السياسية:

كشفت صحيفة The Independent البريطانية ، الخميس الفائت ، لأول مرة، أن محادثات سرية توسَّطَت فيها النرويج كادت تنجح في إنقاذ القذافي ووقف القرار الدولي لعملية الناتو في دعم قوات المعارضة في حربها ضد نظام معمر القذافي. 

الصحيفة كشفت في تقرير، الخميس، عن مفاوضات عقدت، في الأيام الأولى من ثورة ليبيا، في غرفةٍ بفندق على بُعدِ ألفي ميل من احتجاجات جابت شوارع العاصمة طرابلس وقمعها نظام معمر القذافي بالقوة. 

كانت المحادثات السرية التي توسَّطَت فيها النرويج أقرب نقطة لإنهاء الحرب الأهلية في ليبيا سلمياً، قبل أن تبدأ عام 2011. 

وفقاً للصحيفة، فقد كادت المفاوضات تسفر عن مسودةٍ تنص على أن معمر القذافي، الذي حكم ليبيا لمدة 42 عاماً، سيتنحَّى عن السلطة ويترك السياسة، لكن مع الحفاظ على مؤسَّسات الدولة دون مساس. 

لكن المحادثات انهارت في اللحظة الأخيرة، قبل أن تعلن الأمم المتحدة دعم عمليات عسكرية للناتو ضد القذافي. 

بريطانيا وفرنسا تتحملان المسؤولية  

وفي أول مقابلةٍ له مع وسائل الإعلام الدولية بشأن مفاوضات 2011، اتَّهَمَ وزير الخارجية النرويجي آنذاك جوناس ستور، الذي توسَّطَ في الصفقة، فرنسا وبريطانيا بمعارضة حلٍّ تفاوضي كان من شأنه إنهاء الأزمة. 

حيث يتهم ستور رئيس وزراء المملكة المتحدة آنذاك ديفيد كاميرون، والرئيس الفرنسي وقتها نيكولا ساركوزي، بالسعي إلى تغيير النظام بأيِّ ثمن، وهي مزاعم ينفيها كلٌّ منهما. 

قال ستور لصحيفة The Independent البريطانية: “شعرت أن العقلية في لندن وباريس لم يكن لديها فرصة للتفكير في الخيار الدبلوماسي”. وتساءل قائلاً: “هل كانت فرنسا وبريطانيا على استعدادٍ للنظر في شيءٍ يتجاوز الحلول العسكرية؟”. 

أضاف: “لو كانت هناك رغبةٌ في المجتمع الدولي لمتابعة هذا المسار ببعض التفاني، أعتقد أنه كان من الممكن أن تكون هناك فرصةٌ لتحقيق نتيجة أقل درامية، ولتجنُّب انهيار الدولة الليبية”. 

تفاصيل المحادثات السرية 

تشير الصحيفة إلى أنه بينما توعَّد سيف الإسلام القذافي، نجل معمر القذافي الأبرز، علناً بسحق التمرُّد، فقد دعا كبار المسؤولين النرويجيين إلى طرابلس للتفاوض، إذ كانوا يسعون بهدوءٍ إلى نتيجةٍ تفاوضية.

وقال ستور إن اثنين من كبار المسؤولين النرويجيين كانا في القصر الرئاسي في طرابلس مع سيف الإسلام عندما صدر قرار الأمم المتحدة في نيويورك. كان لابد من توصيلهما بسرعةٍ عبر الحدود إلى تونس من أجل سلامتهما، مع اقتراب الضربات الجوية الأولى لحلف الناتو. 

وطلب رئيس وزرائها آنذاك ينس ستولتنبرغ، الذي يشغل حالياً منصب الأمين العام لحلف الناتو، من وزير الخارجية ستور مواصلة المحادثات السرية للغاية، واستضافتها في النرويج. 

بعد أسابيع من المحادثات، نظَّم ستور أول لقاءٍ وجهاً لوجه بين كبار مسؤولي النظام والمعارضة في غرفةٍ في فندوق في أوسلو في 27 أبريل/نيسان. 

كان محمد إسماعيل، الساعد الأيمن لسيف الإسلام القذافي، يمثِّل الموالين للقذافي. أما المتمرِّدون، فكان يمثِّلهم علي زيدان، الشخصية البارزة في المجلس الوطني الانتقالي المعارض، الذي أصبح لاحقاً رئيساً للوزراء في ليبيا ما بعد القذافي. 

راح الدبلوماسيون النرويجيون ذهاباً وإياباً، ووضعوا في النهاية “خطةً شاملة” لإنهاء الأزمة. وجاء في السطر الأول: “العقيد القذافي يقرِّر التنحي عن السلطة وإنهاء المرحلة الأولى من الثورة”. 

حتى إن ستور تحدَّث إلى سيف الإسلام عبر الهاتف لتأكيد أن هذه الخطة تحظى بدعمٍ من أعلى المستويات في ليبيا. 

لكن ما سيحدث لمعمر القذافي ظلَّ نقطة شائكة رئيسية. كان الزعيم غريب الأطوار يرفض مغادرة ليبيا، في حين جرت المفاوضات حول ما إذا كان بإمكانه البقاء في البلاد لكن مع تركه السياسة. 

قال ستال ويج، كاتب سيرة ستور النرويجي الذي كشف لأول مرة عن المفاوضات بعد سنواتٍ من الحرب: “الأشخاص المُقرَّبون للغاية من القذافي… دعموا ما كان مطروحاً في التفاوض، لكن الفصل في الأمر كان للقذافي ليعلن موافقته على الانتقال إلى المنفى أو المكان الذي سيعيش فيه”. 

قال ستور إن هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك، كانت حريصةً على ذلك، لكن الدولتين الأخريين لم تهتما بالأمر. 

وأضاف ستور: “لو كانت هناك إرادةٌ للقيام بذلك… كان بإمكان المرء أن يتخيَّل نوعاً من وقف إطلاق النار في الحملة العسكرية من أجل السماح للدبلوماسيين بأخذ خطوة”. 

وتابع: “لكن العملية العسكرية استمرَّت بالفعل لمدة ثمانية أسابيع، والديناميات على الأرض كانت تتغيَّر، وبصراحة لم تكن هناك رغبةٌ في التعبئة وراء مثل هذه العملية (الدبلوماسية)”.

 عربي بوست