السياسية: متابعات : صادق سريع

قال الرئيس الأمريكي جو بايدن، اليوم ، إنه أبلغ العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز أنه “سيحاسب المسؤولين عن انتهاكات حقوق الإنسان”، وأن الولايات المتحدة ستعلن تغييرات كبيرة في العلاقات مع الرياض، الإثنين المقبل.

بايدن قال في مقابلة مع شبكة “يونيفيجن” التلفزيونية: “تحدثت مع الملك أمس (…) قلت له صراحة إن القواعد تتغير، وإننا سنعلن تغييرات كبيرة اليوم ، ويوم الإثنين سنحاسبهم على انتهاكات حقوق الإنسان”.

جاءت تصريحات بايدن بعد نشر واشنطن تقريراً للمخابرات الأمريكية، أمس الجمعة، ذكر أن ولي العهد السعودي، والحاكم الفعلي للمملكة الأمير محمد بن سلمان، وافق على عملية لاعتقال أو قتل الصحفي جمال خاشقجي في عام 2018، في قنصلية بلده بمدينة إسطنبول في تركيا. 

وفرضت الولايات المتحدة ضمن الإجراءات العقابية التي اتخذتها أمس الجمعة، حظر تأشيرات على بعض السعوديين الذين تعتقد تورطهم في قتل خاشقجي، وعقوبات على آخرين، منهم نائب رئيس المخابرات السابق اللواء أحمد العسيري، تقضي بتجميد أصولهم الأمريكية، ومنع الأمريكيين من التعامل معهم.

لكن العقوبات لم تشمل ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وقالت وكالة رويترز إن بايدن يحاول أن يوضح أن قتل الخصوم السياسيين غير مقبول لدى الولايات المتحدة، في حين يحافظ على العلاقات مع ولي العهد، الذي قد يحكم واحدة من أكبر الدول المصدرة للنفط في العالم لعقود، وقد يكون حليفاً مهماً ضد العدو المشترك إيران.

يأتي نشر التقرير الأمريكي عن مقتل خاشقجي بعدما رفض الرئيس السابق دونالد ترامب نشره، متحدياً قانوناً صدر عام 2019، وليعكس ذلك الاستعداد الأمريكي الجديد لتحدي المملكة في قضايا مثل حقوق الإنسان والحرب في اليمن.

غير أن بايدن يخطو بحذر للحفاظ على العلاقات مع المملكة، في إطار سعيه لإحياء الاتفاق النووي المبرم مع إيران، ومعالجة تحديات أخرى من بينها محاربة التطرف الإسلامي وتعزيز العلاقات العربية الإسرائيلية.

في هذا السياق، قال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، أمس الجمعة، إن الإجراءات التي اتَّخذتها واشنطن ضد مسؤولين سعوديين، على خلفية قضية مقتل خاشقجي، لا تهدف إلى إحداث “شرخ أو قطيعة” في العلاقات مع السعودية.

بلينكن أشار في مؤتمر صحفي إلى أنّ الإجراءات تهدف إلى “منع تصرفات مستقبلية مماثلة من جانب السعودية، بعد تقرير مقتل جمال خاشقجي”، وشدد على أنّ الولايات المتحدة “تود تغييراً وليس قطيعة مع السعودية”.

كذلك أشار بلينكن إلى التزام واشنطن بالدفاع عن أمن السعودية، لافتاً أن التقرير الاستخباراتي حول مقتل خاشقجي “يساهم في إعادة ضبط العلاقات مع المملكة”.

* واشنطن: محمد بن سلمان وافق على قتله

في السياق ، كشف تقرير استخباراتي أمريكي أن ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، وافق على قتل الصحفي جمال خاشقجي عام 2018.

ويقول التقرير الذي رفعت عنه السرية وأصدرته إدارة بايدن، إن الأمير وافق على خطة إما للقبض على أو قتل الصحفي السعودي الذي كان يعيش في الولايات المتحدة.

من جهتها رفضت الخارجية السعودية رفضا قاطعا ما ورد في التقرير من استنتاجات وصفتها بـ “المسيئة وغير الصحيحة” عن قيادة المملكة، معلنة عدم قبولها بأي حال من الأحوال.

وقالت وزارة الخارجية السعودية في بيان رسمي نشرته وكالة الأنياء السعودية الرسمية (واس) إن التقرير تضمن جملة من المعلومات والاستنتاجات الأخرى غير الصحيحة. رافضة أي أمر من شأنه المساس بقيادتها وسيادتها واستقلال قضائها.

