ماذا سيحدث إذا نشبت حرب بين الصين والهند؟ إليك نقاط القوة والضعف لكلا البلدين
السياسية:
يبدو احتمال الحرب بين الصين والهند مستبعداً بالنظر إلى دولتين تمتلكان أسلحة نووية، والتاريخ يقول إن الأسلحة النووية مانعة للحرب، ولكن تطورات الصراع الأخير بينهما تثبت أنه لا شيء مضمون في العلاقات الدولية، فمن ينتصر إذا نشبت حرب بين البلدين العملاقين.
وستكون الحرب بين الصين والهند واحدة من أكبر الصراعات وأكثرها تدميراً في آسيا، لأن نشوب حرب بين هاتين القوتين الكبيرتين من شأنه أن يهز منطقة المحيطين الهندي والهادئ، ويسقط آلاف الضحايا إن لم يكن ملايين من كلا الجانبين ويؤثر بشكل كبير على الاقتصاد العالمي.
تلعب الجغرافيا والديموغرافيا دوراً فريداً، مما يحد من نطاق الحرب بين الصين والهند وفي النهاية شروط النصر، حسب تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية.
ماذا يقول التاريخ عن الحروب بين البلدين؟
إضافة إلى حرب عام 1962 التي انتهت بانتصار الصين التي نالت جراء هذه الحرب مكاسب حدودية محدودة، فلقد اشتبك البلدان على طول حدودهما عدة مرات، بما في ذلك حادثة واحدة على التبت في عام 1967 وأخرى عام 1987 في أروناتشال، وكانت هناك أيضاً حوادث أصغر في عامي 2013 و2014 في لاداخ، حيث قامت الهند منذ ذلك الحين بنشر قوات من المشاة والدبابات والاحتياطيات في المنطقة للاستعداد لأي هجوم محتمل من الصين، حسب ما ورد في تقرير لموقع We’re The Mighty.
تعد الصين والهند الآن قوتين اقتصاديتين، حيث تحتلان المرتبة الثانية والسابعة في ترتيب الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
عسكرياً تحتل الهند المرتبة الرابعة في تصنيف GlobalFirepower ولديها أكبر جيش متطوع دائم يبلغ عدده 1.13 مليون جندي مع 2.1 مليون في الاحتياط، بينما القوات المسلحة الصينية لديها 2.3 مليون جندي نشط مع 2.3 مليون آخرين في الاحتياط، يمثلون أكبر جيش في العالم.
تتفوق الصين على الهند في مستوى التكنولوجيا، ولكن ليس بفارق كبير، ويمتلك الصينيون أيضاً نسخاً من طائرات محلية شبحية هي J 20 ولكن يعتقد أنها لم تدخل الخدمة بكثافة، بينما لا تمتلك نيودلهي طائرات شبحية.
يتقارب مستوى البحرية الهندية مع الصينية، فلدى كل منهما حاملة طائرات عاملة، ولكن الصين قد يكون لديها المزيد في وقت أقرب (علماً بأنها محلية الصنع بينما الهند مستوردة من روسيا)، لكن الصين لا تزال تتفوق على الهند في القدرات التكنولوجية بشكل بسيط في المجال البحري، والصين لديها أيضاً ضعف عدد السفن الحربية الهندية.
كما أن الصين تتفوق على سلاح الدبابات والغواصات الهندي، كما وكيفاً.
أين ستقع الحرب بين الصين والهند؟
سياسات “عدم الاستخدام الأول” لكلا البلدين فيما يتعلق بالأسلحة النووية تجعل اندلاع الحرب النووية أمراً مستبعداً للغاية. كلا البلدين لديهما عدد كبير من السكان، يزيد كل منهما عن 1.3 مليار نسمة.
تتجاور الهند والصين في موقعين، شمال الهند /غرب الصين وشرق الهند /جنوب الصين، مع وجود نزاعات إقليمية في كلتا المنطقتين. هاجمت الصين الجبهتين في أكتوبر/تشرين الأول 1962، وبدأت حرباً استمرت شهراً أسفرت عن مكاسب صينية طفيفة على الأرض.
