السياسية:

في وقت يشرع فيه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في زيارةٍ تستغرق أربعة أيام إلى دول الخليج، يبذل قادة الشرق الأوسط جهودهم لاستغلال تلك الزيارة في خدمة مساعيهم إلى احتواء آثار إعادة التقييم التي يجريها الرئيس الأمريكي جو بايدن لسياسة الولايات المتحدة في المنطقة أو الإعلان بدرجة أوضح عن رفضهم التكيف مع نهج الرئيس الأمريكي الجديد.

وتأتي زيارة لافروف المقررة إلى السعودية والإمارات وقطر بعد أسبوع من إصدار الولايات المتحدة لتقرير استخباراتي أشارت فيه بأصابع الاتهام إلى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بالتواطؤ على اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي عام 2018. وقبلها بأيام، كانت الولايات المتحدة قد أعلنت وقفها بيع أسلحة هجومية للمملكة، بدعوى إمكانية استخدامها في حربها المدمرة المستمرة منذ ست سنوات في اليمن.

روسيا تريد الاستفادة من “القلق” المسيطر على قادة الشرق الأوسط

ويقول موقع Responsible Statecraft الأمريكي، إنه على الرغم من أن جولة لافروف لن تشهد بحسب جدولها المقرر توقفه في إسطنبول وتل أبيب، فإن زيارة وزير الخارجية الروسي إلى المنطقة تأتي بالتزامن مع انتظار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مكالمة هاتفية من بايدن، وتلميحات من إسرائيل إلى أنها قد لا تتعاون مع الجهود الأمريكية لإحياء الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 وأنها قد تلجأ إلى العمل في مسارها الخاص الأكثر حدةً في مواجهة الطموحات النووية للجمهورية الإيرانية.

ومن المؤكد أن لافروف يريد الاستفادة من القلق المسيطر على قادة الشرق الأوسط في غمار التصورات بأن إعادة تقييم العلاقات الأمريكية مع السعودية وتأخر المكالمات الهاتفية لزعماء المنطقة يشير إلى أن الولايات المتحدة تسعى إلى التقليل من أهمية الشرق الأوسط في استراتيجيتها العالمية، والتقليص من التزاماتها الأمنية حيال المنطقة، وربما حتى النظر في انسحاب تام منها.

وليس هناك شك في أن الولايات المتحدة تريد إعادة هيكلة التزاماتها المتعلقة بالمنطقة من خلال زيادة تقاسم الأعباء مع شركائها والتعاون الإقليمي، لكن من غير المرجح أن تتخلى عن الشرق الأوسط تماماً.

ويتساءل الموقع الأمريكي ما إذا كانت “إثارة بايدن لقلق زعماء المنطقة” تشكّل إشارة مجردة إلى خطط الولايات المتحدة المقبلة حيال تلك الدول أم محاولة متعمدة لبث حالة من عدم اليقين بين الحلفاء والشركاء المحاطين بالمشكلات، في محاولة لزيادة نفوذ الإدارة.

إعادة هيكلة الشرق الأوسط

ومن المحتمل أن تكون الاستراتيجية الأطول مدى للإدارة الجديدة نتيجةً غير مقصودة، ومع ذلك مفيدة، لقناعة متحققة لدى الإدارة بأن التعامل مع القضايا الطارئة المحلية، مثل جائحة كورونا والأزمة الاقتصادية وكذلك إصلاح العلاقات مع حلفاء أمريكا التقليديين في أوروبا وآسيا، شرطٌ مسبق لاستعادة نفوذ الولايات المتحدة، الذي أضرَّ به الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.

إذا كان الأمر كذلك، فقد يقوم لافروف “عن غير قصدٍ” بتقديم “خدمة” لإدارة بايدن من خلال استغلال الجفوة المتصورة بين الولايات المتحدة وحلفائها لدفع خطة روسية لإعادة تصميم الهيكل الأمني للمنطقة.

التصور الذي تقوم عليه هذه الخطة يرتكز على عقد مؤتمر أمني شرق أوسطي، على غرار “منظمة الأمن والتعاون في أوروبا” (OSCE)، واتفاقية عدم اعتداء إقليمية تضمنها الولايات المتحدة والصين وروسيا والهند.

ومن ثم إذا فعل لافروف ذلك، فإن أحد الآثار المترتبة سيكون تهيئة الساحة لفرضية تتعلق بمفهوم سبق أن ناقشه مسؤولون أمريكيون بأشكال مختلفة وفي مواقف متعددة، ومفاده أن الولايات المتحدة عندما تعيد ترتيب الأوضاع داخلها بطريقة مقنعة، فإنها تستعيد مكانتها المهيمنة بوصفها العمود الفقري العسكري لأي هيكل أمني جديد في العالم.

كما أن ذلك سيبرز بوضوح صحة المقولة بأنه “لا روسيا ولا الصين راغبتان أو قادرتان على استبدال الولايات المتحدة، وإن دول الشرق الأوسط من المرجح أن تحقق استفادة أكبر من هيكل أمني يسمح لها بتنويع علاقاتها وربما اللعب على مراوغة كل طرف ضد الآخر”.

