تحالف الملك والخليفة الخاسر مسبقاً في اليمن
السياسية :
العثمانية الجديدة في السياسة الخارجية التركية، القائمة على عقيدة العمق الاستراتيجي لحليف أردوغان القديم ومنافسه الحالي “أحمد داود أوغلو”، قد ورَّطت تركيا على مدى العقد الماضي في المنافسة مع القوى الإقليمية والدولية الأخرى، في مجموعة واسعة من الأزمات والقضايا الجيوسياسية في مناطق مختلفة وخاصةً في العالم العربي.
في غضون ذلك، كانت الأزمة اليمنية من أهم القضايا الإقليمية التي تمهد تركيا الطريق لنفسها في العام الماضي لتلعب دوراً أكثر فاعليةً فيها.
ومن أهم خطوات تركيا في هذا الصدد، قبولها استضافة قيادات الإخوان المسلمين اليمنيين، مثل “عبد المجيد الزنداني” و”محمد اليدومي”. وفي الواقع، أصبحت اسطنبول في السنوات الأخيرة وجهةً مفضلةً لمعظم قادة حزب “الإصلاح” اليمني.
من جهة أخری، نشر المرصد السوري لحقوق الإنسان منتصف حزيران الجاري، وثيقةً تفيد بأن المخابرات التركية قد أقامت غرفة عمليات في “عفرين” بسوريا، لنقل المرتزقة السوريين للمشاركة في الحرب اليمنية. کما سبق أن اتُهمت تركيا بنقل إرهابيين سوريين إلى حربي ليبيا وناغورنو كاراباخ.
وفي دليل آخر على رغبة تركيا في لعب دور أكبر في التطورات في اليمن، كتب “ياسين أوقطاي” مستشار أردوغان وأحد أقرب مساعديه، مقالاً لصحيفة “يني شفق” التابعة للحزب الحاكم في نوفمبر من هذا العام، بعنوان “کما أنقذت ليبيا وأذربيجان… هل ستتخذ تركيا إجراءات لإنقاذ اليمن من “عاصفة العزم”؟” وقد تم نشر هذا المقال في جميع المواقع الالکترونية ووسائل الإعلام الموالية لتركيا.
ومع ذلك، وعلى الرغم من أن الأدلة المذكورة أعلاه تشير إلى أن تركيا تحاول لعب دور في تطورات اليمن في منافسة مع السعودية والإمارات، ولکن في اتجاه معاكس تمامًا أفادت وسائل الإعلام في الأيام الأخيرة أن السعودية قد طلبت مساعدة أنقرة للمشاركة في التطورات اليمنية ضد صنعاء.
في غضون ذلك، فإن السؤال الذي يفرض نفسه الآن هو، ما هو دافع السعودية من مشاركة تركيا في التطورات في اليمن؟ كيف ستستجيب أنقرة لهذا الطلب؟ وهل يمكن لتركيا والسعودية، بوصفهما خصمين قويين في التطورات الإقليمية، تشكيل تحالف دائم في اليمن؟
أهداف أردوغان الاقتصادية- الجيوسياسية
على الرغم من دعم تركيا للغزو الذي قادته السعودية ضد اليمن في عام 2015، إلا أنها رفضت الدخول في الحرب مباشرةً مع السعودية، وحتى في العام الماضي ومع تصاعد الخلاف بين أنقرة والرياض، انتقدت أداء التحالف في خلق أزمة إنسانية في اليمن.
ومع ذلك، يمكن الآن تلخيص الأهداف والدوافع التي دفعت تركيا إلى المشاركة بشكل أكبر في التطورات اليمنية، في مجموعة من الدوافع الاقتصادية والجيوسياسية:
أولاً، وجَّهت عوامل مثل تورط تركيا الواسع في المنافسات الإقليمية التي أدت إلى العقوبات الغربية، وكذلك العقوبات على السلع التركية في بعض الدول العربية، فضلاً عن تفشي جائحة كورونا، ضربةً قاسيةً للاقتصاد التركي، بحيث إنه في الانتخابات البلدية الأخيرة، خسر حزب العدالة والتنمية رئاسة بلدية اسطنبول بعد سنوات عديدة، ليظهر أن أردوغان وحزبه سيواجهون أوضاعاً هشةً في الانتخابات المقبلة.
ولذلك، فإن أحد أهداف دعم السعوديين في اليمن، هو تهيئة الظروف لإنهاء الحظر المفروض على البضائع التركية في الدول الخليجية.
ثانياً، تنوي تركيا تقوية الجانب الإخواني في القضية اليمنية، لتفتح جبهةً جديدةً ضد المحور السعودي الإماراتي، مع اتباع السياسة نفسها التي مارستها في السنوات الأخيرة، وبما أن هذه الجبهة قريبة جغرافياً من هاتين الدولتين، فهي تتمتع بموقع جيد لإلحاق الأذى بهما، ومن ناحية أخرى، فإنها تزيد من قوة المساومة لديها في ملفات أخرى في المنطقة تعارض هذا المحور بطريقة ما.
وفي هذا السياق، فإن الحفاظ على ثقل الإخوان في التطورات مهم لتركيا. من بين قاعدتي الإخوان المهمتين في اليمن، سقطرى ومأرب، فإن سقطرى الآن في أيدي القوات القريبة من الإمارات، ومأرب على وشك التحرير علی يد أنصار الله.