مثل كل الحروب الحديثة، فإن الحرب بين الصين والهند ستدور في البر والبحر والجو؛ ستحد الجغرافيا من نطاق الصراع البري، في حين أن الصراع الجوي الذي يدور بالطائرات والصواريخ، من شأنه أن يلحق أكبر قدر من الضرر بكلا البلدين.
بكين تتفوق بالصواريخ، ولكن لماذا تمثل الطائرات ميزة لنيودلهي؟
إن الحرب بين الصين والهند على عكس حرب عام 1962، ستنطوي على معارك جوية كبيرة، حيث يحتفظ كلا البلدين بقوات جوية تكتيكية كبيرة قادرة على القيام بمهام جوية فوق المنطقة.
على الأرجح، ستطير وحدات القوات الجوية الصينية في منطقة لانتشو العسكرية ضد البنجاب وهيمشال براديش وأوتاراخاند بشمال وشرق الهند، ومن منطقة تشنغدو العسكرية الصينية الواسعة ضد أروناتشال براديش الهندية.
يعني عدم وجود قواعد أمامية في منطقة شينجيانغ الصينية أن منطقة لانتشو العسكرية ربما لا يمكنها إلا أن تدعم حملة جوية محدودة ضد شمال الهند.
منطقة تشنغدو العسكرية هي موطن لمقاتلات J-11A وJ-10 الصينية المتقدمة ولكن هناك عدد قليل نسبياً من المطارات العسكرية في التبت الصينية في أي مكان بالقرب من الهند.
ومع ذلك لا تحتاج الصين بالضرورة إلى طائرات تكتيكية لإلحاق أضرار جسيمة بالهند. يمكن للصين أن تستكمل قوتها النارية بصواريخ باليستية سواء من الصواريخ الباليستية النووية والتقليدية وذات الاستخدام المزدوج (النووي والتقليدي)، ويمكن تصور إطلاق ما يصل إلى ألفي صاروخ باليستي قصير ومتوسط المدى من طرازات DF-11 وDF-15 وDF-21 على مواقع بالهند.
ويمكن استخدام هذه الصواريخ لتدمير أهداف استراتيجية هندية على الأرض، على حساب جعلها غير متاحة للطوارئ في بحر الصين الجنوبي والشرقي (حيث يوجد احتمال المواجهة مع تايوان والولايات المتحدة).
وفي الوقت نفسه، فإن القوات الجوية الهندية في وضع أفضل من نظيراتها الصينية.
والسبب أن الحرب ستدور على حدود الصين في منطقة نائية، الوجود العسكري والصيني فيها محدود، في المقابل فإن نيودلهي على بعد 213 ميلاً فقط من حدود منطقة التبت الصينية، ولذا فإن الأسطول الجوي الهندي المكون من 230 طائرة من طراز Su-30Mk1 Flankers، وطائرات MiG-29 وحتى طراز Mirage 2000 قادر على المنافسة مع أفضل من معظم الطائرات الصينية، على الأقل حتى يتم تشغيل مقاتلات J-20 الشبحية الصينية بشكل كثيف.
تمتلك الصين عدداً قليلاً جداً من المطارات في المنطقة، مما سيحد من قدرتها على توفير غطاء جوي، بينما تحتفظ القوات الجوية الهندية بأصول كبيرة في المنطقة، حسب موقع We’re The Mighty.
ومن المحتمل أن يكون لدى الهند ما يكفي من الطائرات للتعامل مع حرب على جبهتين، في مواجهة القوات الجوية الباكستانية والصينية في نفس الوقت.
ستعمل الهند أيضاً على نشر نظام صواريخ دفاع جوي متوسط المدى من Akash لحماية القواعد الجوية والأهداف الأخرى عالية القيمة.
