السياسية:

في ظل تصاعد مستوى الحرب السيبرانية التي باتت تطال مؤسسات ووكالات حكومية مثل أكبر الوكالات الأمريكية وأكثرها سرية وتأميناً على مستوى العالم، تُطرح العديد من التساؤلات حول مدى خطورة هذا النوع من الحروب، على اعتبار أن الحروب النووية ظلت التهديد الأخطر للبشرية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.

وتقول مجلة National Interest الأمريكية، إنه بالنسبة لأولئك الذين نشأوا خلال الحرب الباردة ومبدأ الدمار المُتبادَل المؤكَّد بين السوفييت والولايات المتحدة، كانت الأسلحة النووية التهديدَ الأكثر تدميراً في العالم. وبلا شك، بالنسبة لمعظم الإستراتيجيين، كان ذلك هو الخيار الأخطر، وفي كثير من الأحيان كان الخيار الأكثر احتمالاً. 

وحتى اليوم، ليس هناك من ينكر التأثير الكارثي للأسلحة النووية. ومع ذلك، بالنسبة لدولٍ مثل أستراليا، هل يمثِّل ضرب سلاح نوويٍّ التهديدَ الأكثر احتمالاً أو الأخطر؟ 

التهديد الأخطر علينا.. الحرب النووية أم السيبرانية؟

نحن نعيش في عصر علم التحكُّم السيبراني. يبدو أن كلَّ الأشياء مرتبطةٌ بالتكنولوجيات الرقمية وتعتمد عليها، وتؤدِّي هذه الاعتمادية إلى تشويش جميع جوانب الحقائق. تشكِّل الهواتف الذكية وتطبيقات المراسلة ووسائل التواصل الاجتماعي بيئاتنا العامة والسياسية والأمنية الوطنية، إلى درجة أننا يجب أن نسأل أنفسنا: ما التهديد الأكثر احتمالاً وما التهديد الأخطر لسيادتنا؟ هل هو تفجير نووي أم غزو مادي أم شيء آخر؟ 

وتقول المجلة الأمريكية، إن الأسلحة النووية تظلُّ أكثر أدوات الحرب تدميراً مادياً على الإطلاق، ولكن، كما أظهرت الحرب الباردة، فإن لهذه الأسلحة تأثيراً “لإرساء الاستقرار”، لأنها تجعل من المُحتمَل أن يكون تصعيد الصراع مُكلِّفاً للغاية. في كثيرٍ من النواحي، يظلُّ الخوف من مبدأ “الدمار المُتبادَل المؤكَّد” اختياراً وموازنةً لدى تلك الدول التي لديها قدرة نووية اليوم. 

إضافة إلى ذلك؛ نظراً إلى التأثيرات العالمية لمبدأ الدمار المُتبادَل المؤكَّد، وُضِعَت مؤشراتٌ قوية ونظامٌ للتحذير، خاصةً بين دول تحالفِ العيون الخمس (الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا)؛ لمراقبة وكشف الأنشطة المرتبطة بالأجهزة النووية، سواء كانت تسلُّحاً أو تسليماً أو تطويراً. وحتى تهديد “قنبلة قذرة” للإرهابيين يجري التحقُّق منه كل ساعة تقريباً من قِبَلِ أولئك الموجودين في البنتاغون، وتجري التدريبات بانتظام، من أجل إعدادهم للخيارات الأخطر والأكثر احتمالاً. والحقيقة أن الأزمات من نوع أزمة الصواريخ الكوبية سابقاً لا تمثِّل تهديداً لأستراليا أو شركائها في العيون الخمس، على الأرجح الآن أو على المدى القريب. 

الحرب البيولوجية أو المعلوماتية تقع في “المنطقة الرمادية” ذاتها

إذا لم يكن تهديداً نووياً أو مادياً، فما التهديد الأكثر احتمالاً حقاً لأستراليا؟ هل هو إطلاق سلاح كيميائي أو بيولوجي، مثل كوفيد-19، إذا جرى ذلك عن عمدٍ وتوقَّعته دولةٌ أو جماعةٌ إرهابية؟ ماذا عن تهديد الهجمات السيبرانية أو حرب المعلومات؟ هل يمكن تفسير نشر برامج ضارة مثل WannaCry، الذي شلَّ نظام الرعاية الصحية الوطني في المملكة المتحدة، أو NotPetya، الذي أثَّر على أنظمة توزيع الطاقة بهولندا وأوكرانيا، على أنه مدمِّرٌ للأمة مثل الانفجار النووي؟ أو ماذا عن هجمات Secondary Infektion التي استخدمت وسائل التواصل الاجتماعي لتأجيج السخط الشعبي والسياسي في أوروبا والولايات المتحدة؟ 