وهذه هي المرة الأولى التي تسمي فيها أمريكا علنا ولي العهد الذي ينفي صلته بعملية القتل.

وقُتل خاشقجي أثناء زيارته للقنصلية السعودية في مدينة إسطنبول التركية.

وكان معروفا عنه انتقاده للسلطات السعودية.

* ماذا يقول التقرير؟

وجاء في التقرير الصادر عن مكتب مدير وكالة الاستخبارات الوطنية الأمريكية “ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وافق على عملية في إسطنبول بتركيا لاعتقال أو قتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي”.

* ويسرد التقرير ثلاثة أسباب للاعتقاد بأن ولي العهد هو من وافق على العملية:

سيطرته على صنع القرار في المملكة منذ عام 2017.المشاركة المباشرة لأحد مستشاريه وأفراد حراسته الشخصية في العملية.”دعمه لاستخدام العنف لإسكات المعارضين في الخارج”.

وأورد التقرير أسماء الأفراد الذين يُزعم أنهم متواطئون أو مسؤولون عن مقتل خاشقجي. لكنه يقول “لا نعرف إلى أي مدى مقدما” خطط المتورطون لإيذائه.

وألقت السلطات السعودية باللوم في القتل على “عملية مارقة” قام بها فريق من العملاء أرسل لإعادة الصحفي إلى المملكة، وقضت محكمة سعودية على خمسة أفراد بالسجن 20 عاما في سبتمبر/ أيلول الماضي، بعد أن حكمت عليهم في البداية بالإعدام.

وفي عام 2019 ، اتهمت المقررة الخاصة للأمم المتحدة، أغنيس كالامارد، السعودية بـ “القتل العمد مع سبق الإصرار” لخاشقجي، ورفضت المحاكمة السعودية باعتبارها “نقيضا للعدالة”.

* ماذا يعني ذلك بالنسبة للعلاقات الأمريكية السعودية؟

أكد الرئيس جو بايدن في اتصال هاتفي مع الملك سلمان على “الأهمية التي توليها الولايات المتحدة لحقوق الإنسان العالمية وسيادة القانون”.

ومنذ عام 2018، ورد أن وكالة الاستخبارات المركزية كانت تعتقد أن ولي العهد قد أمر بالقتل، لكن مزاعم تورطه لم يعلن عنها من قبل المسؤولين الأمريكيين حتى الآن.

ومن المتوقع أن يتخذ الرئيس الأمريكي جو بايدن خطاً أكثر حزما من سلفه دونالد ترامب بشأن حقوق الإنسان وسيادة القانون في المملكة العربية السعودية، الحليف الأمريكي الرئيسي في الشرق الأوسط.

وقال البيت الأبيض: في اتصال هاتفي الخميس مع الملك سلمان، أكد الرئيس جو بايدن على “الأهمية التي توليها الولايات المتحدة لحقوق الإنسان العالمية وسيادة القانون”.

* ردود خليجية
وفي اول رد خليجي ، أعربت الإمارات عن ثقتها بالقضاء السعودي ورفضها استغلال قضية مقتل الإعلامي السعودي جمال خاشقجي للتدخل بالشان الداخلي للمملكة، السبت، معبرة عن تأييدها للبيان السعودي الذي صدر ردا على تقرير الاستخبارات الأمريكية الذي قدر موافقة ولي العهد، محمد بن سلمان، على اعتقال أو قتل خاشقجي.

وقالت وزارة الخارجية والتعاون الدولي الإماراتية في بيانها إنها تؤيد البيان الصادر عن المملكة بخصوص “جريمة اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي”، وفقا لوكالة أنباء الإمارات (وام).

فيما عبرت الكويت رفضها المساس بسيادة السعودية بشكل قاطع ، وأعلنت تأييدها لبيان الخارجية السعودية ردا على تقرير الاستخبارات الأمريكية حول مقتل الإعلامي السعودي جمال خاشقجي.

وقالت الخارجية الكويتية في بيانها إن الكويت تؤيد البيان الصادر عن السعودية بشان التقرير الذي زودت به الاستخبارات الأمريكية الكونغرس حول “جريمة مقتل المواطن السعودي جمال خاشقجي”، وفقا للبيان الكويتي.

