مدينة إيرانيّة جديدة تحت الأرض.. ما يمكن استنتاجه
تشكّل القاعدة الإيرانية الجديدة عنصراً أساسياً وفاعلاً من عناصر توازن القوة والردع والتنافس والسيطرة والنفوذ الدولي أكثر مما يمكن أن تؤمنه مجموعة كبيرة من القطع البحرية الأميركية والغربية.
شارل أبي نادر*
أزاح الحرس الثوري الإيراني الستار، الإثنين 15 آذار/مارس 2021، عن أحدث قاعدة صاروخية تحت الأرض تابعة للقوة البحرية فيه. وقد عُرض فيها عدد كبير من المنظومات المختلفة المهام، وبمميزات متقدمة، لناحية زيادة المدى أو قوة الحشوات المتفجرة أو الخاصة، ومنها صواريخ “كروز” وصواريخ باليستية بمختلف المديات، إضافة إلى معدات صاروخية تتمتع بخصائص جديدة، منها الإطلاق الدقيق من العمق، ونشر الألغام بمديات مختلفة، مع إمكانية الإطلاق بنطاق 360 درجة والإطلاق أثناء الحركة، مع قدرات خاصّة بخوض الحرب الإلكترونية. وكان لافتاً في هذه المنظومات أن بعضها قادر على تغيير أهدافه بعد إطلاقه.
إن أهمية وأبعاد ما تمت إزاحة الستار عنه، إضافةً إلى القدرات والمميزات الخاصة بالأسلحة التي تم عرضها، تكمن في توقيت الكشف عن القاعدة، وخصوصية جغرافيتها أو البعد الحساس لبقعة عملها أو لبقعة تأثيرها عسكرياً واستراتيجياً. والأهم في كل ذلك، ما يمكن استنتاجه من خلال المقارنة مع القدرات العسكرية، البحرية والجوية، للأطراف الدولية المعنية بصراع السيطرة في مناطق الشرق الأوسط وشمال المحيط الهندي وشرق آسيا.
توقيت الكشف عن القاعدة
صحيح أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها إزاحة الستار عن قاعدة عسكرية إيرانية أو عن أسلحة جديدة متطورة، فمسار التطور الصناعي الإيراني للأسلحة والقدرات العسكرية الاستراتيجية والكشف عنه لم يتوقف منذ بداية الثورة الإسلامية، في ظل ما تعيشه الأخيرة من تحدٍّ متواصل على الصعيدين الإقليمي أو الدولي، ولكن توقيت الكشف عنها اليوم يحمل الكثير من الرسائل والأهداف التي تريد الجمهورية الإسلامية في إيران إيفادها للأطراف كافة المعنية بالصراع أو المواجهة أو الاشتباك معها.
إنَّ التوتر في الخليج يتصاعد، وتعد إيران تقريباً المستهدف الأول به، وذلك على عدة خلفيات، من بينها الاتفاق النووي وتداعيات انسحاب واشنطن منه، مع ما نتج منه من عقوبات قاسية بحق طهران، أو الهجوم الغربي والإسرائيلي، وخصوصاً على إيران، لناحية قدراتها الصاروخية الباليستية الردعية أو امتدادها الواسع في المنطقة عبر محور المقاومة، والمعادي بشراسة بكامل أطرافه لـ”إسرائيل”، أو على خلفية الاتفاقيات المستجدة والتحالفات المرتقبة بين “إسرائيل” وأكثر من دولة خليجية، مع اتخاذ إيران عدواً أساسياً ورئيساً لهذه التحالفات، مع ما يمكن أن ينتج من ذلك من استهدافات ومخططات ومناورات غير هادئة.
الأكثر حساسية في توقيت الإعلان عن القاعدة، أنه يأتي أيضاً بالتزامن مع طرح الرئيس الأميركي جو بايدن، مدعوماً بقوى غربية، وعلى رأسها بريطانيا، استراتيجية “خاصة” لمواجهة روسيا والصين وحلفائهما، ومنها إيران في الدرجة الأولى.
جغرافية القاعدة
ليس واضحاً مكان القاعدة بالتحديد، إذ لم يتم الإعلان عنه لأسباب خاصة، أمنية أو غير أمنية، ولكن أن تكون القاعدة “المدينة” تحت الأرض، ولمصلحة القوات البحرية للحرس الثوري، فمن المفترض أن تكون على الساحل الإيراني على الخليج أو على بحر العرب وخليج عمان، إذ تكمن فعاليتها الأكبر من الناحية العسكرية في أن تكون خارج مضيق هرمز (شرقه)، وعلى السواحل الإيرانية شمال شرق عمان، بين “بندر عباس” غرباً أو “بندر جاسك” وسطاً (والأكثر ترجيحاً لمكان القاعدة)، بمواجهة ميناء الفجيرة الإماراتي، أو أن تكون على ميناء “جابهار” شرقاً على الحدود مع باكستان، وهي في مطلق الأحوال تتحكّم بالمنطقة الأكثر استراتيجية في الصراع المفتوح في آسيا.
