ماذا يعني احتفاظ إدارة بايدن بحق معاقبة ولي عهد السعودية “مستقبلاً” على مقتل خاشقجي؟
السياسية:
هناك تضارب في موقف الإدارة الأمريكية برئاسة جو بايدن بشأن التعامل مع ولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان، بعد نشر التقرير الاستخباراتي الذي خلص إلى أن ولي العهد وافق على “خطف أو قتل” الصحفي المعارض جمال خاشقجي.
إذ نفذت إدارة بايدن وعدها بنشر الملخص غير السري للتقييم الاستخباراتي الأمريكي الخاص بجريمة اغتيال خاشقجي في قنصلية بلاده في إسطنبول مطلع أكتوبر/تشرين الأول عام 2018، والذي خلص إلى نتيجة مفادها أنَّ ولي العهد السعودي “وافق” على قتل المعارض السعودي والصحفي في The Washington Post جمال خاشقجي وتقطيع جثمانه أشلاء، على عكس قرار إدارة سلفه دونالد ترامب بعدم نشر التقرير، رغم صدور قرار من الكونغرس يطالب بنشره.
ورغم ذلك لم يتعرض ولي العهد للعقوبات الأمريكية، ولم يتم إدراجه في قائمة السعوديين الـ76 الذين فُرِضَت عليهم عقوبات بموجب “حظر خاشقجي” الجديد الذي كشف عنه وزير الخارجية، أنتوني بلينكين، والذي يفرض قيوداً على التأشيرات الممنوحة للأجانب “الذين ينفذون أنشطة خطيرة مناهضة للمعارضة خارج الحدود الإقليمية، سواء قمع الصحفيين أو النشطاء أو غيرهم من الأشخاص الذين يُعتقَد أنهم منشقون بسبب عملهم، أو مضايقتهم، أو مراقبتهم أو تهديدهم أو إيذائهم”.
الامتناع عن معاقبة ولي العهد
وبات واضحاً منذ نشر التقرير الجمعة 26 فبراير/شباط، أن إدارة بايدن لن تتخذ عقوبات بحق ولي العهد السعودي، وهو ما أثار انتقادات عنيفة من جانب المدافعين عن حقوق الإنسان داخل الولايات المتحدة ومن داخل الجناح الأكثر ليبرالية داخل الحزب الديمقراطي نفسه، إضافة إلى المحققة الأممية أنييس كالامار.
كالامار، المحققة بالأمم المتحدة في مجال حقوق الإنسان، والتي تقود تحقيقاً في جريمة اغتيال خاشقجي، قالت في مؤتمر صحفي في جنيف، الإثنين 1 مارس/آذار: “إنها إشكالية كبيرة من وجهة نظري، بل خطيرة، أن تقر بمسؤولية شخص ثم تقول لهذا الشخص: (لكننا لن نفعل شيئاً، تفضّل وامضِ قدماً، كأننا لم نقل شيئاً)!”، متهمةً بايدن بغضّ الطرف عن إدانة ولي العهد السعودي.
وأضافت كالامار: “هذا بالنسبة لي تحرُّك خطير للغاية من جانب الولايات المتحدة”. وكررت دعوتها، يوم الجمعة، إلى فرض عقوبات تستهدف أصول الأمير محمد، الحاكم الفعلي للمملكة.
ولم تكن كالامار وحدها التي وجهت انتقادات من هذا المنطلق لإدارة بايدن، إذ عبر السيناتور الديمقراطي تيم كين، عضو بارز في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس الشيوخ، عن نفس الرأي بقوله: “أعتقد أننا نحتاج للتعمق أكثر بشأن ما يجب علينا فعله لمعاقبة السعودية على جريمة قتل خاشقجي”، بحسب تقرير لمجلة Politico الأمريكية.
وكان كين أكثر وضوحاً عندما أضاف أنه “غير راض” عن عدم وجود ولي العهد السعودي ضمن قائمة العملاء السعوديين الذين فرضت عليهم إدارة بايدن عقوبات في أعقاب نشر التقرير.
والمعروف عن بايدن، الذي شغل منصب رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ لعقود، أنه يولي اهتماماً كبيرا للسياسة الخارجية الأمريكية، لكن امتناعه عن فرض عقوبات على ولي عهد السعودية يضع الرئيس في مرمى نيران نواب الكونغرس، ليس الجمهوريين هذه المرة، ولكن الديمقراطيين من داخل حزبه، بحسب تقرير المجلة الأمريكية.
وقال السيناتور رون وايدين (ديمقراطي)، إن “ولي العهد مسؤول عن اغتيال جمال خاشقجي ولو لم ينتج عن ذلك أي تداعيات بحقه، فهذا بمثابة دعوة مفتوحة لاستهداف الصحفيين بشكل عام”. ووايدين هو السيناتور الذي قدم مشروع القانون الذي طالب بنشر التقرير الاستخباراتي، وهو أيضاً يمارس ضغوطاً الآن على إفريل هينز، مديرة المخابرات الوطنية في إدارة بايدن كي ترفع السرية عن مزيد من المستندات الخاصة بعملية قتل خاشقجي، رغم أنه لم يقدم تفاصيل إضافية لمجلة Politico.