من جهته ، علق خلفان في سلسلة تغريدات على تقرير الاستخبارات الأمريكية قائلا: “قبل شهر كنت مع زميل قلت له اتوقع ان يقود بايدن حملة عنيفة ضد المملكة وبالذات محمد بن سلمان…وانا اعرف الاسباب لماذا ؟ ليس الامر بسبب خاشقجي ابدا”، حسب قوله.

وتابع المسؤول الأمني الإماراتي في تغريدة لاحقة: “مرتكبو جرائم ابي غريب يتباكون على مقتل خاشقجي…غريب !!”، في إشارة إلى ما يُعرف بأحداث سجن أبو غريب في العراق.

* كيف قتل خاشقجي؟

توجه الصحفي البالغ من العمر 59 عاما إلى قنصلية بلاده في إسطنبول في أكتوبر 2018 من أجل الحصول على أوراق تسمح له بالزواج من خطيبته التركية خديجة جنكيز.

وزُعم أنه تلقى تأكيدات من شقيق ولي العهد الأمير خالد بن سلمان، الذي كان سفيرا لبلاده لدى الولايات المتحدة في ذلك الوقت، بأنه سيكون من الآمن زيارة القنصلية. ونفى الأمير خالد وجود أي اتصال بالصحفي.

وبحسب الادعاء السعودي، فقد قيد خاشقجي بالقوة بعد مقاومته، وحُقن بكمية كبيرة من المخدر أدت إلى وفاته. وقال ممثلو الادعاء إن الجثة قطعت بعد ذلك وسلمت إلى “متعاون” محلي خارج القنصلية. ولم يعثر على بقايا الجثة لاحقا.

وكشف فيما بعد عن التفاصيل في نصوص التسجيلات الصوتية المزعومة لعملية القتل التي حصلت عليها المخابرات التركية.

عمل خاشقجي مستشارا للحكومة السعودية وكان مقربا من العائلة الحاكمة، لكن ذلك لم يدم طويلا حيث غادر إلى المنفى الاختياري في الولايات المتحدة عام 2017.

ومن هناك، كتب عمودا شهريا في صحيفة واشنطن بوست انتقد فيه سياسات ولي العهد.

* تحليل.. سؤال الساعة.. لماذا نشر بايدن “تقرير خاشقجي” إذا لم يكن ينوي معاقبة محمد بن سلمان؟

ذات يوم، قال زعيم الاتحاد السوفييتي السابق ستالين، إن موت إنسان واحد هو مأساة كبرى، وموت الملايين مجرد إحصائيات. اليوم عاد هذا المبدأ، الذي لطالما لازم المستبدين، ليطارد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

تقول صحيفة The Times البريطانية، إنه بات مألوفاً أن يبقى زعماء العالم الآخرون على كراسي السلطة رغم ارتكابهم جرائم قتل جماعي بحق الشعوب، سعياً وراء المجد في بعض الأحيان، أو إعلاءً لنوع من المثالية الثورية في أحيان أخرى، لكن ذلك لا يمنع أن تياراً من القشعريرة ينتاب السياسيين، لاسيما سياسيي الديمقراطيات الغربية، إذا طُلب منهم مصافحة رجل ملطخة يداه بجريمة قتل مروعة.

والأدهى من ذلك أنه ليس زعيم دولة مارقة، أو قائد دولة معادية للغرب مثل سوريا أو كوريا الشمالية، بل هو زعيم لدولة صديقة وشريك أمني ومشترٍ بارز للأسلحة الغربية.

منذ بداية حملته الانتخابية، قال جو بايدن إنه سيتجنب التعامل مع ولي العهد السعودي. وعندما أصبح رئيساً قال إن الولايات المتحدة لن تدعم السعودية في الحرب الجارية في اليمن، وهو جانب مهم من سياسات الأمير السعودي بوصفه وزيراً للدفاع.

ومع ذلك، فإن نشر تقرير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية مقتل الصحفي جمال خاشقجي، وهو القرار الذي رفض ترامب اتخاذه من قبل، يظل أحد أشد السهام الشخصية حدةً مما قد يوجَّه إلى ولي العهد السعودي البالغ من العمر 35 عاماً.

غير أن ما يأمله بايدن من هذا القرار يظل نتيجة غير واضحة بدرجة كبيرة حتى الآن. ربما يكون الأمر أنه يريد فقط التأكد من إجبار ولي العهد على التراجع خطوة إلى الوراء والبقاء في موقف المدافع عن نفسه، وأن يصبح أكثر انصياعاً تجاه السياسة الخارجية للولايات المتحدة في المنطقة، لاسيما ضمان موافقة السعودية إذا اقتضت الأمور وعادت الإدارة الأمريكية إلى الاتفاق النووي الإيراني.

وقررت إدارة بايدن، الجمعة 26 فبراير/شباط 2021، عدم معاقبة ولي العهد السعودي، في قضية اغتيال خاشقجي، رغم ما كشفه تقرير المخابرات الأمريكية بأن بن سلمان وافق على قتل خاشقجي، وأمر بذلك على الأرجح، وذلك وفقاً لما كشفته صحيفة “نيويورك تايمز”.

إذ أكد مسؤولون رفيعو المستوى في إدارة بايدن أن ثمن تلك الخطوة (معاقبة بن سلمان) باهظ للغاية، حسب الصحيفة الأمريكية، التي لفتت إلى أن هذا الأمر سيخيب آمال مجتمع حقوق الإنسان وأعضاء الحزب الديمقراطي الذين اشتكوا من المعاملة المفضلة لولي العهد السعودي خلال إدارة الرئيس الأمريكي السابق ترامب.

إلا أن مساعدي بايدن أشاروا إلى أنه من الناحية العملية لن تتم دعوة ولي العهد السعودي إلى زيارة الولايات المتحدة في أي وقت قريب. بينما هناك توافق داخل البيت الأبيض على أن ثمن الإضرار بالعلاقات مع السعودية -التي تُعتبر من أهم حلفاء واشنطن في المنطقة- سيكون عالياً للغاية فيما يتعلق بالتعاون بشأن محاربة الإرهاب ومواجهة إيران.

وتضغط العديد من منظمات حقوق الإنسان على إدارة بايدن، من أجل فرض نفس عقوبات السفر -كحد أدنى- على ولي العهد، التي فرضتها إدارة ترامب على الآخرين المتورطين في جريمة قتل خاشقجي.

وترى “نيويورك تايمز” أن قرار بايدن يأتي بعد أسابيع من المناقشات مع فريقه الأمني، الذي توصل لاستنتاجٍ مفاده أنه ليس هناك أي طريق لمنع الأمير محمد بن سلمان من دخول الولايات المتحدة، أو توجيه تهم جنائية إليه دون إلحاق ضرر بالعلاقات مع السعودية.

في السياق، تذهب صحيفة “التايمز” إلى أن بايدن، مثله مثل الرئيس أوباما، يريد إخراج الولايات المتحدة من مستنقع سياسات الشرق الأوسط، الذي بدت الولايات المتحدة في كثير من الأحيان عالقةً فيه. ولطالما اعتقد كلاهما أنه إذا تمكنت السعودية وإيران من تحقيق “نوع من التوازن” لمصالحهما في المنطقة، فسيجعل ذلك رؤساء الولايات المتحدة في المستقبل قادرين على تكريس أنفسهم للعمل على الشؤون الاقتصادية المحلية، والتعامل مع مستجدات التنافس مع روسيا والصين.

كما أن الوصول إلى توازن كهذا يعني أن السعودية ستضطلع بـ”دورٍ بنّاء” في تحقيق رؤية واشنطن للعالم، لكن على الجانب الآخر فإن سلوك ولي العهد العدواني واندفاعاته المتهورة، مثل قتل منتقديه على سبيل المثال، يضع هذا التعويل برمته في شك.

* ماذا لو لم يوافق الأمير محمد ووالده الملك سلمان على هذه الخطة؟

أحد الاحتمالات أو وجهات النظر التي لا يُصَّرح بها في واشنطن حتى الآن هو السعي إلى عزل الأمير عن منصبه. ففي حين أن بعض “المكاسب” التي حققها بن سلمان في فترته الوجيزة في السلطة، لاسيما المتعلقة بحريات المرأة والانفتاح الاقتصادي يمكن البناء عليها بالنسبة لواشنطن، ولا شك أن زعيماً سعودياً أكثر تقليدية يمكن أن يكون خياراً أفضل لتولي زمام الأمور وتخليص الولايات المتحدة من هذا “الحليف المحرج”.

وفي هذا السياق، أشار موقع Arab Digest، وهو نشرة إخبارية خاصة تُعنى بشؤون الشرق الأوسط ويعتمدها العديد من الدبلوماسيين السابقين، إلى احتمال أن يضغط بايدن من أجل إطلاق سراح اثنين من خصوم الأمير المعتقلين. والحديث هنا عن “انقلاب” قد يقوده لصالح بايدن الأمير أحمد، عم محمد بن سلمان، والأمير محمد بن نايف، ابن عمه الذي خلعه من منصب ولي العهد في عام 2017.

بطبيعة الحال، يبدو هذا الاحتمال مستبعداً من جانب معظم الخبراء في الشأن السعودي، ومن السعوديين أنفسهم، فسلطة الأمير محمد بن سلمان راسخة حالياً داخل المملكة، وقد تمكّن بالفعل من فرض سيطرته على كل أذرع الدولة، بحسب الصحيفة البريطانية.

ومع ذلك، يشير التقرير إلى أن بايدن يحتاج في كل الأحوال إلى خطة “احتياطية”. ففي الغرب يبدو أن مؤيدي التحالف الوثيق بين الولايات المتحدة والسعودية ومعارضي هذا التحالف، على حد سواء، يفترضون أن الرؤساء الأمريكيين بإمكانهم أن “يُملوا على الملوك والأمراء ما يجب عليهم فعله”، لكن الواقع أن الحكام الذين يملكون سلطة مطلقة على بلادهم لهم رأي آخر خلاف ذلك.

* عن قضية خاشقجي

رصدت السلطات التركية وصول 15 شخصا إلى مطار أسطنبول والتوجه إلى القنصلية السعودية

في 2 أكتوبر/تشرين أول 2018، دخل جمال خاشقجي، الصحفي السعودي المقيم في الولايات المتحدة إلى قنصلية بلاده في اسطنبول، حيث قُتل.

في الأشهر التي تلت ذلك، ظهرت روايات متضاربة حول كيفية وفاته، وماذا حدث لرفاته، ومن المسؤول.

وقال مسؤولون سعوديون إن الصحفي قتل في “عملية مارقة” قام بها فريق من العملاء أرسل لإقناعه بالعودة إلى المملكة، في حين قال مسؤولون أتراك إن العملاء تصرفوا بناء على أوامر من أعلى المستويات في الحكومة السعودية.

* من هو جمال خاشقجي؟

عُرف جمال خاشقجي الذي ولد في المدينة المنورة عام 1958 لأسرة ذات أصول تركية بانتقاداته للحكومة السعودية، بعد أن أصبح محمد بن سلمان وليا للعهد، والذي يقدم نفسه للعالم الخارجي باعتباره رائد الإصلاح، بينما شهدت بلاده موجة من الاعتقالات ضد رجال دين ونشطاء ومدافعين عن حقوق الإنسان وناشطات مدافعات عن حقوق النساء.

على مدى عقود، كان الرجل البالغ من العمر 59 عاما مقربا من العائلة المالكة السعودية وعمل أيضا مستشاراً للحكومة.

ودرس خاشقجي الصحافة في جامعة إنديانا الأمريكية، وبدأ حياته المهنية كمراسل صحفي.

واشتهر أكثر بعد نجاحه في تغطية أحداث أفغانستان والجزائر والكويت والشرق الأوسط في تسعينيات القرن الماضي.

وكان من الذين أثاروا موجة من الجدل عندما كتب تغريدة على موقعه في وسائل التواصل الاجتماعي، تويتر، مدافعا عن الداعية الإسلامي يوسف القرضاوي، وعن جماعة الإخوان المسلمين المصنفين كـ “إرهابيين” من قبل السعودية والإمارات والبحرين ومصر.

تولى منصب نائب رئيس تحرير صحيفة “أراب نيوز” في أواخر التسعينيات، وبقي في ذلك المنصب مدة أربعة أعوام.

وفي عام 2004، عُيّن رئيسا لتحرير صحيفة “الوطن” وهو المنصب الذي أُقيل منه دون إيضاح الأسباب.

وفي العام نفسه، عمل مستشارا إعلاميا للأمير تركي الفيصل، واستمر في عمله ذلك لسنوات. وكان تركي الفيصل مديرا للمخابرات السعودية لفترة طويلة (1977-2001) وبعدها تقلد مناصب هامة في السلك الدبلوماسي حيث تولى منصب سفير المملكة في بريطانيا وبعدها سفير السعودية في الولايات المتحدة.

