السياسية:

مر عام على توقيع اتفاق الدوحة بين أمريكا وحركة طالبان بشأن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، بعد نحو عقدين من الحرب التي تحولت إلى كابوس لواشنطن، فهل تلتزم به إدارة جو بايدن؟

زلماي خليل زادة الممثل الأمريكي لأفغانستان الذي قاد المفاوضات يظهر في الصورة مع رئيس وفد طالبان/رويترز

كانت الإدارة الأمريكية السابقة برئاسة دونالد ترامب قد توصلت لاتفاق تم الإعلان عنه يوم 29 فبراير/شباط 2020، في العاصمة القطرية الدوحة، مع ممثلين عن حركة طالبان وممثلين للحكومة الأفغانية، يقضي بانسحاب القوات الأمريكية وحلفائها من البلاد نهاية أبريل/نيسان 2021، أي بعد شهرين من اليوم.

وتزامناً مع الذكرى السنوية للاتفاق، أعلنت حركة طالبان التزامها بتنفيذ كافة بنود اتفاق الدوحة، مؤكدة في بيان لها أن أي محاولة للبحث عن بديل للاتفاق ستؤدي إلى فشل جهود السلام.

بايدن قال إنه سيُراجع الاتفاق

البيان الصادر عن حركة طالبان يأتي رداً على تقارير أمريكية صادرة عن الإدارة الجديدة برئاسة جو بايدن، أنها بصدد مراجعة الاتفاق والبحث في خيارات بشأن تعديله، أو ربما التراجع عن الانسحاب بشكل كامل.

كانت الولايات المتحدة قد قامت بغزو أفغانستان، مطلع أكتوبر/تشرين الأول عام 2001، في أعقاب الهجمات الإجرامية التي وقعت في سبتمبر/أيلول من نفس العام على الأراضي الأمريكية، وأدت لمقتل نحو 3 آلاف أمريكي، وتبناها تنظيم القاعدة بزعامة أسامه بن لادن.

وكان بن لادن وباقي قيادات القاعدة موجودين في أفغانستان برئاسة حركة طالبان، وطالبت واشنطن بتسليمهم، لكن الحركة رفضت، فشنت أمريكا هجومها على أفغانستان في إطار “الحرب على الإرهاب” التي أطلقها الرئيس الأسبق جورج بوش الابن، وشهدت أيضاً غزو العراق، لتصبح الحرب في أفغانستان الحرب الأطول في تاريخ أمريكا.

ورغم أن حرب أمريكا على الإرهاب قد تسببت في تشريد عشرات الملايين حول العالم، ودمار دول كثيرة في إفريقيا وآسيا، فإن حرب أفغانستان بالتحديد تحولت إلى كابوس لواشنطن لا يبدو له مخرج مقبول، بحسب تقارير أمريكية.

وبدأت إدارة بايدن، الذي تسلم السلطة يوم 20 يناير/كانون الثاني، على الفور مراجعة اتفاق السلام الذي أبرمه ترامب، وقال متحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون”، أواخر يناير/كانون الثاني الماضي، إن طالبان لم تفِ بالتزاماتها، لكن واشنطن ظلت ملتزمة بالعملية، ولم تبت في مستويات القوات في المستقبل.

وأضاف ممثل عن وزارة الخارجية، أن بايدن ملتزم “بوضع نهاية تنبع من الإحساس بالمسؤولية للحروب التي لا تنتهي.. إلى جانب حماية الأمريكيين من الإرهابيين ومن التهديدات الأخرى”.

3 خيارات أمام بايدن أحلاها مر

وفي هذا السياق، نشرت وسائل إعلام أمريكية قبل أيام، أن فريق بايدن العسكري والأمني قد قدم له بالفعل 3 خيارات بشأن التعامل مع اتفاق السلام مع طالبان، الذي يقضي بإكمال الانسحاب الأمريكي قبل أول مايو/أيار المقبل.

الخيار الأول هو الالتزام ببنود الاتفاق الذي وقعه ترامب، وهو ما يعني سحب باقي القوات الأمريكية وقوامها 2500 عسكري من أفغانستان، بحلول أول مايو/أيار. والخيار الثاني هو الدخول في مفاوضات مع طالبان للسماح بمد مهلة بقاء القوات الأمريكية وباقي قوات التحالف لعدة أشهر أخرى. أما الخيار الثالث فهو التملص تماماً من الاتفاق الذي وقعه ترامب، ومواصلة العمليات العسكرية الأمريكية في أفغانستان، بحسب تقرير لموقع Vox الأمريكي.