قد يجادل معظم الإستراتيجيين بأن الحرب البيولوجية أو المعلوماتية تقع في “المنطقة الرمادية” للصراع، مشيرين إليها على أنها حرب هجينة أو سياسية. لكن هل قنبلة على تويتر أو قنبلة برمجية ضارة أقل تدميراً في حجم آثارها من القنبلة النووية؟ هل تعتمد القوة التدميرية في عام 2021 فقط على الحصيلة الحركية العامة؟ وكيف يمكن قياس “التداعيات” من هجماتٍ مثل WannaCry أو Infektion وتأثيراتها غير الحركية على العولمة والاقتصاد وأنظمة الحكم والرعاية الصحية؟ 

التهديد الأكثر احتمالاً والتهديد الأقل احتمالاً

يقول جون باورز، أستاذ الدراسات الآسيوية في الجامعة الوطنية الأسترالية، والباحث بمنتدى السياسة الإستراتيجية الأسترالية، إنه “في عام 2021، سيتبنَّى أعداء (العيون الخمس) حقاً القول المأثور من الجنرال البروسي كارل فون كلاوزفيتز بأن (الحرب سياسة بوسائل أخرى). وبدلاً من التركيز على تخصيب اليورانيوم ونشر أنظمة التوصيل النووي المتنقِّلة، فإنهم يركِّزون على تسليح المُكوِّنات الأخرى للقوة الوطنية، الدبلوماسية والمعلومات والثقافة والاقتصاد وسيادة القانون. إنهم يستخدمون مجموعاتٍ مُبتَكَرة من التجسُّس الاقتصادي والتلاعب في سلاسل التوريد، من أجل الوصول إلى البنى التحتية الحيوية لدينا. يسرقون ملكيتنا الفكرية وأسرارنا الصناعية من خلال حملات التأثير الخبيثة، باستخدام العمليات المعلوماتية والتخريب السياسي؛ لزرع الانقسامات في مجتمعنا وتقويض الثقة بمؤسَّساتنا الديمقراطية وإضعاف تحالفاتنا”. 

يضيف باورز: “اليوم، من المُرجَّح أن نتأثَّر بقنبلةٍ على تويتر أو ببرامج ضارة أكثر بكثير من تأثُّرنا بانفجار نووي. والأمر الأكثر إثارةً للقلق هو أنه، عكس المؤشرات والتنبيهات المرتبطة بهجومٍ نووي، فإن كلَّ ما تحتاجه دولةٌ قومية أو جماعة إرهابية هو الوصول إلى اتصالٍ بالإنترنت وبعض الرسائل التخريبية أو البرامج الضارة، ويمكن أن تبدأ الضربة دون أيِّ تحذيرٍ تقريباً. 

الحقيقة هي أن الأعداء قد يستخدمون بشكلٍ طفيف الصراع بأكمله سعياً وراء مصالحهم الوطنية ضدنا، ويوازنون بعنايةٍ أهدافهم مع تجنُّب العمل العسكري المباشر. بالنسبة لهم، لا يُعتبَر انتهاء الفضاء السيبراني أو الطيف الكهرومغناطيسي لأمتنا عملاً عدوانياً. لماذا؟ لأننا نسمح لهم بمواصلة فعل ذلك. ولكن كيف يختلف ذلك عن انتهاك مياهنا الإقليمية أو مجالنا الجوي؟”.

لذلك، في عام 2021، من المُحتمَل أن يأتي التهديد الأكثر احتمالاً لأستراليا على سبيل المثال، من نظام حرب المعلومات أو البرامج الضارة. أما التهديد الأقل احتمالاً، فهو الهجوم النووي أو الغزو المادي. والتهديد الأخطر هو القادة وصنَّاع القرار الذين يفشلون في التصرُّف على الأرجح، على حد تعبير باورز.

عربي بوست