من ناحية أخری، يسعى الإخوان المسلمون أيضاً للحصول على دعم تركيا، خوفاً من فقدان السيطرة على جنوب اليمن الغني بالنفط والغاز مثل محافظة شبوة.
وعلى الرغم من أن حزب الإصلاح، إلى جانب الجماعات الأخرى التابعة لحكومة منصور هادي المستقيلة، يعتبرون السعودية دعامةً أساسيةً وداعمةً لهم في التطورات اليمنية، ولكن يبدو أنه بعد الهزائم الأخيرة للتحالف السعودي واستمرار تقدم أنصار الله في اليمن، فسيتعين على حزب الإصلاح أن يتخذ خيارًا جديدًا، وفي حال التدخل العسكري التركي في اليمن، فإن الخيار الأهم والأساسي أمامهم هو الاعتماد على تركيا بدلاً من السعودية.
دعم لوجستي تركي وراء الكواليس ضد صنعاء
كان تدخل تركيا المباشر في الأزمة اليمنية حتى الآن في شكل دعم لوجيستي لجماعة الإخوان المسلمين، وتقديم معلومات عن التحركات العسكرية للخصوم، في غطاء العمل الإنساني والإغاثي مثل الهلال الأحمر التركي.
وفي وقت سابق، ذكرت وسائل إعلام تابعة للسعودية أن أنقرة، بمساعدة قطر، قد أرسلت طائرات دون طيار ومستشارين عسكريين لمساعدة الميليشيات الإصلاحية في الحرب ضد الجنوبيين في شبوة.
من ناحية أخرى، باعت تركيا أيضاً الأسلحة للسعودية، وخاصةً الطائرات العسكرية دون طيار. وتشير التقارير إلى أن أنقرة تزود الرياض بطائرات دون طيار من طراز “كارايل”، إضافة إلى طائرات دون طيار هجومية من نوع “بيرقدار”، بعد أن أعلنت الولايات المتحدة أنها ستقطع الدعم العسكري للحرب اليمنية.
كما أنه ليس مستبعداً أن تكون تجربة أنقرة في النقل الجماعي للإرهابيين المتورطين في الحرب السورية إلى مناطق أخرى، على أجندة أردوغان في الاتفاقات التي تمت خلف الكواليس بين السعودية وتركيا، في الحرب اليمنية هذه المرة.
بالتأكيد، بالنظر إلى الموقف الدولي القوي ضد السعوديين والإدارة الأمريكية السابقة كسبب للأزمة الإنسانية الكبرى في اليمن، فإن دعم تركيا السياسي للسعوديين لن يتم نتيجةً لتداعياته العديدة، وإذا قررت تركيا دخول الحرب علی اليمن ضد صنعاء، فإنها تضع على جدول أعمالها التعاون العسكري من وراء الكواليس مع السعودية وحكومة منصور هادي المستقيلة.
تحالف هشّ وغير مستقرّ
إن التعاون بين السعوديين وتركيا في الحرب اليمنية، هو بالأحرى نتيجة لأهداف تركيا قصيرة المدى المتمثلة في تهدئة التوترات مع السعوديين، ونظرة الرياض التكتيكية المتمثلة في الحفاظ على محافظة مأرب بأي طريقة ممكنة، بدلاً من امتلاك منطق التعاون الاستراتيجي.
أولاً، سيكون للتعاون مع تركيا تأثير سلبي متزايد على علاقات السعودية مع الإمارات في الحرب اليمنية. فلا شك في أن الإمارات والسعودية تنظران إلى الوجود التركي في اليمن على أنه تهديد لمصالحهما الجيوسياسية في شبه الجزيرة، بعد التطورات في سوريا وليبيا، ذلك أن هدف تركيا الاستراتيجي من دخول التطورات في اليمن، ليس فقط منع هزيمة حزب الإصلاح في شمال اليمن، بل أيضًا لتصبح الدعامة الأساسية للحزب في التطورات في اليمن بدلاً من السعودية والإمارات.
من ناحية أخرى، تختلف الحرب في اليمن عن مناطق الحرب الأخرى التي شهدتها تركيا في السنوات الأخيرة، في سوريا وليبيا وناغورنو كاراباخ، إذ انتصر اليمنيون علی ست سنوات من أصعب أنواع الحصار والهجمات من قبل الجيش السعودي المدجج بالسلاح، والذي يتمتع بالدعم الاستخباراتي والاستشاري والعسكري للقوى العسكرية الكبرى في العالم، ووجود مليشيات وقوات من دول افريقية.
لذلك، سواء من حيث الأهداف الاستراتيجية للجانبين أم من حيث مصير التعاون الثنائي المحتمل بين السعودية وتركيا، فإن مصير هذا التحالف محكوم عليه بالفشل، وفي غضون ذلك ستكون أنقرة هي الطرف الأكثر تضرراً، لأنه إضافة إلى تشويه صورة هذا البلد في العالم الإسلامي بشکل أکثر(بعد تحسين العلاقات مع الکيان الصهيوني على الرغم من الشعارات الداعمة لفلسطين)، سيضحي أردوغان أيضًا بعلاقاته الجيدة نسبيًا مع المقاومة لمصلحة جهود محمد بن سلمان العابرة للهروب من الهزيمة في اليمن.
* المصدر : الوقت التحليلي