ولكن قرب المناطق الهندية الكثيفة السكان للحدود الصينية يعني أيضاً احتمال تعرضها للتدمير من قبل بكين.
في حين أن الهند قد تكون واثقة بشكل معقول من امتلاكها قوة جوية تردع الحرب، على الأقل في المدى القريب، إلا أنها لا تملك أي وسيلة لوقف هجوم بالصواريخ الباليستية الصينية، إذ يمكن لوحدات الصواريخ الصينية، التي تطلق من شينجيانغ والتبت، إصابة أهداف عبر النصف الشمالي من الهند دون عقاب.
لا تمتلك الهند دفاعات صاروخية باليستية ولا تمتلك الأصول الجوية والفضائية المشتركة اللازمة لتعقب قاذفات الصواريخ وتدميرها، حيث إن صواريخ الهند الباليستية مكرسة للمهمة النووية ولن تكون متاحة للحرب التقليدية.
ماذا سيحدث في الحرب البرية؟
قد تبدو الحرب على الأرض بين الجيشين الهندي والصيني في المناطق الحدودية التي يدور فيها النزاع للوهلة الأولى وكأنها المرحلة الأكثر حسماً في الحرب، لكنها في الواقع عكس ذلك تماماً.
تقع كل من المسارح الغربية والشرقية في مواقع وعرة مع القليل من البنية التحتية للنقل، مما يجعل من الصعب إرسال جيش ميكانيكي عبرها. يمكن وقف الهجمات الجماعية بسهولة بالمدفعية، حيث يتم توجيه القوات المهاجمة عبر الوديان والممرات الجبلية المعروفة.
على الرغم من الحجم الهائل لكلا الجيشين فإن القتال على الأرض في الحرب بين الصين والهند من المحتمل أن يؤدي إلى حالة من الجمود مع خسارة أو مكاسب قليلة.
قد يكون لدى الصين القوة البشرية لجعل السيطرة على المقاطعات المتنازع عليها ممكنة، ولكن هناك ميزة لصالح الهند وهي أن قواتها تتمتع بخبرة قتالية (خاصة في المناطق المرتفعة) حيث حارب الجيش الهندي لعقود باكستان، ومجموعة من حركات التمرد منذ عقود، وانتهت حرب الهند الأخيرة في عام 1999، ومنذ ذلك الحين استخدمت قوات كبيرة شبه عسكرية وقوات خاصة في العديد من العمليات.
بينما لم يشهد الصينيون قتالاً حقيقياً منذ حرب 1979 في حربهم الأخيرة مع فيتنام، التي دامت أربعة أسابيع فقط، وبعدها أعلن كل طرف النصر من جانبه، مع انسحاب الصين من الأراضي الفيتنامية.
سيتم خوض هذه الحرب بين الصين والهند في المناطق الحدودية الجبلية بمشاة خفيفة وقوات جبلية وآليات خفيفة. تتمتع الصين بميزة من حيث العدد، لكن الهند لديها جنود مخضرمون ذوو خبرة، وحتى الطائرات ستواجه صعوبة في القتال في هذه الجبال، لكن الجيش الهندي طور طائرات هليكوبتر هجومية متخصصة لهذا الغرض فقط هي: مروحيات HAL Druv وHAL Light Attack.
إن أي وقف للتقدم الصيني سيكون بمثابة فوز فعلي للهند. سيتعين على الصين الاستيلاء على الأراضي المتنازع عليها بالكامل والانتقال إلى الهند لتتمكن من إعلان النصر.
الفرصة الحقيقية الوحيدة للصين للتقدم في شبه القارة الهندية هي القيام بمناورة على غرار تنفيذ عملية إبرار، لكن هذا يتطلب المرور عبر قوة الغواصات الهندية.
المجال الذي قد تتفوق فيه الهند
ستكون الحرب في البحر الجبهة الحاسمة في الصراع بين البلدين.
