ماذا بعد تجديد الثقة للأمين العام للجامعة العربية؟
تدوير المناصب واتباع نظام المحاصصة ما زالا قائمين وواردين
طارق فهمي
جاء توجيه وزراء الخارجية العرب بتجديد الثقة في الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط متوقعاً في ظل تعجيل القاهرة بولاية ثانية على الرغم من كل ما دار من تكنهات حقيقية حول ترشيح بعض الأسماء البارزة في مصر خلفاً له، خصوصاً مع وجود حالة من التحفظ من بعض الدول على الاسم في مرات سابقة لم يتحدث فيها البعض ترضية للجانب المصري، ورغبة في عدم الصدام المباشر مع موقف الأغلبية من الدول التي أيدته.
ملاحظات أولية
– جاءت عملية إعادة ترشيح الأمين العام أحمد أبو الغيط في ظل مناخ عربي مشحون، إلا أن ظرف إعادة ترشيحه وعلى الرغم من وجود تحفظات سابقة، فإن الموقف العربي الراهن في أمسّ الحاجة للتماسك والتوحد وعدم الاصطدام، أو التأجيل لتسمية أبو الغيط مجدداً، وهو ما فضلته الأغلبية من الدول وعلى رأسها مصر والإمارات والأردن والعراق.
– استقبل وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني بصورة ودية، والتقى نظيره المصري سامح شكري في إشارة مهمة لاستئناف العلاقات الدبلوماسية المصرية القطرية على أعلى مستوى، ومن ثمّ فإن الانفتاح على مزيد من الخطوات بين البلدين وارد، وقد تشهد الاتصالات مزيداً من التقارب الذي يجري بعيداً عن أعين وسائل الإعلام والقنوات المعلنة، ولا تزال الكويت تباشر دوراً مهماً في هذا الأمر، وكذلك على المسار الإماراتي القطري، وربما ستكون رئاسة الدوحة لمجلس وزراء الخارجية العرب مدخلاً لهذا الأمر، ولعل هذا يفسر عدم وجود تحفظات قطرية على وجه الخصوص تجاه إعادة ترشيح أبو الغيط مجدداً.
– لا تزال الجزائر في موقفها تتمسك بعقد القمة على أراضيها، ومع ذلك لم تحدد أي وقت أو إطار زمني، بل بالعكس لا تزال ترى أن انعقاد القمة في هذه الظروف الصعبة لن يكون ناجحاً، ومن المستبعد أن تُجرى القمة وفق ما أعلن جدول أعمالها، والقضية ليست بينة، وبالتالي فإنه من المنتظر ألا تفاجئ الجزائر الدول العربية بموعد لعقد القمة.
– ليس مستبعداً، وفي ظل الوضع الراهن ووجود حالة من الانقسام التي لن ينصلح معها التجديد لأبو الغيط أن تعقد القمة العربية في مقر الجامعة بالقاهرة أو من خلال الوسائل الافتراضية، وهو ما قد يؤدي لمزيد من التوتر والشد والجذب الحقيقي بين الدول العربية، خصوصاً أن المطالبات بإصلاح المنظمة وتطويرها ما زالت مطروحة بقوة وتُردد في الأجواء الحالية وأثناء الاجتماع الأخير، في إشارة إلى عدم وجود توافق عام على جدول أعمال القمة العربية، وعلى مسارات تحركها المقبل، وأن الأمين العام ما زال يواجه بحالة من الانتقادات التي قد تعرقل حركته السياسية في المحيط العربي أو في التعامل مع الأزمات الحالية، بخاصة القضية الفلسطينية والانفتاح العربي على إسرائيل وإبرام سلسلة من اتفاقيات السلام معها، واستمرار الملفات الليبية واليمنية والسورية من دون حل حقيقي، كما لم تُبحث عودة سوريا لموقعها في الجامعة العربية، أو مواجهة التحديين التركي والإيراني بصورة لافتة، وتضمن جدول الأعمال كلاماً جرى تداوله منذ قمم سابقة، وكان يجب حسم ملف عودة سوريا المؤجل منذ قمم سابقة، ولم يحل حتى الآن. والرسالة أن قمة أبو الغيط، إن صح التعبير، كانت لتمرير المشهد الراهن، وعدم الاصطدام بأي طرف على الرغم من وجود حالة التجاذب قائمة، وهو ما سيؤدي لمزيد من الشلل في المواقف العربية وبقاء الأوضاع على ما هي عليه.
– جاءت الـبنود الرئيسة التسعة في الدورة الوزارية العادية للمجلس في سياقها المكرر، وتضمنت القضية الفلسطينية، ثم الموضوعات العربية في لبنان وسوريا، والوضع في ليبيا، وتطورات الأوضاع في اليمن، وإمدادات الطاقة في الخليج العربي، والتدخلات التركية في الشؤون العربية، ولكن اللافت فعلاً التركيز على إجراء تعيينات جديدة في مواقع الجامعة، ووفق المحاصصة التي حرصت الدول العربية على تأكيدها.
الخلاصات الأخيرة
جُدد لأبو الغيط، وهدأت المشاحنات التي كانت تدور أحداثها وراء الستار إلى بعض الوقت، ومن الواضح أن هناك حرصاً مصرياً عربياً على الإبقاء على الجامعة، حتى وإن لم تؤدِ دوراً حقيقياً، ولم تكن هناك الشجاعة الدبلوماسية لفتح كل الملفات بصورة حقيقية، وكان الهدف إعادة ترشيح الأمين العام في موقعه، ولكن ما لم يعلن بالفعل أن هناك مطالبات حقيقية ستطرح بضرورة تعيين نائب للأمين العام في ظل تقدم عمر الأخير مع المطالبة بأكبر خطة تقليص للتسهيلات المالية والمكافآت المالية ومراجعة عقود المتعاونين في الجامعة، خصوصاً في المواقع القيادية، والأهم النظر الحقيقي في شأن إصلاح المنظمة مع تبني أكبر خطة في خفض النفقات لها، بخاصة في مكاتبها بالخارج، وهو ما يشير إلى البدء فعلياً في خطة للتعامل ستطول الجامعة ومؤسساتها البيروقراطية.
وتسعى الجزائر لعمل عربي جاد من دون أن تفرضه على أي من الدول العربية الأخرى، وكان هذا واضحاً بما قدمته على لسان وزير خارجيتها صبري بوقادوم في الاجتماع. وقد تستمر الجامعة العربية في مهامها ودورها نظرياً، ولكنها ستواجه بتلال من الأزمات والتحديات التي يجب التعامل معها بجدية بدلاً من استمرارها من دون فعالية أو تأثير حقيقيين في ظل التطورات الجارية في الإقليم، وتتطلب سرعة في التعامل وقدرة على مواجهة المخاطر الحقيقية، خصوصاً أن النظام الشرق أوسطي بات خياراً مطروحاً في مواجهة الحلول العربية الراهنة، ولا تزال المنظمة على الرغم من كل ما يجري تبحث عن دور، وما زالت إرادتها السياسية غائبة وفعاليات الجامعة ونشاطها مستهدفين. ولن يتم أي إصلاح أو تطوير ما لم تدرك الدول العربية أن الجميع مستهدف، ولا توجد دولة بمنأى عما يجري وأن مزيداً من التدخلات الإقليمية سيظل مطروحاً.
المصدر : الاندبندنت
لمقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع