السياسية:

كيف سينعكس نهج بايدن الجديد مع السعودية وولي عهدها الأمير محمد بن سلمان على السياسات الداخلية للمملكة، هل تتخفف القبضة الأمنية في الدول العربية بسبب مواقف الإدارة الأمريكية الجديدة أم تزداد وطأتها؟

باتت هذه التساؤلات تُثار في الدوائر الأمريكية الليبرالية المعنية بالسعودية والمنطقة العربية، منذ أن امتنع الرئيس الأمريكي جون بايدن عن إدراج ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في قائمة السعوديين الخاضعين لعقوبات، بعد نشر تقرير مدير الاستخبارات الوطنية الشهر الماضي، الذي خلص إلى أنه أعطى الإذن بقتل خاشقجي، في أكتوبر/تشرين الأول 2018.

انتقادات موجّهة إلى نهج بايدن الجديد مع السعودية

جاء قرار بايدن بعدم معاقبة ولي العهد السعودي بسبب تحسُّبه من أن يؤدي ذلك إلى قطع العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية، حسبما ورد في تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.

وفيما انتقد نشطاء الديمقراطية في الولايات المتحدة قرارَ بايدن، فإن الموقع الأمريكي تساءل ما الرسالة التي يرسلها نهج بايدن الجديد تجاه السعودية إلى النشطاء وسجناء الرأي في المملكة والأنظمة الاستبدادية المجاورة؟

وردّ بايدن نفسه على هذه الانتقادات قائلاً: “لقد قمنا بمحاسبة جميع الأشخاص في تلك المنظمة، ولكن ليس ولي العهد، لأنه لم يسبق لنا، على حد علمي، عندما يكون لدينا تحالف مع دولة، أن لاحقنا حاكم الدولة الفعلي وعاقبنا ذلك الشخص ونبذناه”.

كما جادلت الإدارة الأمريكية بأنها تستطيع، وستستخدم، وسائل اقتصادية وسياسية وأمنية أخرى لتنفيذ ما تقول إنه خفض لمكانة ولي العهد السعودي وتقليص قدرته على الاتصال بالبيت الأبيض مباشرة متى شاء، كما كان الحال خلال إدارة ترامب. 

وأوضح بايدن أن إدارته ستتعامل مع محمد بن سلمان بصفته وزير الدفاع السعودي فقط، وليس كولي للعهد أو الملك المستقبلي، على الرغم من حقيقة أن محمد بن سلمان لا يزال الحاكم الفعلي للمملكة.

رسالة خاطئة للحكام العرب جميعاً

قد يكون هذا الموقف منطقياً من منظور أمريكي، لكنه يرسل رسالة خاطئة إلى المحتجين السلميين والمدافعين عن الديمقراطية في السعودية وفي جميع أنحاء العالم العربي، حسب الموقع الأمريكي.

إنهم الآن يتساءلون عن معنى عبارة بايدن التي أطلقها بمجرد توليه الرئاسة: “أمريكا عادت”، إذا لم تكن حقوق الإنسان ستأخذ موقع الصدارة في سياسته تجاه المملكة. 

ويقول هؤلاء إن إعادة العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية تجعل هذه العبارات تبدو جوفاء، لاسيما إذا اعتقد محمد بن سلمان أنه أفلت من أي عقاب لاغتيال خاشقجي، والعلاقات المستقبلية مع واشنطن ستعود الآن إلى العمل كالمعتاد.

ومع ذلك، فإن الواقع يشي بأن الصورة ستكون أعقد مما تبدو بكثير، حسب الموقع الأمريكي. 

إذ فقد محمد بن سلمان حرية الوصول إلى البيت الأبيض، ولم يعد بإمكانه الاعتماد على مستشار مقرب من الرئيس، كما كان الحال مع جاريد كوشنر (صهر ترامب)، لمساعدته في الوصول إلى الرئيس الأمريكي في أي لحظة. 

ويقول التقرير “لقد عامل الحكام المستبدون العرب أفراد شعوبهم على أنهم رعايا مملوكون وليسوا مواطنين، وتوقعوا منهم إعلان الولاء دون أي حق أو قدرة على محاسبتهم. ولَطالما تذرّع الحكام بمبدأ البيعة الإسلامي، لكنهم تجاهلوا الجزء الآخر من صيغة الحكم هذه: وهي الشورى.

طريقته في الحكم مختلفة عن قادة السعودية السابقين

وعلى خلاف الحكام السعوديين السابقين، الذين تولى معظمهم العرش بموافقة كبار أعضاء العائلة المالكة وفقاً للتقاليد والعادات المقبولة لتوريث الحكم، دفع محمد بن سلمان نفسه إلى قمة الحكم السعودي من خلال السخاء الاقتصادي وتكتيكات التخويف ضد المعارضين والمخالفين المحتملين لها في الدوائر العليا من العائلة المالكة.

وقد استغل انفصال والده المريض لتعزيز سيطرته باستخدام وحدة الأمن الشخصي الموالية له، وما يسمى بقوة التدخل السريع. وقد طالب محمد بن سلمان بالولاء الكامل من الشعب السعودي، رغم أنه لم يصبح ملكاً بعد.

بالإضافة إلى ذلك، استخدم محمد بن سلمان تقنيات متطورة وعملاء لتتبع المعارضين في الداخل والخارج، واستخدم وسائل الإعلام الحكومية وآلة الدعاية لنشر فكرة بين السعوديين، مفادها أنه هو يرمز إلى السيادة السعودية، وأن أي هجوم على شخصه هو هجوم على الدولة السعودية، وانتشر عملاء قوة التدخل السريع في عديد من البلدان لمطاردة المعارضين المتصورين لولي العهد.

