السياسية:

“قد تكون قائمة الأسلحة الأمريكية الفاشلة والمكلفة”، أكبر من القائمة الموجودة لدى أي جيش آخر.

فثقافة الإلغاء تُطبَّق في كل مكان، إلا في مكان واحد: الجيش الأمريكي، حسبما ورد في تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.

فلا يهم إن كان أداء أحد برامج الأسلحة الرئيسية ضعيفاً، ولا يهم مقدار تجاوزه للميزانية المخصصة له، ولا يهم الوقت الذي يستغرقه لنقله إلى ميدان المعركة، المهم أنه لن يُلغى أبداً، وفقاً للموقع الأمريكي.

وإحدى النتائج الطبيعية المترتبة على ذلك أنه لا يهم مدى ضعف أداء الجنرالات في الحروب الأمريكية في القرن الحادي والعشرين، ولا يهم عدم تحقيقهم انتصارات أو فشلهم في تحقيق أهداف المهام التي يكلفون بها، فنادراً ما يُطرد هؤلاء من وظائفهم أو تُخفض رتبتهم أو حتى يُنتقدوا. ويمكن قول الشيء نفسه عن حروب القرن الحادي والعشرين الأمريكية نفسها. فهي ببساطة عبارة عن كوارث لا يمكن التراجع عنها أبداً. بل تستمر وتستمر وتستمر.

ودعونا نلقِ نظرة عن قرب على العديد من منظومات الأسلحة الكبرى التي من الضروري إلغاؤها، وحالة نادرة منها أُلغيت أخيراً.

إليك بعض محتويات قائمة الأسلحة الأمريكية الفاشلة والمكلفةالمقاتلات الشبحية F-35: أكبر مشروع عسكري في التاريخ

أنتجت شركة لوكهيد مارتن هذه الطائرة، وتوصف بأنها أكبر مشروع عسكري في التاريخ من حيث التكلفة، حيث سيكلف دافعي الضرائب ما يقرب من تريليوني دولار على مدى عمر البرنامج.

وتأخرت هذه الطائرات سبع سنوات عن الموعد المحدد لها وتجاوزت الميزانية المخصصة لها بمقدار 163 مليار دولار.

ومع ذلك أصر الجيش الأمريكي عليها وهو يقترب الآن من إنتاجها بالكامل بتكلفة إجمالية متوقعة تبلغ 1.7 تريليون دولار بحلول عام 2070. ولكن تظل بها مشكلات مزعجة، مثل صعوبات المحرك وأوجه القصور الخطيرة في الصيانة. وما هو أكثر إزعاجاً أنه ليس بإمكانها الطيران إذا سطع البرق في أي مكان في المنطقة، وهو ما يثير السخرية، بالنظر إلى أنها تحمل اسم Lightning II (أي البرق 2). 

فلنتعشم ألا تقوم عواصف رعدية في الحرب القادمة، حسب تعبير تقرير موقع Responsible Statecraft.

في حين أن فكرة إطلاق طائرة واحدة متطورة متخفية لفروع خدمات متعددة بدت جيدة على الورق، وفازت في النهاية بموافقة المخططين العسكريين الأمريكيين على أعلى مستوى لتخرج في شكل برنامج F 35 الضخم الذي يشارك فيه عدد من حلفاء أمريكا، فلقد تبين أن الفكرة لم تكن مطلقاً الخيار الأفضل.

يقول قائد البحرية الأمريكية والطيار السابق كريس هارمر، وهو أيضاً محلل بحري في معهد دراسات الحرب الأمريكي، لموقع Business Insider، إن الطائرة F-35 لديها ميزة واحدة فقط تتفوق بها على طائرات حقبة الحرب الباردة التي جاءت لتحل محلها وهي القدرة على التخفي من الرادارات.

في  المقابل يُعتقد أن الطائرة تعاني ضعفاً في قدرات المناورة، إذ قال خبير الطيران القتالي جاستن برونك لموقع Business Insider إن الطائرة F-35 لا يمكنها أبداً الفوز في معركة عنيفة مع طائرة روسية أو بريطانية متقدمة “خلال مليون عام”، حسب تعبيره.

