السياسية:

رمى رئيس الحكومة الليبية المكلف عبد الحميد الدبيبة الكرة في مرمى مجلس النواب، بعد أن سلم تشكيلة حكومته للبرلمان في الآجال المحددة، ليشتعل نقاش آخر حول أين سيُعقد اجتماع مجلس النواب المنقسم بين طرابلس وطبرق لمنح الثقة للحكومة؟

لم يحسم النواب بعد أين سيعقدون اجتماعهم المقبل سواء في مدينة غدامس (600 كلم جنوب غرب طرابلس) أو صبراتة (70 كلم غرب طرابلس) أو سرت (450 كلم شرق طرابلس) أو طبرق (1265 كلم شرق طرابلس).

وهذا الخلاف حول مكان انعقاد البرلمان لا يتعلق بمنح الثقة لحكومة الوحدة الوطنية، بقدر ما يرتبط برهان آخر لا يقل أهمية ومصيرية.

قل لي أين سيعقد الاجتماع أقل لك هل سيطاح بعقيلة أم لا؟

فانعقاد البرلمان بشقيه طرابلس وطبرق، يعني إنهاء الانقسام، ولتحقيق ذلك لا بد من انتخاب قيادة جديدة لمجلس النواب.

فالنواب المطالِبون بعقد اجتماع في غدامس، غالبيتهم يسعى لانتخاب قيادة جديدة للبرلمان خلفاً لعقيلة صالح، رئيس مجلس نواب طبرق، الذي يتهمونه بالتسبب في انقسامه، وهجرة غالبية النواب إلى طرابلس.

وهذا ما تجلى في اجتماع صبراتة، الذي حضره 97 نائباً من إجمالي 174 ما زالوا على قيد الحياة ولم يستقيلوا، لكن الاجتماع فشل في تغيير اللائحة الداخلية وانتخاب رئيس برلمان جديد، بسبب الانقسام حول أولوية منح الثقة للحكومة أو تغيير عقيلة صالح.

وبالتزامن مع هذا الاجتماع، عقد عقيلة اجتماعاً آخر بطبرق حضره 20 نائباً فقط، بهدف إحباط أي محاولة لعزله من منصبه.

وتم الاتفاق على عقد اجتماع آخر في سرت، الخاضعة لسيطرة ميليشيات خليفة حفتر، ومرتزقة شركة فاغنر الروسية، بعد التواصل مع لجنة (5+5) العسكرية المشتركة، وإن تعذر الأمر تكون الجلسة بصبراتة.

لكن رد لجنة 5+5 العسكرية كان مخيباً للآمال، حيث اعترف أعضاؤها بأنهم غير قادرين على تأمين جلسة لمجلس النواب.

غير أن الاجتماع الثاني للنواب عقد في طرابلس وليس في صبراتة، كما تم الاتفاق عليه سابقاً دون أسباب واضحة.

وحضر إلى طرابلس 140 نائباً، لكن 40 نائباً فقط شاركوا في الاجتماع، ما يعكس حجم الخلافات بين النواب، وأيضاً رغبة في التأثير على تشكيلة حكومة الدبيبة، الذي قال إنه استلم 3 آلاف سيرة ذاتية.

واقترح اجتماع طرابلس أن تنعقد جلسة مجلس النواب المقبل في غدامس وليس في سرت ولا صبراتة.

ولوّح حينها الدبيبة بأنه قد يلجأ إلى ملتقى الحوار لاعتماد حكومته إذا فشل مجلس النواب في اعتمادها، خاصة في ظل ما تردد في الكواليس عن ضغوطات يمارسها بعض النواب على الدبيبة لتعيين أشخاص بعينهم في الحكومة.

لكن الدبيبة عاد الخميس الماضي ليعلن، في ندوة صحفية، ثقته بأن النواب سيعتمدون حكومته التي سلمها لرئاسة البرلمان في نفس اليوم.

حيث وقع 84 نائباً بياناً يؤكدون فيه أنهم يدعمون الدبيبة “بلا شروط”، وهذا العدد لا ينقصه سوى 3 نواب لعقد جلسة مكتملة النصاب، ويكفيه حينها 44 نائباً (50%+1 من الحاضرين) لاعتماد الحكومة.

فمشكلة حكومة الدبيبة ليست في عدد النواب الذين يدعمونه، ولكن أين يمكن للنواب أن يجتمعوا في جلسة مكتملة النصاب؟

ضغوط على عقيلة صالح

ورغم أن عقيلة لا يمانع (علناً على الأقل) في اعتماد حكومة الدبيبة، فإنه يقاتل من أجل بقائه على رأس البرلمان، خاصة بعدما خسر رئاسة المجلس الرئاسي.

ويطالب عدد من النواب بأن تعود رئاسة البرلمان إلى أحد نواب الجنوب، ما دام رئيس المجلس الرئاسي من الشرق ورئيس الحكومة من الغرب، وهذا ما يتوافق مع مبادرة عقيلة التي تدعو إلى تقسيم المناصب على أساس الأقاليم الثلاثة.

لكن عقيلة رفض فكرة التنازل عن رئاسة البرلمان، رغم أنه لا يحظى بتأييد سوى عدد قليل من النواب، مبرراً ذلك بأن استقالته “ستؤثر على وحدة ليبيا”.

وهذه المماطلات والمناورات دفعت السفير الأمريكي لدى ليبيا ريتشارد نورلاند، للقاء عقيلة، والضغط عليه لتسهيل اجتماع مجلس النواب واعتماد حكومة الوحدة الوطنية، حتى لا يؤثر تأخير هذه الخطوة على موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة في 24 ديسمبر/كانون الأول المقبل.

