية على المعارضين المحتملين، في الإسلام أداةً لإحكام قبضة الأسرة الحاكمة على السلطة، بحسب تقرير الموقع، وكثيراً ما دافع أفراد في العائلة وكذلك شخصيات دينية محافظة متشددة عن تفسير للإسلام يقضي بطاعة مطلقة لا جدال فيها للحاكم.
حديث الإصلاح “رمزي” وليس حقيقياً
ويقتصر دور العلماء على “نصح وتوجيه” الحكام، على حد قول الأمير تركي الفيصل، مدير الاستخبارات وسفير السعودية لدى بريطانيا والولايات المتحدة سابقاً، الذي يرأس الآن مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية.
على أن سجن المصلحين وإصدار أحكام بحقهم يتناقض تناقضاً صارخاً مع مفاهيم الإسلام الإنسانية التي لا تتناقض مع بل تدعم إعلان الأمم المتحدة العالمي لحقوق الإنسان وتسانده حركة نهضة العلماء الإندونيسية، أكبر حركة مجتمع مدني إسلامية في العالم، بحسب تقرير Modern Diplomacy.
ويظهر هذا التناقض جلياً، رغم التقدم الكبير في حذف خطاب الكراهية ومفاهيم التشدد من الكتب المدرسية السعودية، في الاختلافات بين الخطوات الأولى التي تتخذها حركة نهضة العلماء نحو إصلاح الفقه الإسلامي والتحركات السعودية التي تبدو في الأساس نفعية ودعائية ورمزية.
ويبدو أن إعلان وزير التعليم السعودي حمد بن محمد آل الشيخ هذا الأسبوع عن إنشاء المملكة “وحدات توعية فكرية” في الجامعات “لتعزيز قيم المواطنة والاعتدال والتصدي لأفكار التطرف والانحلال” يهدف في المقام الأول لتعزيز واجهة اعتدال ظاهرية تخلو من مفاهيم تنوع الرأي والتعددية وحرية التعبير.
وفضلاً عن ذلك، اكتسبت دعوات حركة نهضة العلماء لإصلاح الإسلام زخماً في أروقة السلطة في عواصم العالم وكذلك في المجتمعات الدينية غير الإسلامية المؤثرة في الوقت الذي تجاهد فيه السعودية لتلميع صورتها التي شوهتها جريمة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي عام 2018 وقمعها الأصوات الناقدة.
لكن انتقاد إدارة بايدن لملف السعودية في حقوق الإنسان وسلوكها في الحرب المستمرة منذ ست سنوات في اليمن أدى إلى تعقيد مساعي المملكة لتحسين صورتها، لا سيما في الغرب.
الإصلاح والاقتصاد وحقوق الإنسان
وألقت مشكلات صورة السعودية بظلالها على سعي المملكة لاكتساب قوة ناعمة دينية وكذلك جذب الاستثمار الأجنبي المباشر اللازم لتنفيذ خطة التنويع الاقتصادي التي وضعها الأمير محمد بنجاح.
وتثير سياسة محاكمة المنتقدين والمعارضين تساؤلات ليس عن ملف المملكة في مجال حقوق الإنسان فحسب، وإنما أيضاً عن قضايا مهمة للعديد من المستثمرين الأجانب المحتملين مثل استقلال القضاء والشفافية والمساءلة وسيادة القانون.
وفي هذا السياق، يعمل المسؤولون السعوديون على إصلاح النظام القضائي في البلاد إصلاحاً شاملاً بحلول نهاية هذا العام، وذلك جزئياً لجذب المستثمرين الذين يقلقهم غياب إطار قانوني واضح. إذ كان كان ولي العهد السعودي قد قال في بيان نقلته وكالة الأنباء الرسمية في فبراير/شباط الماضي إن التشريعات ستظل متماشية مع الشريعة الإسلامية، لكن هذه الإصلاحات “ستسهم في إمكانية التنبؤ بالأحكام” و”تحد من الفردية في إصدار الأحكام”، مضيفاً أن بعض هذه الإصلاحات ستساعد النساء بصفة خاصة.
وبحسب تقرير لوكالة Bloomberg الأمريكية، إصلاح النظام القضائي المقصود به التقليل من السلطة التقديرية الواسعة التي يتمتع بها القضاة في إصدار أحكام تستند إلى تفسيرات فردية للشريعة الإسلامية، إذ قال محللون ومسؤولون إن هذا النظام يُشعر المستثمرين في السعودية وخارجها على حد سواء بالخطر، لأنه قد يؤدي إلى أحكام متضاربة من قضاة مختلفين بل في قضايا متشابهة.