كذلك رسّخ محمد بن سلمان الانطباع السائد في المملكة، بأن هجماته على المعارضين يُقرّها بعض القادة الأجانب ذوي النفوذ، ومنهم الرئيس الأمريكي السابق ترامب. وفي الواقع كان بعض هؤلاء القادة مترددين في انتقاد أفعاله علناً بسبب اعتبارات اقتصادية أو أمنية أو جيوسياسية أو تتعلق بمكافحة الإرهاب. وكلما انتشى محمد بن سلمان بدعم إدارة ترامب له ازداد نفوذه داخل المملكة، وازدادت حدة أساليبه. 

ورسالته لشعبه أن تقرير خاشقجي لن يغير شيئاً

ولأنه يتمتع بالسيطرة الكاملة على الحياة في المملكة، فإن الأمير محمد بن سلمان يلوح للجمهور السعودي بأن إقرار واشنطن بتورطه في مقتل خاشقجي لن يقوّض مكانته في سلطة البلاد. وبعد إفلاته من أي عقاب يبدو أن محمد بن سلمان يعتقد أنه سيتعيّن على إدارة بايدن، إن عاجلاً أو آجلاً، التعامل معه خارج شؤون وزارة الدفاع التي يتولاها. حتى إن وسائل إعلامه الأكثر تملقاً زعمت أن قرار بايدن بعدم معاقبة بن سلمان كان بمثابة “تبرئة” من أي تورط له في جريمة الاغتيال.

رغم أن استطلاعات الرأي العام السعودي والتقارير الأولية أشارت إلى أن محمد بن سلمان يتمتع حالياً بشعبية كبيرة بين الشباب السعودي، فإن واقع الأمر أنه سيتعيّن عليه التعامل مع الفقر والبطالة المتزايدة بين هؤلاء الشباب أنفسهم. وفي الوقت الحالي روّج محمد بن سلمان للقومية السعودية الشرسة، كسلاحٍ لقمع هذه المطالب، وهو أمر قد ينجح على المدى القصير، ولكن ليس على المدى الطويل.

استمرار أوضاع المنطقة بهذا الشكل يمثل خطورة بالغة

ولما كان ملايين من الشباب السعودي عاطلين عن العمل أو يعملون في وظائف مؤقتة لا تفي باحتياجاتهم، فقد بدأ العديد من النشطاء المدافعين عن الإصلاح في تسليط الضوء على الحاجة إلى وظائف ومبادرات توظيف جديدة ودعم الأعمال الناشئة. 

ويقول ناشطون إن كثيرين من خريجي الجامعات السعوديين لا يزالون يعيشون في منازل أهلهم، ويعتمدون على آبائهم في تحصيل الدعم، لأنهم عاطلون عن العمل، أو يعملون بوظائف مؤقتة. وهم ليس في استطاعتهم الزواج أو شراء منزل، فماذا سيكون مستقبل السعودية إذا استمرت هذه الظروف أو ازدادت تدهوراً؟

أدى ارتفاع معدلات البطالة والفقر المنتشر في جميع أنحاء العالم العربي إلى تركز الاحتجاجات في العام الماضي على الفساد الهائل الذي ابتُليت به هذه الدول. وإذ استمرت الأنظمة في قمع المتظاهرين فإن النشطاء سيتخلون عن فاعلية الاحتجاجات السلمية، وسيلجأ بعضهم إلى العنف، حسب الموقع الأمريكي.

لا يستطيع نشطاء حقوق الإنسان والمطالبون بالإصلاح في المملكة ومعظم الدول العربية تنظيم مظاهرات عامة بحريةٍ وأمان ودون قمع حكومي. وفي الغالب تُقابل أجهزة أمن النظام المتظاهرين بالغاز المسيل للدموع والضرب والعنف المميت والاعتقالات، وكثير منهم، سواء في السعودية أو البحرين، يحاكمون بموجب قوانين “مكافحة الإرهاب” و”مناهضة الدولة”.

ماذا يجب أن يفعل بايدن؟

يرى موقع Responsible Statecraft الأمريكي أنه إذا أراد بايدن أن يؤتي تقرير الاستخبارات الخاص باغتيال خاشقجي أُكله، فعليه أن يسلك نهجاً بسيطاً ذا شقين: 

الشق الأول: يجب إخبار محمد بن سلمان بأن عليه السماح للمتظاهرين السلميين المدافعين عن إصلاح المملكة بالتظاهر ورفع مطالبهم العامة المتعلقة بحقوق الإنسان والإصلاح الديمقراطي بحرية ودون تضييق من النظام. 

الشق الثاني: أن يُخصص صندوق وطني للشركات الناشئة الخاصة التي يقودها الشباب.

فلقد أبرزت ثورات الربيع العربي عام 2011 درسين لا يزالان حاضرين: أولاً، مطالب الشباب العربي بالعدالة والكرامة والديمقراطية مستمرة على الرغم من الأنظمة الاستبدادية الراسخة، حسبما يرى الموقع الأمريكي.

والآخر: أن الاعتماد على الحكام المستبدين السلطويين يمثل مشكلة للسياسة الخارجية للولايات المتحدة على المدى الطويل.

بناء على ذلك، يقول الموقع “يجدر بإدارة بايدن أن ترسل رسالة إلى الشعب السعودي من خلال المنظمات غير الحكومية المدافعة عن الإصلاح، مثل مركز الديمقراطية وحقوق الإنسان في السعودية، مفادها أن محمد بن سلمان قد تم إخطاره بأن حقوق الإنسان ستحتل مكانة عالية في تحديد مستقبل العلاقات بين واشنطن والرياض”. 

عربي بوست