وبحسب محللين أمريكيين ومسؤولين عسكريين وأمنيين حاليين وسابقين، استطلع التقرير آراءهم، “الخيارات الثلاثة سيئة ولها سلبياتها”، فالخيار الأول، أي الانسحاب في موعده يعني على الأرجح أن طالبان ستتغلب على الحكومة الأفغانية برئاسة أشرف غاني، المدعومة أمريكيا وتسيطر على البلاد.

أما الخيار الثاني، أي التفاوض بغرض البقاء فترة أطول في أفغانستان، فسوف يقضي على أي رصيد دبلوماسي لواشنطن مع حركة طالبان، وهو ما يعرض القوات الأمريكية في البلاد لخطر التعرض لهجمات الحركة، والتي تم إيقافها منذ التوصل لاتفاق السلام قبل عام.

ويتبقى الخيار الثالث، وهو التملص نهائياً من بنود الاتفاق الموقع مع ترامب، والبقاء عسكرياً في أفغانستان، وهو ما يعني بالتأكيد أن طالبان سوف تعاود حملتها لطرد القوات الأمريكية من البلاد، وتعود الأمور إلى نقطة الصفر مرة أخرى.

استبعاد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان

وقال أسفانديار مير، خبير في الحرب الأفغانية في جامعة ستانفورد للموقع الأمريكي، إن “الخيارات الثلاثة سيئة”، بينما قال مسؤولون في إدارة بايدن دون كشف هويتهم، إن بايدن سوف يقرر “قريباً جداً” أي خيار من الثلاثة سوف يعتمده.

“لا أعرف أي طريق سوف يسلكه الرئيس”، بحسب أحد المسؤولين، مضيفاً أن “الخيار الأول على الأرجح مستبعد تماماً”، في إشارة إلى إكمال الانسحاب قبل مطلع مايو/أيار، بحسب اتفاق الدوحة.

وكانت رويترز قد نقلت أواخر يناير/كانون الأول الماضي، عن أحد المسؤولين في إدارة بايدن قوله: “لن يكون هناك انسحاب كامل للحلفاء بحلول نهاية أبريل/نيسان”، مضيفاً: “لم يتم الوفاء بالشروط، وفي وجود الإدارة الأمريكية الجديدة ستكون هناك تعديلات في السياسة، ستجري معالجة الميل للانسحاب المتسرع الذي كان سائداً، ويمكن أن نشهد استراتيجية خروج محسوبة بدرجة أكبر”.

وكانت محادثات السلام بين الحكومة الأفغانية وحركة طالبان قد بدأت في سبتمبر/أيلول الماضي في الدوحة، تنفيذاً لبنود الاتفاق الموقع مع الإدارة الأمريكية السابقة.

لكن أوانا لونجيسكو، المتحدثة باسم التحالف الدولي في أفغانستان، كانت قد قالت سابقاً: “لا يريد أي من أعضاء الحلف البقاء في أفغانستان لفترة أطول مما يلزم، لكننا أوضحنا من قبل أن وجودنا مرتبط بشروط.. الحلفاء ما زالوا يبحثون الوضع بشكل عام ويتشاورون بشأن المضي قدماً”. وأضافت أن “الحلف لم يتخذ أي قرار، مردفة أنه لا يمكن استباق اجتماع وزراء دفاع الدول أعضاء الحلف، في فبراير/شباط المقبل”.

لكن بيان حركة طالبان اليوم الأحد، 28 فبراير/شباط، أكد أن أي محاولة للبحث عن بديل للاتفاق ستؤدي إلى فشل جهود تحقيق السلام في أفغانستان.

وفي السياق نفسه أشارت التصريحات الأخيرة لوزير الدفاع الأمريكي لويد أوستين إلى استبعاد خيار تنفيذ الانسحاب في موعده، ولفت ملخص نشره البنتاغون، الخميس الماضي، عن تعليقات أوستين خلال اجتماع لوزراء دفاع حلف الناتو “طمأن فيه الحلفاء أن الولايات المتحدة لن تنفذ أي انسحاب متسرع من أفغانستان”.

وفي ضوء الأوضاع الحالية على الأرض وسيطرة طالبان على مناطق أوسع من تلك التي كانت تسيطر عليها وقت الغزو الأمريكي عام 2001، وفشل عشرات الآلاف من القوات الأمريكية في الانتصار على الحركة طوال السنوات الماضية، يتوقع المراقبون أن تدخل إدارة بايدن في مفاوضات مع طالبان بهدف تمديد بقاء القوات الأمريكية من خلال اتفاق جديد.

عربي بوست