وهناك كثير من المشرعين الديمقراطيين غير راضين عن التناقض الواضح بين إقدام إدارة بايدن على نشر التقرير الاستخباراتي من ناحية وبين امتناع الإدارة عن معاقبة ولي العهد من ناحية أخرى، ويطالب البعض منهم الإدارة بوقف التعامل مع ولي العهد نهائياً، حتى تظهر المملكة تحسناً في سلوكياتها المتعلقة بحقوق الإنسان.
والموقف الذي تواجهه إدارة بايدن منذ نشر التقرير لا يعتبر مفاجئاً، إذ تحدث كثير من المحللين قبل نشره عن أن هذا القرار يمثل في حد ذاته مأزقاً، ليس فقط لولي العهد، ولكن أيضاً للإدارة الأمريكية، بسبب العلاقات الاستراتيجية التي تربط الرياض وواشنطن منذ عقود، والتعقيد المرتبط بفرض عقوبات بحق ولي العهد والحاكم الفعلي للمملكة وملكها المستقبلي.
التلويح بعقوبات مستقبلية على ولي العهد
في هذا السياق يقرأ بعض المحللين إعلان البيت الأبيض، مساء الإثنين 1 مارس/آذار، بأن الولايات المتحدة تحتفظ بحقها في فرض عقوبات على ولي العهد في المستقبل، على خلفية مقتل الصحفي جمال خاشقجي.
الإعلان جاء في مؤتمر صحفي للمتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي، التي قالت للصحفيين إن تقرير الاستخبارات الأمريكية عن مقتل خاشقجي “لم يحمل أي معلومات جديدة”، و”قمنا باتخاذ العديد من الخطوات التي نعتبرها صحيحة” فيما يخص قضية خاشقجي.
وأضافت: “تاريخياً لم تفرض الولايات المتحدة عقوبات على زعماء دول أخرى (..) ونحتفظ بحقنا في فرض عقوبات على ولي العهد السعودي في المستقبل”، وتابعت: هدفنا ضبط العلاقات مع السعودية وعدم تكرار ما حدث. نؤمن بأن استهداف الشبكة المسؤولة عن مقتل جمال خاشقجي بالعقوبات هو أفضل وسيلة لتفادي تكرار مثل تلك الأعمال”.
وبالتزامن مع ما قالته بساكي، أعلن نيد برايس المتحدث باسم الخارجية الأمريكية أن الوزارة فرضت عقوبات على شخصية رفيعة أخرى في الاستخبارات السعودية مرتبطة بمقتل خاشقجي، مضيفاً: “لن نعتذر على التزام الشفافية بشأن قضية خاشقجي (…)، ونحاول الوصول إلى جوهر النظام الذي قتل خاشقجي”.
ورفضت الخارجية الأمريكية كشف أسماء الذين شملتهم قائمة المسؤولين السعوديين المدرجين تحت قانون “حظر خاشقجي”، مؤكدة أنها لن تفصح عن الأسماء التي شملتها القائمة، أو تلك التي ستضاف إليها لاحقاً، وقال برايس عند سؤاله عما إذا كانت قد شملت قائمة الحظر ولي العهد محمد بن سلمان: “لن نعلن عن الأسماء التي شملها “حظر خاشقجي” أو الأسماء التي سنضيفها إليها”، وأضاف: “لكن لا زيارة مجدولة لولي العهد إلى واشنطن حسبما أعلم”.
وأعاد برايس التأكيد على أن إدارة بايدن تحبذ فكرة إعادة تقييم العلاقة مع السعودية على فرض العقوبات، وذلك لأن الخطوة تمكنها من التأثير بشكل أكبر على الحكومة السعودية، وتابع أن واشنطن تسعى للوصول إلى جوهر المنظومة التي قتلت خاشقجي.
ويرى بعض المحللين الأمريكيين أن التلويح بإمكانية فرض عقوبات “مستقبلية” على ولي العهد السعودي على الأرجح غرضه امتصاص حدة الانتقادات الموجهة للإدارة من جانب المشرعين الديمقراطيين في هذا التوقيت الحساس، في ظل رغبة الإدارة في تمرير حزمة التحفيز الاقتصادي الخاصة بوباء كورونا من جانب مجgس الشيوخ، بعد تمريرها في مجلس النواب رغم اعتراض النواب الجمهوريين وهو الموقف المتوقع أيضاً في مجلس الشيوخ المنقسم بين الحزبين.
كانت السعودية، من جانبها، قد أعلنت من خلال بيان لوزارة الخارجية الجمعة، رفضها “القاطع” لما ورد في التقرير الأمريكي الخاص بقتل خاشقجي من “استنتاجات مسيئة وغير صحيحة عن قيادة المملكة”.
عربي بوست