“التقارب المحتمل بين مصر وتركيا”.. ماذا سيستفيد الطرفان منه؟
السياسية:
تتزايد الإشارات على احتمال حدوث تقارب بين مصر وتركيا، وسط تهدئة نسبية بين البلدين في العديد من الملفات، فلماذا تبدو مصالح البلدين تحتاج بشدة لهذا التقارب في هذا التوقيت؟
آخر هذه الإشارات على محاولات التقارب بين مصر وتركيا، تصريح عمر جليك، المتحدث باسم”حزب العدالة والتنمية” الحاكم في تركيا، الثلاثاء 9 مارس/آذار 2021، بأن “هناك أواصر قوية للغاية مع الدولة المصرية وشعبها تعود لتاريخ قديم”، مشيراً إلى أهمية الشراكة التاريخية بين مصر وتركيا.
وقبل ذلك، قال المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، إن “مصر قلب العالم العربي، وقد نفتح صفحة جديدة معها ومع دول خليجية”، لافتاً إلى استمرار المباحثات بين البلدين في عدة قضايا، واستعداد أنقرة لترميم علاقتها مع القاهرة.
كما سبق أن قال وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، إن تركيا ومصر قد تتفاوضان على ترسيم الحدود البحرية في شرق البحر المتوسط إذا سمحت العلاقات بينهما بمثل هذه الخطوة.
مصر وتركيا.. تنافُس أم تعاون تاريخي؟
عكس ما يردده الإعلام في الوقت الحالي، فإن طبيعة العلاقات التاريخية بين مصر وتركيا لم يكن الغالب عليها التنافس، حتى لو ركزت الدراما التاريخية الممولة خليجياً، على المعارك بين العثمانيين والمماليك، أو حروب محمد علي مع الدولة العثمانية.
ويتناسى هذا الخطاب دور المماليك في دعم الدويلات التركمانية في الأناضول قبل ظهور العثمانيين، وكذلك دور العثمانيين في دعم المماليك في مواجهة البرتغاليين، وحروب محمد علي وأولاده المشتركة مع العثمانيين في اليونان والمكسيك، والتأثير المتبادل الثقافي والاجتماعي الكبير بين إسطنبول والقاهرة باعتبارهما أهم مدينتين في العالم الإسلامي والذي يظهر واضحاً في القرن التاسع عشر.
فمصر وتركيا ليستا دولتين متجاورتين، وبالتالي نادراً ما كانت هناك مشاكل حقيقية بينهما، بل إن القاهرة لعبت دور الوساطة في عهد الرئيس حسني مبارك بين سوريا وتركيا في الأزمة بين البلدين في تسعينيات القرن العشرين والتي انتهت بتخلي دمشق عن زعيم حزب العمال الكردستاني عبدالله أوجلان وتسليمه عبر طرف ثالث، إلى تركيا.
فالخلاف الحالي بين البلدين خلاف أيديولوجي بالأساس، سببه دعم تركيا للديمقراطية، والربيع العربي والإسلام السياسي المعتدل، بينما يمثل النظام في مصر القوى العسكرية التي ترفض الديمقراطية.
ومن الواضح أنه بعد سنوات من الخلاف بين البلدين، ليس هناك انتصار كاسح لصالح طرف، حتى لو حسَّن الأتراك وضعهم في الملفات الإقليمية الخلافية الرئيسية مثل ليبيا وسوريا خلال عام 2020، عبر تدخُّلهم لدعم حلفائهم في مواجهة حفتر المدعوم من القاهرة، والأسد الذي ليس بعيداً عن القاهرة أيضاً.
وقيعة من الطرف الثالث
إذا كان البعد الأيديولوجي والشخصي يلعب دوراً أساسياً في التنافس التركي المصري، فإن التأثير الإقليمي يبدو واضحاً- عبر الدور الإماراتي وبصورةٍ أقلَّ السعودي- في دفع مصر إلى مواجهة تركيا، ويظهر ذلك واضحاً في موقفي الرياض وأبوظبي الداعمين للقاهرة في الملفات الخلافية مع تركيا، بينما لا يكاد البلدان يُظهران أي دعم لمصر في ملفاتها الأكثر خطورة، مثل أزمة سد النهضة.
إضافة إلى مسارعة الإمارات للتعاون مع إسرائيل لتنفيذ مشاريع اقتصادية، من شأنها الإضرار بقناة السويس.