وفي عام 2015، عُين مديرا عاما لقناة “العرب” الإخبارية التي كان مقرها في المنامة، البحرين، والتي كان يمتلكها الأمير الوليد بن طلال، ولكنها سرعان ما أغلقت بعد ساعات من افتتاحها.

ورجّحت الصحف المحلية أسباب إغلاقها وقتذاك إلى خلاف مع السلطات البحرينية حول السياسة التحريرية.

في حين لم تعلق الحكومة البحرينية على سبب الإغلاق.

وعمل خاشقجي أيضا معلقا سياسيا، ظهر في عدد من القنوات السعودية والعربية.

وفي ديسمبر/ كانون أول، 2017، أنهت صحيفة “الحياة اللندنية” لصاحبها الأمير خالد بن سلطان، علاقتها به ومنعت كتاباته التي تنشرها الصحيفة بدعوى ” تجاوزات ضد السعودية”.

كان خاشقجي يعيش قبل اختفائه في المنفى الاختياري في الولايات المتحدة.

وتحدث الصحفي جيسون رضائيان في صحيفة واشنطن بوست عن الأوضاع في السعودية قائلا: “مع كل إصلاح مفترض، تأتي موجة جديدة من الاعتقالات والأحكام بالسجن وزيادة في الاجراءات القمعية”.

وأضاف “مع كل نقطة تحول، قدم جمال لقراء واشنطن بوست تعليقا متبصرا ونقدا لاذعا عن البلد العصي على الفهم”.

قال خاشقجي في أول عمود له في صحيفة واشنطن بوست في سبتمبر / أيلول 2017 ، إنه كان يخشى أن يتم القبض عليه في حملة على ما يبدو ضد المعارضة أشرف عليها الأمير.

كتب خاشقجي عدة مؤلفات نالت إعجاب الكثيرين منها “علاقات حرجة- السعودية بعد 11 سبتمبر”، “ربيع العرب زمن الإخوان المسلمين” و”احتلال السوق السعودي”.

وكان ينظر إليه في كثير من الأحيان كخبير بالأحوال الداخلية في السعودية، حتى قرر المغادرة منذ عام 2017 وسط تقارير عن بداية حملة ضد أصحاب الرأي المخالفين لتوجهات ولي والعهد.

* لماذا كان في القنصلية؟

زار خاشقجي القنصلية السعودية في اسطنبول لأول مرة في 28 سبتمبر/ أيلول 2018 للحصول على وثيقة سعودية تفيد بأنه مطلق، حتى يتمكن من الزواج من خطيبته التركية خديجة جنكيز.

لكن قيل له إنه يتعين عليه العودة للحصول على الوثيقة، ورتب للعودة في 2 أكتوبر/ تشرين الأول.

وكتبت جنكيز في واشنطن بوست “لم يكن يتوقع أن مكروهاً يمكن أن يحدث له على الأراضي التركية”.

ورافقته جنكيز إلى مدخل القنصلية في 2 أكتوبر/ تشرين الأول. وشوهد آخر مرة في لقطات كاميرات المراقبة وهو يدخل المبنى في الساعة 13:14 بالتوقيت المحلي.

على الرغم من طمأنة الأصدقاء بأنه لن يواجه أي مشاكل في الداخل، فقد أعطى جنكيز هاتفين جوالين وطلب منها الاتصال بمستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إذا لم يعد.

انتظرت في النهاية لأكثر من 10 ساعات خارج القنصلية، وعادت في صباح اليوم التالي عندما لم يظهر خاشقجي مرة أخرى.

* ماذا قالت السعودية؟

لأكثر من أسبوعين، نفت السعودية باستمرار أي معرفة بمصير خاشقجي. وقال الأمير محمد بن سلمان لمحطة بلومبيرغ الإخبارية إن الصحفي غادر القنصلية “بعد بضع دقائق أو ساعة واحدة”، وأضاف “ليس لدينا ما نخفيه”.

لكن في تغيير في اللهجة في 20 أكتوبر/ تشرين الأول، قالت الحكومة السعودية إن تحقيقا أوليا أجراه المدعون، خلص إلى أن الصحفي توفي أثناء “شجار” بعد مقاومة محاولات إعادته إلى السعودية. في وقت لاحق، أرجع مسؤول سعودي سبب الوفاة إلى عملية خنق.