كما يعتقد أن F-35 معقدة جداً، فيما يتعلق بتقنية التخفي، حسبما قال خبير عسكري روسي لوكالة سبوتنيك للأنباء المملوكة للدولة.

يقول الخبير الروسي ديمتري دروزدينكو إن المقاتلة الأمريكية F-35 على الرغم من ميزاتها المتقدمة، تعاني من مشاكل فنية تعيق الأداء العام للطائرة.

“فالمقاتلة الأمريكية F-35 عبارة عن نظام معقد للغاية، وعلى هذا النحو فإنه يحتوي على الكثير من الثغرات والأخطاء، ومن الصعب جداً تصحيحها، لأنها طائرة ذات تقنية عالية بشكل مفرط”. حسب دروزدينكو.

إحدى المشكلات الرئيسية أيضاً في المقاتلة F 35، هي التكلفة، وتحديداً تكلفة التشغيل وليس تكلفة الشراء.

وحذر سلاح الجو الأمريكي أيضاً من أنه إذا لم تنخفض التكلفة، فقد ينتهي الأمر بشرائه عدداً أقل من طائرات F-35.

طائرة التزود بالوقود Boeing KC-46: قنبلة موقوتة

هذه الطائرة في الأساس محطة وقود طائرة، وقد برعت القوات الجوية الأمريكية في التزود بالوقود جواً منذ نصف قرن. ولكن لا تستهن أبداً بقدرة الجيش الأمريكي على إحداث مشكلات جديدة وهو يسعى لاكتساب تكنولوجيا أكثر تقدماً. فبعد الاستغناء عن النوافذ القديمة والطيار الفعلي، تحولت طائرات KC-46 لاستخدام نظام آلي للتزود بالوقود عبر الفيديو. وتبدو الفكرة جذابة من الناحية النظرية، لكن هذا النظام لم يثبت كفاءته بعد في الممارسة الفعلية. (ولكن ربما يفعل بحلول عام 2024، مثلما تقول القوات الجوية الآن).

ولكن ما فائدة طائرة قدرتها على نقل الوقود فعلياً في الجو ليست مضمونة، وتبين أيضاً أن تسربات الوقود منها قد تلحق بها الضرر؟ يتحدث سلاح الجو الأمريكي الآن عن “تعديل” جيلها الجديد من هذه الطائرات لتؤدي مهام أخرى بخلاف التزويد بالوقود. وهذا يشبه قول أحدهم إنه سيحول قاربه إلى مرساة لأنه يسرب المياه وغرق في قاع البحيرة.

حاملة الطائرات الأغلى في التاريخ: الطائرات لا تستطيع الإقلاع منها

وبالحديث عن القوارب، قد لا يفاجئكم أن تعلموا أن البحرية الأمريكية واجهت مشكلات خطيرة  مع أحدث حاملات الطائرات من فئة جيرالد آر فورد، التي تعد أغلى حاملة طائرات في العالم.

بدأ الجيش الأمريكي في بناء حاملات الطائرات في عشرينيات القرن الماضي، لذلك قد يتصور المرء أنه في الوقت الحالي أصبح على درجة من البراعة تمكنه من فهم عملية تحديثها وبناء أخرى جديدة. ولكن لا تستهن أبداً بإغراء حشر تقنيات لم يثبت نجاحها ومكلفة لإنجاح “الجيل القادم” من هذه السفن. 

ومن ضمن هذه التقنيات المستخدمة على حاملات فورد مصاعد لرفع الذخائر تشتهر بأنها لا تعمل كما ينبغي ومنظومة مقلاع لإطلاق الطائرات من سطح السفينة (المعروف باسم نظام إطلاق الطائرات الكهرومغناطيسي أو EMALS) تتعطل باستمرار. وكما قد تتوقع، لا يمكن أن أن تتوقع الكثير من حاملة طائرات حين لا يمكنك تحميل الذخائر أو إطلاق الطائرات بالطريقة الصحيحة.