كما أن التنافس بين مصر وتركيا، إضافة إلى أنه ساهم في توتير الأجواء بالمنطقة، فإنه أضر بهما في ملفات أكثر أهمية لهما من الملفات الخلافية.
فعلى سبيل المثال، بينما كان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، يحذّر حكومة الوفاق من عبور الخط الأحمر الذي رسمه بين سرت والجفرة، بعد ردها هجوم حفتر على طرابلس، كانت إثيوبيا تواصل ملء سد النهضة، ضاربة بعرض الحائط الخط الأحمر الذي كان يجب أن تفرضه مصر باعتباره خطاً يهدد الحياة فيها.
واليوم، بينما بات واضحاً أنه يمكن حل الأزمة الليبية بطريقة تُرضي أنقرة والقاهرة نسبياً، فإن التحدي الرئيسي أمام مصر هو إثيوبيا ورئيس وزرائها أبي أحمد، المُصر على استفزاز القاهرة والخرطوم؛ بل بدأ يتدخل في شؤون السودان الداخلية.
تركيا تعرض على القاهرة أكثر مما تقدمه اليونان
وعلى الجانب التركي، فإن الأزمة في العلاقة مع مصر أدت إلى ترسيم الحدود البحرية بين القاهرة وأثينا بشكل تقول أنقرة إنه يتجاهل حقوقها، إضافة إلى دور القاهرة في تأسيس منتدى شرق المتوسط الذي يستهدف أنقرة بالأساس.
المفارقة أن مصر وتركيا ستستفيدان على إذا تم ترسيم الحدود البحرية بينهما، لأن خط الأساس في ترسيم الحدود البحرية بين مصر وتركيا سيكون الساحل التركي الذي يقع إلى الشمال من الجزر اليونانية، وبالتالي فإن هذا سيمنح لمصر مساحة أكبر، لأن ترسيم الحدود بدءاً من الساحل التركي، سيجعل المنطقة الاقتصادية التركية إلى الشمال مقارنة بالمنطقة اليونانية.
وسبق أن قال وزير الخارجية التركي، إن عروض التنقيب التي طرحتها مصر احترمت الجرف القاري لتركيا، وإن أنقرة نظرت إلى هذا الأمر نظرة إيجابية.
كما أضاف وزير الخارجية التركي: “كدولتين تملكان أطول ساحلين في شرق المتوسط، إذا سمحت ظروف العلاقات بيننا، يمكننا كذلك التفاوض على اتفاق لترسيم الحدود البحرية مع مصر وتوقيعه”.
كما أن المناوشات والمناورات من جانب بلدان شرق المتوسط، من الواضح أنها لن تؤدي إلا إلى عرقلة استخراج موارد المنطقة من النفط والغاز، ولن تستطيع هذه الدول تمرير صفقات ذات قيمة، في ظل معارضة تركيا، ولن تستطيع أنقرة أن تفعل العكس.
فتركيا فإنَّ تناقضها الأساسي هو مع اليونان، ومصر تناقضها الأساسي مع إثيوبيا، خصام البلدين الأيديولوجي يؤثر على مواقفهما في هاتين القضيتين الأساسيتين.
وبينما تقدمت القاهرة خطوات في اتجاه التحالف مع إثينا، فإن تركيا رغم علاقتها المتزايدة مع إثيوبيا لم تقدم شكل العلاقة على أنه تحالف في مواجهة القاهرة والخرطوم مثلما تفعل مصر مع اليونان، علماً أن النفوذ التركي بصفة عامة في منطقة القرن الإفريقي تزايد، وبالتالي فإن استمرار التوتر المصري التركي قد يدفع أنقرة إلى تحريك هذا الملف.
ولكن على الأغلب تتعامل أنقرة بحذر في هذه القضية، لأنها تعتبر أنه ليست لديها مشكلة مع الشعب المصري، ولا تريد أن تبدو أنها تدخل في تناقض مع مصالح مصر القومية.
إن الإشارات المتعددة التي قدَّمها الجانب التركي إلى القاهرة، يبدو أن مفادها “لا يسعنا حل الخلافات الأيديولوجية ولكن يمكن تجنبيها لتحقيق المصالح الاستراتجية بين البلدين”.
ومن شأن تخفيف التوتر بين القاهرة وأنقرة أن تتفرغ مصر لأزمتها الأساسية مع إثيوبيا، التي تصر على التحكم في مياه النيل دون أي اعتبار لمصر والسودان.
عربي بوست