السياسية:

إلى أين يذهب الفلسطينيون ليطالبوا بمساءلة إسرائيل عما يتعرضون له؟ إلى المحاكم الإسرائيلية أم إلى أين يذهبون؟ 

هذا السؤال الذي سبَّب إحراجاً كبيراً للمتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس، الذي بدا عليه الارتباك منذ أول لحظة، حينما ردَّ على الصحفي بكلماتٍ مترددة: “مات، انظر”. الصحفي “مات لي” هذا، متخصص في إحراج المسؤولين الأمريكيين، كما سنشرح لاحقاً.

إلى أين يذهب الفلسطينيون؟

واجه المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، نيد برايس، استجواباً محرجاً، الأربعاء 3 مارس/آذار 2021، عند مناقشة قرار المحكمة الجنائية الدولية الأخير التحقيق في جرائم الحرب بفلسطين، والذي أبدت واشنطن “معارضتها الشديدة” له؛ لفتحه التحقيق في جرائم حرب إسرائيلية محتملة بالأراضي الفلسطينية، مؤكدةً دعمها لإسرائيل.

هنا، تلقَّى برايس سؤالاً محرجاً من الصحفي “مات لي” من وكالة أسوشييتد برس (Associated Press)، إذ سأله: “إلى أين يجب على الشعب الفلسطيني أن يتوجه إذا لم يتمكن من الاعتماد على المحكمة الجنائية الدولية”.

حاول برايس الإجابة عن السؤال، بترديد إدانة إدارة بايدن قرار المحكمة الجنائية الدولية، لكن الصحفي المخضرم قاطعه عدة مرات، وأخذ يكرر: “إلى أين يذهبون؟”، واكتفى برايس بترديد أن واشنطن تدعم حلَّ الدولتين. وقد حصد مقطع الفيديو انتشاراً واسعاً منذ نشره الخميس، وكذلك بعد ترجمته إلى العربية عبر عدة مؤسسات إعلامية عربية. 

وكانت رئيسة الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية، فاتو بنسودا، أعلنت يومها أن التحقيق سيتم “بشكل مستقل وحيادي وموضوعي، دون خوف أو محاباة”، وقد رحب الفلسطينيون ومنظمات حقوق الإنسان العالمية بالتحقيق، إلا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، انتقد القرار، ووصفه بأنه “سخيف” و”مُعادٍ للسامية”، و”ذروة النفاق”، كما أشارت صحيفة The Washington Times الأمريكية.

هل احتلت الصين مكان الولايات المتحدة؟

إذا عُدنا بالزمن إلى نوفمبر/تشرين الثاني 2016، نجد أن الموقف نفسه تكرر، لكن باختلاف المسؤول في البيت الأبيض وموضوع النقاش، إذ أحرج “مات لي” المتحدثَ باسم وزارة الخارجية جون كيربي، عندما ناقشه عن عدد الدول الآسيوية التي تتحالف الآن مع الصين بدلاً من الولايات المتحدة.

وجاء ذلك على خلفية توقيع ماليزيا العديد من الصفقات الجديدة مع الصين، ومن ضمنها شراء سفن وخط للسكك الحديدية، وبدأت وقتها الأسئلة تدور حول ما إذا كانت ماليزيا ستتعاون أكثر مع الصين، خصوصاً أن الفلبين كانت أعلنت قبل أسابيع من هذا الخبر، عن نيتها إقامة علاقات أوثق مع الصين والابتعاد عن الولايات المتحدة.

عندها سأل “لي”: “لا أريد أن أتطرق إلى المفاهيم العامة هنا، ولكن ما الذي تعنيه الأحاديث الدائرة بأن البلدان ذات النِّسب السكانية الأكبر في جنوب شرقي آسيا، أصبحت أكثر قرباً للصين؟”.

ردَّ كيربي وقتها: “أعطني أسماء”، ليضحك “لي” ضحكة ساخرة وأخذ يردد أسماء الدول؛ تايلاند، وكمبوديا، ولاوس، وماليزيا، هنا أجاب كيربي: “حسناً، لدينا اثنتان أو ثلاث أو أربع، أياً كان، هناك كثير من الدول في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، لا تزال علاقتها الاقتصادية بأمريكا جيدة”.

ليجيب “لي” بأن عدد الدول في رابطة ASEAN الاقتصادية لدول جنوب شرقي آسيا، 10 فقط، وأنه ذكر أسماء 5 دول؛ أي إن نصف المنظمة الاقتصادية أصبح أكثر تواصلاً مع الصين عن أمريكا، واستمر “لي” في الضغط على المتحدث باسم الخارجية طوال 5 دقائق.

الأسئلة المحرجة لا تتوقف.. من هو “مات لي”؟

أسئلة “لي” المحرجة للمسؤولين في الإدارة الأمريكية لا تتوقف، وقد شاهد الآلاف مقاطع فيديو له يسأل ويجادل فيها المسؤولين الذين يعرفونه بالاسم، ويركز الصحفي المخضرم كثيراً على علاقات أمريكا الخارجية، سواء في آسيا أو الشرق الأوسط، إذ خاض عدة نقاشات في مؤتمرات صحفية عن التدخلات الأمريكية بسوريا والعراق واليمن.

إلى درجة أن ماري هارف، التي كانت نائبة المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، احتفلت بعيد ميلاده في أحد المؤتمرات الإعلامية إبان وجودها بمنصبها (سبتمبر/أيلول 2014)، وأهدت إليه عدة بالونات في قاعة المؤتمرات.

المثير للاستغرب أن دخول “لي” للصحافة جاء صدفة وفق قوله، إذ كان مهتماً بالأخبار لكنه لم يشارك في أي نوع من النشاط الصحفي المنظم، وعندما تخرج في الكلية كان بحاجة إلى وظيفة، وبالصدفة عثر على فرصة عمل في صحيفة Washington Post عام 1989، حيث عمِل مساعداً إخبارياً، أو “موظفاً لنسخ الأخبار وطباعتها”، كما شرح في حديث سابق له مع موقع Politico الأمريكي.

في هذا التوقيت، بدأت حرب الخليج، وسقوط جدار برلين، وعدد من الأحداث السياسية الساخنة التي جعلته يجرب العمل بشكل مستقل على نشر القصص الأسبوعية المحلية في صحيفة Post، حيث بدأ يتعلم العمل الصحفي، ويتعامل مع مراسلي ومحرري الصحيفة عن قرب، جعله يرغب في أن يصبح مراسلاً صحفياً.

بعدها انتقل إلى شارلوتسفيل بولاية فيرجينيا؛ للعمل في صحيفة The Daily Progress، وبعد عدة سنوات من تغطية الأخبار المحلية هناك، جمع أمتعته وانتقل إلى كمبوديا في عام 1994، حيث بدأ حياته المهنية كمراسل للخدمات الإخبارية لوكالة الأنباء الفرنسية.

إذ بدأ تغطية وزارة الخارجية لوكالة فرانس برس في عام 1999، ثم أصبح نائب رئيس مكتب شرق إفريقيا بنيروبي في عام 2005، ثم عاد إلى العاصمة واشنطن، وبدأ مشواره مع وكالة أسوشييتد برس في عام 2007.

عربي بوست