والورقة الرابحة هي موقع الهند الفريد الذي يتيح لها فرصة الهيمنة على صراع بحري قد تكون له عواقب وخيمة على الاقتصاد الصيني، حسب تقرير مجلة The National Interest.
تكمن ميزة الهند في أنه على الرغم من تفوق الصين في مجال الملاحة التجارية، فإن ممرات الملاحة الصينية قريبة جداً من المياه الهندية. هذا من شأنه أن يجبر الصينيين على تحويل السفن المستخدمة في الحصار لحماية شحنهم. وهذا هو السبب في أن كلا البلدين يستثمران في تطوير الغواصات والتكنولوجيا المضادة للغواصات.
ومن المعروف أن الهند تقع على المحيط الهندي، الذي يعد شريان الحياة للصين، إذ يمكن للبحرية الهندية، بقوتها من الغواصات وحاملة الطائرات INS Vikramaditya والسفن السطحية أن تحد بسهولة من تدفق التجارة بين الصين وأوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا.
سيستغرق الأمر أسابيع من البحرية الصينية لتجميع وإبحار أسطول قادر على مواجهة هذا الحصار، حتى ذلك الحين سيكون من الصعب تفكيك الحصار، الذي تم فرضه على مساحة آلاف الأميال المربعة من المحيط الهندي.
وفي الوقت نفسه ستضطر مسارات الشحن من الصين وإليها إلى تحويل اتجاهاتها نحو غرب المحيط الهادئ، حيث ستكون هذه التحويلات عرضة للعمل البحري الأسترالي أو الياباني أو الأمريكي (إذا افترضنا أن هذه الدولة التي تناهض الصين سوف تتدخل).
يتم استيراد 87% من احتياجات البلاد البترولية للصين من الخارج، ولا سيما من الشرق الأوسط وإفريقيا.
يمكن لاحتياطيات الصين البترولية الاستراتيجية، بمجرد اكتمالها في وقت ما في عشرينيات القرن العشرين، تجنب نقص الوقود على مستوى البلاد لمدة تصل إلى سبعة وسبعين يوماً- ولكن بعد ذلك سيتعين على بكين أن تسعى إلى إنهاء الحرب مهما كان ذلك ممكناً.
أكبر ميزة للصين هي اقتصادها. إذا لم تتعرض لعقوبات نتيجة هذه الحرب المفترضة، فيمكن أن تستمر في حرب طويلة الأمد أطول بكثير من الهند.
في هذه الحالة فإن أفضل أمل للهند هو خنق الشحن الصيني باستخدام قوتها الضخمة من الغواصات.
قد تؤدي توترات الحرب والصدمة التي يتعرض لها الاقتصاد العالمي، والإجراءات الاقتصادية العقابية من جانب حلفاء الهند المحتملين- بما في ذلك اليابان والولايات المتحدة- إلى انخفاض الطلب على الصادرات الصينية، مع احتمال طرد ملايين العمال الصينيين من العمل.
يمكن أن تصبح الاضطرابات الداخلية التي تغذيها الاضطرابات الاقتصادية مشكلة رئيسية للحزب الشيوعي الصيني وسيطرته على البلاد.
لكن ستظل نقطة تفوق الصين إمكانية إطلاقها سيلاً من الصواريخ الباليستية برؤوس حربية شديدة الانفجار على نيودلهي والمدن الكبرى الأخرى.
ستكون الحرب بين الصين والهند شريرة ووحشية وقصيرة، وستكون لها عواقب بعيدة المدى على الاقتصاد العالمي. ويعني ميزان القوى والقيود الجغرافية أن الحرب بين الصين والهند لن تكون حاسمة على الأرجح.
يكاد يكون من المؤكد أن الطرفين قد توصلا إلى هذا الأمر، ولهذا السبب فإن الحرب بين الصين والهند لم تحدث في نصف القرن المنصرم، لا يسعنا إلا أن نأمل أن يبقى الأمر على هذا النحو.
عربي بوست