وتبلغ تكلفة كل حاملة طائرات جديدة من فئة فورد حوالي 14 مليار دولار، ولكن رغم كل هذه الأموال، فهي ببساطة “لا تجيد أداء مهمتها الفعلية”، كما جاء في مقال نشرته مجلة Popular Mechanics مؤخراً. 

السفن الصغيرة الرديئة: “أكوام قمامة عائمة”

تواصل البحرية الأمريكية الإسهام في قائمة الأسلحة الأمريكية الفاشلة والمكلفة. فهناك السفن القتالية الساحلية (LCS) التابعة للبحرية الأمريكية، التي اكتسبت لقب “السفن الصغيرة الرديئة”. 

وخلص الصحفي الخبير في الأسلحة جاريد كيلر مؤخراً إلى أن عيباً خطيراً في تصميم الدفع في هذه السفن قد يؤدي إلى تحويلها إلى “أكوام قمامة عائمة”. وقد اشترت البحرية الأمريكية 10 منها مقابل نصف مليار دولار تقريباً لكل منها، والطلبات المستقبلية معلقة في الوقت الحالي.

المدمرات الشبحية: لا تصلح لشيء

ولسوء حظ البحرية الأمريكية أيضاً، واجهت مدمراتها الشبحية من فئة Zumwalt مشكلات خطيرة، لدرجة أن برنامجها أُلغي بالفعل بعد بناء ثلاث سفن فقط. (كانت البحرية تخطط في البداية لبناء 32 سفينة منها). وقد وُصفت هذه السفن بأنها لا تصلح لشيء، كما أن بها مشكلات في الرادار والتسليح الرئيسي. 

وفي المجموع، أنفقت البحرية الأمريكية 22 مليار دولار على فكرة “جيل قادم” فاشلة قدمت حالة نادرة قلما نشهدها لسلاح شديد السوء لدرجة أنه حتى المجمع الصناعي العسكري الأمريكي لم يتمكن من الاستمرار في تبريره.

لماذا يتورط الجيش الأمريكي في هذه الأسلحة الفاشلة؟

يشير كريستيان سورنسن، مؤلف كتاب Understanding the War Industry، إلى أن الأسلحة الأمريكية الفاشلة والمكلفة أو على الأقل ضعيفة الأداء سمة من سمات المجمع الصناعي العسكري، وليست نوعاً من الأخطاء، حيث إن الأرباح المستقبلية لشركات الأسلحة العملاقة هي المحرك لقرارات تصميم هذه الأسلحة واستخدامها في الميدان، وليس القدرة أو الكفاءة أو حتى الحاجة. 

كانت مدمرات Zumwalt التابعة للبحرية كارثية، لدرجة أن برنامجها ألغي بالفعل بعد إنفاق مبلغ الـ22 مليار دولار الزهيد (بالمعيار الأمريكي) عليها، ولكن ماذا عن برنامج مثل F-35؟ هل من الممكن إلغاء هذه المنظومة الضخمة؟.

هل يمكن حتى إلغاء منظومة أسلحة كبرى مثل F-35؟

لا تجني شركات الأسلحة الأمريكية الأرباح من الأسلحة الناجحة فقط، ولكن من الأسلحة الفاشلة أيضاً.

إذ يمكن جني الكثير من الأموال من استكشاف هذه العيوب في الأسلحة و”إصلاحها”.

وفي الوقت نفسه، فطائرات F-35، مثلها مثل المؤسسات المالية الرائدة في أمريكا أثناء الركود الكبير 2007-2009، يُتعامل معها كما لو كانت أكبر من أن تفشل.

الوظائف والأرباح والتأثير والتجارة الخارجية كلها عوامل تلعب دوراً هنا، لدرجة أن الأداء المتوسط (أو الأقل من المتوسط) يعتبر مقبولاً، حتى لو كان الهدف الوحيد منه استمرار تدفق الأموال وتشغيل خطوط الإنتاج. وكما نرى، ليس لدى سلاح الجو الأمريكي بديل واضح لطائرات F-35. 