وطبقاً لما تم التوافق بشأنه في ملتقى الحوار السياسي، فإن مجلس النواب ملزم باعتماد حكومة الوحدة الوطنية خلال 21 يوماً من استلامها أسماء التشكيلة.

وفي 25 فبراير/شباط المنصرم، أعلن الدبيبة تسليمه تشكيلة الحكومة لمجلس النواب في الآجال الممنوحة له (21 يوماً من اختيار ملتقى الحوار لرئيس الحكومة)، أي أن آخر أجل للبرلمان لاعتمادها هو 17 مارس/آذار الجاري.

وحتى يقطع عقيلة الطريق أمام محاولات عقد جلسة لمجلس النواب بغدامس بما يفوق 120 نائباً، كما جاء في اجتماع طرابلس، دعا رسمياً إلى عقد جلسة بسرت في 8 مارس الجاري، وإن تعذر الأمر تعقد في طبرق في نفس التاريخ.

لكن رئيس لجنة 5+5 العسكرية اللواء أحمد أبوشحمة، أكد في بيان موقع بختمه، في 27 فبراير، أنه لا يمكنهم تأمين جلسة البرلمان داخل سرت، بسبب استمرار تواجد مرتزقة فاغنر داخل المدينة، وعدم امتلاكهم قوة أمنية بالمدينة للدفاع عنهم ضد أي اعتداء.

وقال بوشحمة في البيان: “نفيدكم بأن الأجنبي (مرتزقة فاغنر والجنجويد) ما زال موجوداً، ولا نملك الولاية القانونية لتنفيذ مثل هذه الأعمال (تأمين جلسة النواب) ولا تتبعنا أي قوة على الأرض”.

لكن بعد يوم واحد صدر بيان ثانٍ من لجنة 5+5 العسكرية بختم مختلف وليس به أي توقيع، وجاء بقرار مغاير تماماً “التأكيد من كافة أعضاء اللجنة العسكرية 5+5 أن مكان الاجتماع في سرت آمن لانعقاد جلسة منح الثقة لحكومة الوحدة الوطنية”.

وبرر البيان الثاني سبب هذا القرار المناقض لبيان رئيس اللجنة العسكرية بأنه “نظراً للظرف العصيب الذي تمر به البلاد، ولإبعاد شبح الحرب والمحافظة على وحدة ترابها ومؤسساتها”.

ولم يرُّد البيان الأخير للجنة على تحفظات رئيسيها أبوشحمة بشأن استمرار تواجد المرتزقة بالمدينة، وافتقاد اللجنة الولاية القانونية، وعدم امتلاكها أي قوة أمنية.

كما أن مطار القرضابية بسرت خاضع لسيطرة مرتزقة فاغنر، ولا يمكن للنواب النزول فيه، وسيضطرون على غرار ضباط المنطقة الغربية في لجنة 5+5 العسكرية، النزول في مطار السدرة النفطي والتنقل براً إلى سرت على مسافة تقدر بنحو 150 كلم.

وهذا يعني شيئاً واحداً أن اجتماع مجلس النواب سيعقد في سرت تحت تأمين ميليشيات حفتر ومرتزقة فاغنر، وأن القرار سياسي بحت، ولا توجد ضمانات حقيقية لاستقلالية النواب وأمنهم.

ومن المرتقب اعتماد حكومة الوحدة الوطنية، لكن من المستبعد جداً انتخاب رئيس جديد للبرلمان في مثل هذه الظروف. 

فحسب خطة عقيلة، فإن النواب إما أن يجتمعوا في سرت أو في طبرق، والخيار الأخير مرفوض لدى أغلبهم، وقد تكون سرت أقل الضررين، لكن في كلا الحالتين يكون عقيلة أفشل خطط خصومه في الإطاحة به.

ضرورة استكمال النصاب

إذ إن اجتماع النواب الأخير في طرابلس شدد على أهمية اجتماع أكثر من 120 نائباً في غدامس، رغم أن حضور 87 نائباً فقط يكفي لتكون هذه الجلسة قانونية، بحسب النائب أبو بكر بعيرة.

لكن الهدف من حضور 120 نائباً (أغلبية الثلثين) يهدف بالأساس إلى توفير النصاب القانوني للإطاحة بعقيلة.

لذلك فأمام النواب خياران: إما الذهاب إلى سرت ومنح الثقة للحكومة، وضمنياً لعقيلة صالح، أو الاجتماع في غدامس، وقد يفتح ذلك مزيداً من الانقسام وربما يطرح إشكالات قانونية مع أنصار عقيلة، ويعطل اعتماد الحكومة.

فتمسك عقيلة بمنصب رئيس مجلس نواب طبرق من شأنه تكريس الانقسام ليس في البرلمان فقط، بل في البلاد، خاصة أنه ربط ذلك “بوحدة البلاد”، وكأنه يهدد بتقسيمها إن حُرم من هذا المنصب.

لكن كثيراً من النواب خاصة من الغرب الليبي يرفضون بشكل مطلق بقاء عقيلة على رأس مجلس النواب، باعتباره أحد رموز هذه الأزمة، واستمراره يعني تكرار نفس الأخطاء التي ارتكبت منذ 2016، عندما عرقل اعتماد حكومة الوفاق.

وحتى وإن تأجل انتخاب رئيس جديد للبرلمان في اجتماع سرت بسبب ضرورة اعتماد الحكومة في الآجال المحددة، فليس من المستبعد أن يقوم النواب خلال الجولات المقبلة بمحاولات أخرى للخروج من عباءة عقيلة.

عدم حل أزمة انقسام مجلس النواب سيؤثر على المسار السياسي برمته، حتى ولو آلت الأمور إلى الملتقى السياسي لاعتماد الحكومة؛ لأن ملفات أخرى متعلقة بالانتخابات ما زالت خيوطها مرتبطة بالبرلمان.

عربي بوست