ويشير الإفراج الأخير عن لجين الهذلول، وكذلك عدة معتقلين آخرين، إلى أن الحكومة لن تمضي حتى الآن إلا في معالجة مشكلات سُمعتها ومحاولاتها لأن تكون على وفاق مع إدارة بايدن.
وكانت الصحيفة السعودية الشهيرة عرب نيوز، التي تصدر باللغة الإنجليزية، قد غيرت الشهر الماضي ملفاً تعريفياً للعودة يعود لعام 2019 لتصفه بأنه “رجل دين متقلب” وأحد “دعاة الكراهية”.
وأشار ملف “عرب نيوز” إلى أن العودة لم يغير آراءه المتشددة التي كان يتبناها قبل عام 1999 رغم أنه يقدم نفسه على أنه مصلح ولم يحذف من موقعه الفتاوى الدينية التي تؤيد هذه الآراء.
تقول ياسمين فاروق، الباحثة السعودية: “بدأ العودة في الواقع نهجاً لنزع التطرف عن السلفية السعودية وإصلاحها إصلاحاً شاملاً، من الأساس إلى السطح، دون الاعتماد على إكراه الدولة. والمصداقية التي اكتسبها من ذلك منحته المساحة للتصدي للمقاومة العنيفة لأي عملية إصلاح حقيقية للإسلام داخل المملكة وفي أي مكان آخر”.
وفي هذا السياق كان يفترض أن يكون الشيخ سلمان العودة في طليعة من يستعين بهم ولي العهد السعودي لتنفيذ رؤيته الإصلاحية إذا ما كانت تلك الرؤية قائمة على اقتناع وليست مجرد وسيلة لتثبيت سلطته، بحسب مراقبين، لكن ما حدث من اعتقال ومحاكمة العودة يؤكد أن تلك الرؤية الإصلاحية المعلنة ليست إلا وسيلة وليست غاية.
وهو ما حدث أيضاً مع لجين الهذلول والناشطات المعتقلات أيضاً واللائي كن يطالبن بمنح المرأة السعودية حقوقها مثل حق قيادة السيارة، وهو ما تم بالفعل من خلال قرارات ولي العهد، ورغم ذلك لا تزال تلك الناشطات خلف القضبان رغم الإفراج المشروط عن الهذلول.
وكما أن الشيخ سلمان العودة ليس الوحيد الذي يقبع في السجون في قضايا تخص التعبير عن الرأي، فإن لجين الهذلول، التي استفادت من الضغوط التي مارستها إدارة الرئيس الامريكي بايدن وتم الإفراج عنها بشروط، ليست معتقلة الرأي الوحيدة، فهناك 4 نساء يقبعن في سجون ولي العهد محمد بن سلمان، أولاهن المدوِّنة والكاتبة الصحفية إيمان النفجان، التي كانت على الدوام تتحدَّث عن النسوية في المجتمع السعودي وساهمت بمقالات رأي لشبكة CNN الأمريكية، وصحيفة The Guardian البريطانية، ومجلة Foreign Policy الأمريكية، واعتقلت في في مايو/أيار 2018.
وسمر بدوي شقيقة المدوِّن المسجون رائف بدوي، واعتُقِلَت في 30 يوليو/تموز 2018، ونسيمة السادة وهي ناشطة بارزة دشَّنَت حملةً من أجل الحقوق المدنية والسياسية، ومن أجل نيل حقوق المرأة، وكذلك حقوق الأقلية الشيعية بالمملكة، والرابعة مايا الزهراني واعتُقِلَت في 10 يونيو/حزيران 2018، ووفقاً للفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان، حكمت المحكمة الجنائية السعودية الخاصة على الزهراني في 28 ديسمبر/كانون الأول 2020، بالسجن لمدة خمس سنوات وثمانية أشهر، لدفاعها عن حقوق المرأة ونشاطها.
وهناك العشرات وربما مئات من المعتقلين من دعاة وناشطين وعلماء وحقوقيين وصحفيين، منهم الدكتور علي العمري، والداعية عبدالعزيز الفوزان، إضافة إلى بعض المعتقلين الذين يحملون الجنسية الأمريكية، مثل صلاح الحيدر، وبدر الإبراهيم وغيرهما.
عربي بوست