ووسط يأسه الواضح يتجه الجيش الأمريكي إلى تصميمات قديمة مثل F-15 Eagle (التي تعود لحوالي عام 1970) والمقاتلة الشبحية F-117 (التي تعود لحوالي عام 1980) لسد الفجوة التي أحدثتها التأخيرات وتجاوزات الميزانية في برنامج F-35. وفي ما يشبه المعجزة، لا تزال طائرات F15، بعد خمسة عقود من رحلتها الأولى، قيد الإنتاج، وبالطبع، إلى جانب قائمة اتهام جاهزة للتكاليف الباهظة والأداء الضعيف لبدائلها.

طائرة إضافية وليست بديلة

والتكاليف الباهظة لطائرات F-35، وكذلك F-22 Raptor، دفعت مؤخراً كبار مسؤولي القوات الجوية إلى اقتراح بناء مقاتلة جديدة بالكامل “منخفضة التكلفة”. ومفارقة المفارقات أنه ذات مرة في عالم آخر، كان يفترض أن تكون طائرات F-35 هي البديل منخفض التكلفة لطائرات F-15 و F-16 من “الجيل الرابع”. والشهر الماضي، عرض رئيس أركان القوات الجوية الحالي الجنرال تشارلز براون المنطق المعتاد عسير الفهم للمجمع الصناعي العسكري أثناء حديثه عن مقاتلة الأحلام الجديدة:

“إذا كنا نتمتع بالقدرة على بناء ما هو أقوى من F-16 بسعر أرخص وبوتيرة أسرع، فلمَ لا نفعل؟ دعونا لا نكتفِ بشراء الأسلحة الجاهزة، ودعونا نفكر في شيء آخر يمكننا بناؤه”.

بعبارة أخرى يريد القائد الأمريكي القول، لماذا تشتري طرازات مجربة بالفعل وأفضل كثيراً من F-16 في الوقت الذي يمكنك فيه تصميم وبناء طائرة جديدة تماماً من الصفر، ويُفترض أن تكلفتها “أقل” وبناءها “أسرع”؟. 

لكن هذه الفكرة خيالية منذ البداية، بالنظر إلى أن المقاتلات الجديدة تستغرق الآن ما يقرب من عقدين من الزمن لتصميمها وتجربتها في الميدان، حسب الموقع الأمريكي.

إذا كانت القوات الجوية الأمريكية ترغب فيما هو سريع ورخيص، فيتعين عليها ببساطة أن تلجأ إلى طائرات F-16 المجربة والناجحة. لكن طائرة جديدة كلياً أكثر جاذبية لجيش واقع تحت تأثير شركات الأسلحة العملاقة، حتى في ظل استمرار إنتاج طائرات F-35 تحت شعارها القديم، الذي ثبت زيفه الآن، “أرخص وأفضل”.

وثمة عامل آخر ينبغي أخذه في الاعتبار وراء الإحجام عن تطبيق ثقافة الإلغاء في أسلحة البنتاغون: أن الأمريكيين يحبون الأسلحة بصفة عامة. فالأمريكيون يحتضنون الأسلحة ويحتفلون بها ويلتقطون الصور معها. وإلغاؤها يقتضي إلغاء نسخة من الشخصية الأمريكية تستمتع بهذه الفوضى عالية التقنية. وإلغاؤها يقتضي إلغاء عقلية صُنع في أمريكا التي تساوي بين هذه الأسلحة- التي تصبح أفضل كلما كانت أكثر شبحية وجاذبية- والسلامة والأمن، والتي ترى أن الدمار في الخارج يخدم الديمقراطية في الداخل، حسب التعبير الوارد في الموقع  الأمريكي.

إن المجمع الصناعي العسكري الأمريكي سيستمر بلا شك في بناء أفخم وأغلى الأسلحة التي عرفتها البشرية، حتى لو كانت أغلب منتجاته النهائية ضعيفة ومعيبة. وفي ظل إنفاق عشرات المليارات من الدولارات على هذه الأسلحة، تستمر الطرق والجسور الأمريكية وأشكال البنية التحتية الأخرى في الانهيار، حسب كاتب التقرير.

ويختتم الكاتب تقريره بالتساؤل: “لماذا لا تُلغي تلك الأسلحة ويُعاد بناء الداخل الأمريكي”؟.

عربي بوست