إلى أي مدى يمكن لروسيا اللعب في المساحات الأمريكية بالشرق الأوسط؟

لا يزال الوقت مبكراً، لكن حتى الآن، تواصل السعودية تشديدها على “أن الشراكة بين السعودية والولايات المتحدة الأمريكية هي شراكة قوية ودائمة”، على الرغم من أنها رفضت في نفس البيان تقرير الاستخبارات الأمريكية، ووصفته بأنه يحتوي على معلومات واستنتاجات “مُسيئة وخاطئة ومرفوضة”.

في الوقت الحالي، تبدو السعودية عازمة على مواجهة رياح الانتقادات القوية القادمة تجاهها من البيت الأبيض، وكذلك من الكونغرس، وعدم اتخاذ ذلك ذريعة للاندفاع إلى موسكو وبكين لإعادة تنظيم علاقاتها الجيوسياسية والأمنية بناء على اتفاقات جديدة معهم.

ولكي تفعل المملكة ذلك فقد عمدت خلال الفترة التي سبقت إصدار التقرير، إلى توسيع نطاق علاقاتها العامة والعمل على تكثيف حملات اللوبيات التابعة لها للترويج للمملكة في الساحة السياسية الداخلية للولايات المتحدة، وهي الساحة التي من الأرجح أن تقل فيها المتابعة للواقع القاتم للحرب الجارية في اليمن، حيث البلد الذي أسفرت فيه حملة القصف التي تقودها السعودية عن أسوأ أزمة إنسانية في العالم، وبعيداً كذلك عن التفاصيل المروعة لاغتيال خاشقجي.

ويبدو أن حملة السعودية مصممة لخلق تعاطف شعبي مع المملكة في جميع أنحاء الولايات المتحدة والهدف أن ينتقل ذلك التعاطف من الناخبين إلى أعضاء الكونغرس ويؤثّر في انحيازاتهم.

تعليقاً على ذلك يقول فهد ناظر، المتحدث باسم السفارة السعودية في واشنطن، لموقع usa today الأمريكي: “ندرك أن الأمريكيين خارج واشنطن مهتمون بالتطورات في السعودية، وأن كثيرين، منهم مجتمع الأعمال والمؤسسات الأكاديمية ومجموعات المجتمع المدني المختلفة، حريصون على الحفاظ على علاقات طويلة الأمد مع المملكة أو تنمية علاقات جديدة”.

حملات ضغط سعودية لا تزال نشطة في واشنطن

من جهة أخرى تُبين المراجعة لإيداعات البنوك أن شركات العلاقات العامة واللوبيات التي تضغط لصالح السعودية أفادت بأن نصف اتصالاتها المؤلفة من ألفي اتصال خلال العام الماضي كانت مع أفراد ومجموعات من خارج العاصمة واشنطن.

عملت جماعات الضغط واللوبيات السعودية مع شركات محلية وعلى مستوى الولايات خارج العاصمة الأمريكية، منها مكتب Larson Shannahan Slifka Group LS2 Group للعلاقات العامة في ولاية أيوا والمتعاقدين معها من الباطن في ولايات ماين وجورجيا ونورث كارولينا وغيرها من الولايات، ونجحت عن طريق ذلك في التواصل مع غرف التجارة المحلية في الولايات ووسائل الإعلان والجمعيات النسائية والجماعات الدينية، بما فيها الكنيسات والمجموعات اليهودية.

وزّعت جماعات الضغط تلك مواد تروّج للمكاسب التي عادت على النساء في الرياضة وغيرها من القطاعات بفضل الإصلاحات الاجتماعية للأمير محمد في بلد كان يمنع النساء من قيادة السيارات حتى ثلاث سنوات مضت.

مع ذلك من غير المرجح أن يردع تركيزُ السعودية وجهتها على الولايات المتحدة وزيرَ الخارجية الروسي لافروف عن التسويق لبيع المعدات العسكرية الروسية خلال جولته في الخليج، ومنها نظام الدفاع الصاروخي “إس 400” الذي أعربت السعودية عن اهتمامها به قبل فترة طويلة من الانتخابات الأمريكية وما حملته من نتائج.

حتى الآن لم تبد المملكة اهتماماً بأي شيء آخر. أما إذا فعلت ذلك وتشعَّب اهتمامها إلى قضايا أخرى خلال زيارة لافروف هذا الأسبوع، فإن ذلك سيكون بمثابة دليل على أن السعودية تتجه نحو تقارب جدّي مع روسيا والصين.

في المقابل، يبدو أن المراقبين الأمريكيين للشؤون السعودية غير قلقين حتى الآن. ولخص مسؤول الاستخبارات الأمريكية السابق والخبير في شؤون الشرق الأوسط، بول بيلار، رأيه حيال ذلك، بالقول: “إن جاذبية التجارة والعلاقات مع الولايات المتحدة ستظل قائمة، حتى وإن زال عنها التدليل المعتاد، والحال نفسه في خيارات السعودية فيما يتعلق بشراء الأسلحة، وذلك لأن دفاعاتهم العسكرية قد بُنيت في المقام الأول حول أسلحة ومعدات أمريكية”.

عربي بوست