لماذا حظرت إسرائيل النشر في “فضيحة” تصدير طائرات انتحارية بدون طيار للصين؟
السياسية:
القبض على نحو 20 تاجر سلاح في إسرائيل، واتخاذ تل أبيب قراراً بحظر النشر في القضية، أعاد للواجهة تصدير طائرات انتحارية بدون طيار إلى الصين، فما قصة تجارة السلاح الإسرائيلية التي لا تخضع للرقابة؟
على مدار الأشهر الماضية تناثرت أخبار متفرقة عن إلقاء الشرطة السرية الإسرائيلية القبض على تجار سلاح إسرائيليين، حتى أصبحت الأمور الآن مصنفة باعتبارها واحدة من أكبر فضائح صناعة السلاح الإسرائيلية في التاريخ، فاتخذت السلطات الإسرائيلية قراراً بحظر النشر، ما أدى لحجب أغلب الحقائق المتعلقة بما حدث.
بيع أسلحة إسرائيلية للصين
كانت المعلومة الأساسية التي يبدو أن قرار حظر النشر الذي أصدرته السلطات الإسرائيلية جاء بسببها هي اسم الدولة التي تم تصدير الأسلحة إليها، لكن خرج قدر من التفاصيل للعلن كان كافياً لأن يجمع الجمهور الإسرائيلي أجزاء من اللغز، ونشرت منصات إعلامية أجنبية ما كان يعرفه الجميع بالفعل: يبدو أنَّ طائرات انتحارية دون طيار صُنِعَت في إسرائيل قد بيعت للصين، بحسب تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني.
وأشار التقرير الذي أعده شير هيفير، باحث وصحفي مستقل وعضو مجلس إدارة منظمة “الصوت اليهودي من أجل سلام عادل في الشرق الأوسط”، إلى أن ريتشارد سيلفرشتاين، وهو كاتب مساهم لدى موقع Middle East Eye البريطاني، كان من أوائل الذين ذكروا بكين بالاسم في مدونته، في منشور نشره في 11 فبراير/شباط الماضي، لافتاً إلى أنَّ تلك لم تكن الفضيحة الأولى لإسرائيل التي تشمل طائرات هجومية بدون طيار، ولم تكن مفاجأة بالنظر إلى غياب الرقابة من جانب وزارة الدفاع الإسرائيلية.
وقال سيلفرشتاين لموقع Middle East Eye: “كان هناك العديد من الصفقات الإشكالية المماثلة للصين في الماضي، أثار الكثير منها غضب الولايات المتحدة”، مضيفاً: “في هذه الحالة ربما كان مهندس الطيران الذي يتولى مهمة تنسيق عصابة من لصوص التكنولوجيا العسكرية يتصرف بدافع تحقيق الإثراء الذاتي، لكنَّه خلق أيضاً فضيحة ربما تكون مدمرة في نفس الوقت الذي تتغير فيه الإدارة الأمريكية وتستقبل رئيساً أكثر تردداً من سلفه في التغاضي عن تجاوز إسرائيل للحدود”.
وقال أنتوني لوينشتاين، الصحفي والمؤلف الإسرائيلي المستقل، للموقع البريطاني: “لدى إسرائيل صناعة دفاعية غير منظمة إلى حدٍّ كبير، ما يسمح للحكومة الإسرائيلية وشركاتها الخاصة ببيع الأسلحة ومعدات المراقبة والتكنولوجيا الفائقة لبعضٍ من أكثر الأنظمة استبداداً في العالم، من أوغندا وحتى الفلبين”. وأضاف: “حان الوقت لمحاسبة الدولة الإسرائيلية على هذه الممارسة الممتدة منذ عقود”.
متى تتم محاسبة إسرائيل؟
رغم الافتقار إلى القواعد التنظيمية التي تحكم صناعة الأسلحة الإسرائيلية، أجرت الشرطة الإسرائيلية السرية هذه المرة تحقيقاً، وأوقفت عصابة لتجارة السلاح، ما يشير إلى أنَّ التكلفة الدبلوماسية للصفقة ستكون أثقل من أن تُحتَمل فيما يتعلق بالعلاقة مع واشنطن.
وتُمثل هذه الصفقة المرة الثانية التي تشتري فيها الصين ذخائر “متسكعة” من مُصنِّعين إسرائيليين. كانت الأولى في عام 1998. وأصبحت هذه الأسلحة، التي تُسمَّى “طائرات انتحارية بدون طيار”، علامة مُسجَّلة لاثنتين من شركات السلاح الإسرائيلية: شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية، وشركة Aeronautics، التي اشترتها شركة رافائيل.
طائرات بدون طيار إسرائيلية
والطائرة الانتحارية بدون طيار هي هجين بين طائرة بدون طيار وصاروخ، تحوم في الجو لساعات قبل أن يوجهها المُتحكِّم فيها للانفجار في هدف. وهي باهظة الثمن، وحمولتها النارية أقل من المدفعية، وعشوائية، وغير دقيقة مثل الطائرات بدون طيار الأخرى، فما قيمتها الاستراتيجية إذاً؟
طائرات انتحارية بدون طيار
يتردد الجنود البشريون في القيام بمهمات انتحارية، لكنَّ الطائرات بدون طيار الانتحارية يمكنها أن تحل محلهم. العامل الحاسم هنا هو الإرهاب، فكما يشعر السكان بالإرهاب من فكرة أنَّ شخصاً غريباً قد يتحول إلى مُفجِّر انتحاري دون سابق إنذار، كذلك يمكن إرهابهم بطائرة انتحارية بدون طيار يمكن أن تهبط من السماء دون سابق إنذار.