وفي حين تعتبر منطقة الخليج وبحر العرب ومضيق باب المندب المدخل الغربي الأساسي والرئيسي لمنطقتي المحيطين الهندي والهادي، تكون إيران، بامتلاكها هذه القاعدة الاستراتيجية التي نتكلّم عنها، قد امتلكت إحدى أكثر فرص التأثير أهمية في الصّراع الاستراتيجيّ بين القوى الكبرى المذكورة.
قدرة التأثير الاستراتيجية للقاعدة
ما تم ذكره عن المنظومات الخاصة التي تحضنها القاعدة أو التي تخرج منها عند أية مواجهة محتملة أو مناورة أو استنفار، يمكن وضعها في خانة الأسلحة النوعية الأكثر تأثيراً في معارك اليوم الحديثة، إذ أثبتت الصواريخ المجنحة “كروز” المضادة للأهداف البحرية أو البرية فعاليتها وأهميتها في تجاوز منظومات الدفاع الجوي العدوة، إذ إنها تعزل بمميزاتها عمل رادرات العدو البرية أو البحرية.
وأن تكون هذه الصواريخ “كروز” بمديات مختلفة، إذ إننا نتكلم تقريباً عن معدل وسطي بين ألف وثلاثة آلاف كلم، فذلك يعني القدرة على استهداف القطع والأهداف البحرية العدوة في منطقة شمال المحيط الهندي حتى خليج البنغال الحدودي مع الهند وماليزيا وميانمار، أي مداخل بحر الصين الغربية والمؤدية إلى عمق المحيط الهادي، إضافةً طبعاً إلى قدرة فعالة على استهداف جميع القطع العدوة في خليج عمان وبحر العرب وحتى مداخل وعمق البحر الأحمر.
من هنا، وفي مقارنة تفصيلية للقدرات النوعية التي تحضنها هذه القاعدة، ولموقعها الجغرافي والاستراتيجي، مع قدرات وإمكانيات ومميزات حاملات الطائرات والمدمرات الأميركية والغربية في المحيطين الهادي والهندي، يمكن الاستنتاج أنَّ هذه القاعدة، مع القدرات والمميزات المذكورة، ومع الموقع الاستراتيجي للساحل الإيراني شرق مضيق هرمز، تتفوق من الناحية العملانية على قدرات وإمكانيات أكثر من حاملة طائرات أو مدمرة أميركية أو غربية بشكل عام تتمركز وتنتقل بشكل دائم في المحيطين الهادي والهندي وبحر الصين الجنوبي، وذلك عبر النقاط التالية:
أولاً: عدد الصواريخ (بحر – بحر) أو (بحر – جو) أو (ساحل – بحر)، إذ تبقى حاملات الطائرات، مهما كانت قدراتها وتطورها، مقيّدة بقدرتها على حمل العدد الكافي من الصواريخ مقارنة مع أية قاعدة برية أو بحرية كبيرة.
ثانياً: تبقى إمكانية الدفاع عن أي قاعدة برية أو بحرية أكبر من أي حاملة طائرات تنتقل في المياه بشكل مكشوف، مع عدم قدرتها على المناورة أو التحصين الذي تستفيد منه القواعد البرية، وخصوصاً إذا كانت تحت الأرض، كالقاعدة الإيرانية موضوع بحثنا.
ثالثاً: تبقى لحاملة الطائرات خصوصية في حاجتها إلى أكثر من قطعة بحرية للمواكبة والحماية، الأمر الذي يزيد فرص تهديد هذه القطع، وهو غير موجود لدى القاعدة البرية الثابتة القادرة على حماية نفسها بنفسها.
في النهاية، ولهذه الأسباب المذكورة أعلاه، تشكّل القاعدة الإيرانية الجديدة (المدينة تحت الأرض) عنصراً أساسياً وفاعلاً من عناصر توازن القوة والردع والتنافس والسيطرة والنفوذ الدولي أكثر مما يمكن أن تؤمنه مجموعة كبيرة من القطع البحرية الأميركية والغربية بشكل عام.
* المصدر : الميادين نت
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع