ما سر دعوة السعودية لعودة سوريا للجامعة العربية؟
السياسية:
جاءت دعوة المملكة العربية السعودية لعودة سوريا إلى الجامعة العربية لتمثل مفاجأة من العيار الثقيل، وتؤشر إلى أن المنطقة قد تكون مقبلة على تغييرات كبيرة.
وأول عناصر المفاجأة أن السعودية كانت السبب الرئيسي لعدم عودة سوريا للجامعة العربية، بعد أن تعرضت دمشق لتجميد أنشطتها بالجامعة العربية في عام 2011، إثر عمليات قمع النظام بوحشية للثورة السورية في بدايتها.
فأغلب الدول العربية ليس لديها اعتراض على عودة سوريا للجامعة العربية.
وسبق أن طالبت مصر بعودة سوريا للجامعة العربية، والإمارات لديها علاقة وثيقة مع النظام، وأغلب دول المغرب العربي ليس لديها مشكلة في عودته، وخاصة الجزائر، التي كان لها دوماً مواقف أقل حدة تجاه النظام السوري عن باقي الدول العربية، فيما يعد العراق من أقرب الدول العربية للنظام السوري، خاصة أن كلاهما يعتبر تحت مظلة النفوذ الإيراني، إضافة إلى التقارب المذهبي بين الأقلية العلوية التي تحكم سوريا والنخب الشيعية التي تحكم العراق.
ومن بين باقي الدول العربية، فإن قطر تعتبر أبرز الداعمين للثورة السورية، وإذا رفعت الرياض تحفظها على عودة سوريا فإن موقف الدوحة سيلعب دوراً في هذه المسألة.
لماذا كانت تتحفظ السعودية على عودة سوريا للجامعة العربية؟
السعودية كان لديها التحفظ الأكبر على عودة سوريا للجامعة العربية، وهو تحفظ لا يرتبط في الأغلب بممارسات النظام تجاه شعبه خلال قمعه للثورة فقط، بل هو سابق على ذلك، وقد يكون هذا هو الذي دفع الرياض لانتهاز فرصة الثورة السورية للدفع بعزل النظام عربياً، رغم معارضتها للثورة في مصر مثلاً.
فتاريخياً، كان هناك عدم ارتياح بين النخب البعثية التي تحكم سوريا والسعودية، وزاد الأمر بسيطرة العلويين على البلاد، ولكن تقاربت المصالح في قضايا عدة منها لبنان، الذي تم إنهاء حربه الأهلية في نهاية الثمانينات بتوافق سعودي سوري.
ولكن لبنان نفسه كان سبباً رئيسياً للتوتر بين البلدين، وزاد التوتر تقارب سوريا مع إيران، ودعمها لحزب الله، ووصل الأمر إلى ذروته عندما وصف الرئيس السوري بشار الأسد الحكام العرب الذين انتقدوا إشعال حزب الله لحرب 2006 مع إسرائيل بأنهم أنصاف رجال.
ولذا كان طابع التوتر والجفاء يسيطر على العلاقة بين البلدين في السنوات السابقة على الثورة السورية، وبعد أن هُزمت الثورة وتخلت الرياض عن دعمها ظلت متحفظة على عودة دمشق للجامعة العربية، وألمح مسؤولو الجامعة العربية من قبل إلى أن هناك حاجة لوجود توافق عربي لعودة سوريا، لافتين إلى أن هذا التوافق غير موجود.
فما الذي غيّر الموقف السعودي بهذا الشكل المفاجئ، والذي تمثل في إعلان وزير الخارجية السعودي رغبة بلاده في عودة سوريا للحاضنة العربية، مع التأكيد أن ذلك يجب أن يتم عبر تسوية سياسية تشمل الحوار مع المعارضين.
ماذا نفهم من التصريحات السعودية الإمارتية عن سوريا؟
يمكن رصد عدة ملاحظات مهمة في هذا التصريح.
– التصريح جاء بعد دعوة مصرية مماثلة لعودة سوريا للجامعة العربية خلال اجتماع وزراء الخارجية العرب الأخير، مع الربط بين ذلك والحوار مع المعارضين، وأن ذلك مهم للأمن القومي العربي.
– التصريح السعودي جاء بعد يوم واحد من تصريح مماثل لوزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبدالله بن زايد، انتقد فيه أيضاً قانون قيصر الأمريكي، واعتبره عاملاً معرقلاً لعودة سوريا للجامعة العربية، وأيضاً لعمل القطاع الخاص هناك.
– تصريحا وزيري خارجية السعودية والإمارات جاءا خلال مؤتمرين صحفيين منفصلين مع نظيرهما الروسي سيرغي لافروف، وتصريح الوزير السعودي وكان لافتاً فيه قوله: “نحن متفقون مع أصدقائنا الروس على أهمية إيجاد مسار سياسي يؤدي إلى تسوية واستقرار الوضع في سوريا، لأنه لا وجود لحل للأزمة السورية إلا من خلال المسار السياسي”.
ويمكن استنتاج عدة أشياء من الملاحظات السابقة
– يبدو أن هناك تنسيقاً مصرياً إماراتياً سعودياً في هذه الدعوة، ولكن من الصعب معرفة من هي القوة الدافعة وراءها من بين الدول الثلاث.
– هناك تكرار للحديث عن تسوية سياسة وتفاوض النظام مع معارضين دون تحديد هوية المعارضين.
– الدعوة تعطي مساحة كبيرة للروس باعتبارهم رعاة الأسد، كوسيط على ما يبدو في عملية التطبيع مع النظام.
– الدعوة إما لا تتطرق للدور الأمريكي كما حدث مع السعودية ومصر، أو تتناوله بشكل سلبي كما فعل الوزير الإماراتي.
– من الصعب معرفة هل الموقفين الإماراتي والسعودي من سوريا هدفهما بالأساس التطبيع مع النظام السوري، أم التقارب مع روسيا عبر هذا الملف، في إطار ردودهما على مواقف إدارة بايدن السلبية، في إطار ملفات حرب اليمن وصفقات السلاح وتقرير خاشقجي.
فالدولتان تتحسسان طريقهما في الرد على سياسات بايدن، فهما لا تريدان رداً فجاً يمكن أن يثير انتقام واشنطن، خاصة إذا أبرمتا صفقات السلاح مع روسيا، بعد أن عاقبت واشنطن حليفتها أنقرة بالفعل على شرائها صفقة أس 400، وفي الوقت ذاته فإن الرياض وأبوظبي تحاولان إرسال رسائل إلى واشنطن بإمكانية تقاربهما مع بكين وموسكو، وقد يكون الملف السوري ممراً مناسباً لذلك.
ماذا سيقدم الأسد في المقابل؟
رغم أن الشروط السعودية لعودة سوريا للجامعة العربية وتطبيع العلاقات تغيرت، وأصبحت مبهمة مع تخلي الرياض عن المعارضة السورية، بل مناصبتها العداء للربيع العربي، فإنه يمكن تصور أن محور هذه الشروط مرتبط بعلاقة الأسد بإيران وحزب الله، خاصة أن عداء الرياض لإيران قد ازداد في عهد الملك سلمان والأمير محمد بن سلمان.
فهل يقدم بشار الأسد تنازلات للسعودية مقابل تطبيع العلاقات وعودة سوريا للجامعة في هذه الملفات، وهل يقدم تنازلات مماثلة للأمريكيين لإطلاق مرحلة تمهد الخروج من قانون قيصر.
يمكن القول إن النظام في أحلك أيامه لم يقدم تنازلات تذكر، وافتراض أنه يمكن أن يخرج من المظلة الإيرانية أمر يصعب تصوره، لأنه لا يرغب ولا يستطيع في ظل الدور الإيراني إنقاذه وحمايته وتمويله إلى الآن، وهو دور تختلط فيه الجوانب المذهبية مع الاختراق الواسع للدولة والمجتمع السوريين.
كل ما يستطيع أن يفعله النظام هو محاولة تقليل الهيمنة الإيرانية دون استفزاز لطهران، كما فعل عبر محاولة الموازنة بين النفوذين الروسي والإيراني.
كما أنه يمكن أن ينأى النظام السوري بنفسه عن الخطاب التصعيدي لإيران وحلفائها تجاه السعودية، ولكن لا يمكن افتراض أن النظام يمكن أن يقوم بأي خطوات جدية تؤثر على إيران، مثل عرقلة توصيل الإمدادات لحزب الله اللبناني على أراضيه، أو محاولة تقليل وجود الميليشيات الشيعية في سوريا.
ماذا يريد الأمريكيون؟
لم يكن هناك رد فعل أمريكي على التصريح السعودي، ولكن كان هناك رد فعل أمريكي على التصريح الإماراتي الذي سبقه بيوم وانتقد قانون قيصر.
واللافت أن الرد الأمريكي على التصريح الإماراتي جاء أقل حدة من تصريحات صدرت عن إدارة ترامب قبل 8 أشهر، تحذر الإمارات من انتهاك قانون قيصر.
فبينما حذر الممثل الأمريكي الخاص المعني بشؤون سوريا في عهد الإدارة السابقة، جيمس جيفري في يونيو/حزيران 2020، الإمارات من التقارب مع بشار الأسد أو اختراق قانون قيصر، فإن رد فعل الإدارة الحالية بدا أقل حدة (حتى الآن)، وخلا من أي عبارة تحذير للإمارات من مغبة إقامة علاقة اقتصادية مع نظام الأسد، ولم يلوح بتطبيق قانون قيصر على شركاتها.
فلقد بدا من الرد على التصريح الإماراتي الأخير أن الإدارة الأمريكية تحاول إرساء معادلة لربط أو مقايضة قانون قيصر، بفتح الأسد حواراً سياسياً مع المعارضة السورية، وتخفيف ممارساته القمعية.
إذ علق متحدث باسم الخارجية الأمريكية في تصريح لموقع قناة الحرة الأمريكية، أمس الأول الثلاثاء، على تصريحات وزير الخارجية الإماراتي، قائلاً “يتحتم على النظام وداعميه الانخراط بجدية في الحوار السياسي، والسماح للمساعدات الإنسانية بالوصول إلى المجتمعات المحتاجة من أجل تحقيق نهاية مستدامة لمعاناة الشعب السوري”.
رد الفعل الأمريكي قد يؤشر إلى تقبل أمريكي لفكرة عودة سوريا للجامعة العربية وتخفيف قانون قيصر، مع وضع شروط لها، وقد يكون أيضاً مؤشراً على إمكانية أن تكون سوريا هي الملف الذي يمكن البدء في إجراء تسوية به ضمن الملفات الخلافية بين إيران من جانب وأمريكا والسعودية من جانب آخر.
ولكن اللافت أن الأمريكيين مثل السعوديين والمصريين تحدثوا عن حل للأزمة السورية عبر تسوية تشمل حواراً مع معارضين (في الأغلب توارى الحديث عن وضع دستور جديد وانتخابات رئاسية).
ولكن السؤال: هل تستطيع أمريكا الضغط على نظام الأسد وداعميه لفتح حوار حقيقي مع المعارضة، وألا يمكن للأسد أن يفتح حواراً مع المعارضة المستأنسة والمقربة من روسيا، والتي يسمح لها الأسد بالاجتماع في دمشق، بحيث يصبح ذلك مبرراً لتخفيف العقوبات التي تسببت في ضغوط مالية كبيرة على النظام، ثم العودة مجدداً للمستوى السابق من القمع.
ومن المعروف أن المعارضة السورية أصبحت منقسمة بشدة، والأهم أن هناك معارضات محسوبة على النظام وأخرى على الروس، ومعارضة محسوبة على السعودية والإمارات، (وأغلب هذه المعارضات لم تعد لها قوة فعلية)، فهل يشمل الحوار المفترض المعارضة السورية الموجودة على الأرض وتدير مناطق في شمال سوريا؟.
وهل يكون هدف هذه الدعوة هو إعلاء شأن المعارضة الشكلية أو المقربة لروسيا والسعودية والإمارات، وإقصاء المعارضة المقربة لتركيا وقطر؟.
ففي ضوء العلاقة الوثيقة بين الإمارات والأسد، وتركز هذه العلاقة على العداء للأجندة الديمقراطية في المنطقة، وبالتالي العداء لأغلب مكونات المعارضة السورية، ألا يمكن أن يكون التصريح الإماراتي مجرد تمهيد لتحقيق هذا الهدف.
الأهم أنه حتى لو كان الأمريكيون لديهم نية لتخفيف قانون قيصر الذي يعاقب المتعاملين مع النظام السوري مقابل فتحه حواراً مع المعارضة، فإن تجربة الأسد تكشف أنه لا يقبل شريكاً، وأنه يستغل كل حوار لإضعاف المعارضة، وتعزيز القمع.
عربي بوست