وفي حين يُستبعَد أن يكون الجنرالات الصينيون متحمسين للمفجرين الانتحاريين، فإنَّ الصين قد تحصل على معلومات استخباراتية قيِّمة من تلك الطائرات، التي تُستخدَم بصورة متزايدة من جانب قوات حلف شمال الأطلسي (الناتو).
تذكر قاعدة بيانات حديثة عن الصادرات الإسرائيلية أطلقتها “لجنة خدمات الأصدقاء الأمريكيين” ثلاث صفقات لتصدير السلاح بين إسرائيل والصين، بين عامي 1998 و2008، تضمَّنت صواريخ وذخائر متسكعة وقمراً صناعياً من أجل أولمبياد بكين 2008.
قالت الباحثة والناشطة المناهضة للخدمة العسكرية سحر فاردي لموقع Middle East Eye: “لا يشمل قانون التصدير العسكري الإسرائيلي لعام 2007 عمليات الرقابة والاعتبارات والقيود المرتبطة بحقوق الإنسان، لأنَّه لم يُشرَّع واضعاً هذا في الاعتبار، لقد شُرِّع لسبب واحد فقط: السماح للدولة ومصالح شؤونها الخارجية بتقييد الصفقات في المواقف التي لا يكون فيها ذلك في مصلحة إسرائيل السياسية”.
وقالت فاردي إنَّ هذه السياسة كانت تعني السماح بإتمام مبيعات الأسلحة لبلدان مثل ميانمار، التي ترتكب تطهيراً عرقياً ضد شعب الروهينغا. وأضافت: “إسرائيل تختبر وتطور، والأهم من ذلك تُسوِّق، أسلحتها باعتبارها (مُجرَّبة في ساحة القتال)، وساحة القتال تلك هي المدن والقرى الفلسطينية الخاضعة للاحتلال الإسرائيلي”.
ووفقاً لصحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، كانت قيمة الذخائر المتسكعة التي بيعت بصورة غير شرعية للصين بضع عشرات الملايين من الدولارات. لكن لم يُصادَر من حساب زعيم العصابة إلا أقل من مليون دولار فقط، وهو ما يشير إلى أنَّ الأموال التي دُفِعَت لتجار السلاح كانت هزيلة. لماذا قد يُقدِم ما يزيد عن 20 تاجر سلاح إسرائيلياً على مخاطرة هائلة كهذه مقابل مثل هذا العائد الهزيل؟
انتهاك شروط المساعدات الأمريكية لإسرائيل
بالنظر إلى التراجع في الإنفاق الدفاعي الإسرائيلي على المدى الطويل، والمناشدة الطارئة من جانب شركات السلاح الإسرائيلية للحكومة في عام 2015، مُحذِّرةً من حدوث أزمة في مبيعات السلاح، ومذكرة التفاهم التي وقَّعها الرئيس الأمريكي آنذاك باراك أوباما في 2016، وتلغي الامتياز الخاص الذي يسمح بحصول شركات السلاح الإسرائيلية على جزء من المساعدات العسكرية الأمريكية، والحركة السياسية الجديدة من جانب الجنرالات السابقين، والتي تهدف لإزاحة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في ظل مواجهته اتهامات بالفساد، تتضح صورة تُظهِر أنَّ النخبة الأمنية الإسرائيلية تفقد وضعها المهيمن في الاقتصاد الإسرائيلي منذ بعض الوقت.
تُقدِّم هذه الأزمة العميقة التي تواجهها النخبة الأمنية الإسرائيلية تفسيراً للسبب الذي دفع تجار السلاح هؤلاء إلى تجاهل المخاطر وبيع الطائرات الانتحارية بدون طيار للصين. فتجار السلاح ما كان بإمكانهم معرفة أنَّ جو بايدن سيفوز بالانتخابات الرئاسية الأمريكية. ومع أنَّ إسرائيل تتلقى مساعدة عسكرية أمريكية أكثر من أي بلد آخر، فإنَّ هذه المساعدة تأتي مصحوبة بقيود.
إذ تتمتع وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) بنفوذ قوي على إسرائيل، فتُقيِّد نقل تكنولوجيا السلاح الأمريكية إلى الأطراف الثالثة، وتمنع الشركات الإسرائيلية من التنافس مع مصنعي السلاح الأمريكيين، وتطالب إسرائيل بأن تنفق، إلى جانب المساعدات، مليارات الدولارات الإضافية على الأسلحة الأمريكية.
واتضح تصلُّب المطالب الأمريكية من إسرائيل في قرار وزارة المالية الإسرائيلية الأخير إعادة تمويل قرض بملياري دولار كان مستحقاً هذا العام، بهدف التمكن من شراء مقاتلات F-35 لسلاح الجو الإسرائيلي بتكلفة 9 مليارات دولار.
ومع أنَّ الانتخابات المقبلة المقرر إجراؤها في إسرائيل نهاية مارس/آذار، كانت ناجمة عن إخفاق الحكومة في التصديق على الموازنة، كان لا بد من إيجاد أموال لصفقة F-35 بهدف تجنُّب إزعاج البنتاغون، الغاضب بالفعل بسبب بيع الطائرات الانتحارية دون طيار للصين.
تخدم صادرات الأسلحة الإسرائيلية هدفين، يتعارضان أحياناً: توسيع النفوذ الدبلوماسي، وتحقيق الأرباح. لكنَّ الخصخصة أدَّت إلى إحداث فجوة بين الهدفين، لأنَّ تجار السلاح لم يعودوا يعملون لصالح الحكومة ويركزون فقط على الربح، في حين لم يعد للحكومة نفوذ كبير كما كان من قبل في تحديد أنواع التكنولوجيا التي تُطوَّر والزبائن الذين تُباع لهم.
عربي بوست