في 15 نوفمبر/ تشرين الثاني، قال نائب المدعي العام السعودي شعلان الشعلان، إن القتل صدر بأمر من رئيس “فريق المفاوضات”، الذي أرسله نائب رئيس المخابرات السعودية إلى اسطنبول لإعادة خاشقجي إلى المملكة “عن طريق الإقناع” و إذا فشل ذلك “بالقوة”.

وقال شعلان إن المحققين خلصوا إلى أن خاشقجي تم تقييده بالقوة بعد صراع وحقن بكمية كبيرة من المواد المخدرة، وتسببت الجرعة الزائدة بوفاته. وأضاف أنه تم بعد ذلك تقطيع جثته وتسليمها إلى “متعاون” محلي خارج القنصلية للتخلص منها.

وأكد شعلان أن خمسة أشخاص اعترفوا بالقتل، مضيفا “لم يكن لدى ولي العهد أي علم بها”.

* ما هي الإجراءات التي اتخذتها السعودية؟

وقالت النيابة العامة السعودية في أواخر سبتمبر/ أيلول 2018، إنه تم التحقيق مع 31 شخصا في جريمة القتل وتم اعتقال 21 منهم.

كما أقيل خمسة من كبار المسؤولين الحكوميين، بينهم نائب رئيس المخابرات أحمد عسيري وسعود القحطاني، أحد كبار مساعدي بن سلمان.

وفي يناير/ كانون الثاني 2019، قدّم 11 شخصا – لم يتم الكشف عن أسمائهم – للمحاكمة أمام محكمة جنايات الرياض على خلفية جريمة قتل خاشقجي، وطالب النائب العام بإعدام خمسة منهم.

قالت هيومن رايتس ووتش إن المحاكمة، التي جرت خلف أبواب مغلقة، لم تف بالمعايير الدولية وإن السلطات “عرقلت المساءلة الحقيقية”.

في ديسمبر/ كانون أول 2019، حكمت المحكمة على خمسة أشخاص بالإعدام بتهمة “ارتكاب جريمة قتل الضحية والمشاركة فيها بشكل مباشر”. وحكم على ثلاثة آخرين بالسجن لمدة 24 عاما بتهمة “التستر على هذه الجريمة ومخالفة القانون” فيما ثبتت براءة الثلاثة الباقين.

وقالت النيابة العامة إن العسيري حوكم ولكن تمت تبرئته “لعدم كفاية الأدلة”، بينما تم التحقيق مع القحطاني في جريمة القتل ولكن لم توجه إليه تهمة.

وفي مؤتمر صحفي عقب الحكم، قال شعلان الشعلان إن تحقيق النيابة العامة أظهر أن “القتل لم يكن مع سبق الإصرار”.

ورفضت مقررة الأمم المتحدة التي تولت التحقيق في القضية أغنيس كالامار هذا التأكيد ووصفته بأنه “سخيف للغاية”، وقالت إن المحاكمة تمثل “نقيضا للعدالة”، والتي برأت “العقول المدبرة”.

لكن صلاح نجل خاشقجي، الذي يعيش في السعودية، غرّد “نؤكد ثقتنا بالقضاء السعودي على جميع المستويات، وأنه كان عادلا لنا وأن العدالة قد تحققت”.

وفي مايو/ أيار 2020، قال صلاح خاشقجي وإخوته: “عفونا عن من قتل والدنا -رحمه الله- لوجه الله تعالى” موافقين على رأي النيابة العامة أن القتل لم يكن مع سبق الإصرار.

بعد أربعة أشهر، خففت محكمة جنايات الرياض أحكام الإعدام الصادرة على خمسة من المتهمين إلى السجن لمدة 20 عاما. وحكم على الثلاثة الآخرين بالسجن لمدد تتراوح بين سبع وعشر سنوات. وقال الادعاء إن الأحكام كانت نهائية وأن المحاكمة الجنائية مغلقة الآن.

اعترفت السعودية بأن الصحفي جمال خاشقجي قد قتل في قنصليتها في إسطنبول، ولكنها لم تقل ماذا حدث لجثته

ووصفت جنكيز الأحكام بأنها “استهزاء تام بالعدالة”.

وأضافت أن “السلطات السعودية تغلق الملف دون أن يعرف العالم حقيقة المسؤول عن مقتل جمال .. من خطط لها، ومن أمر بها، وأين جسده؟ هذه هي الأسئلة الأساسية والأكثر أهمية التي لم تتم الإجابة عليها تماما”.

* ما هي الرواية التركية لما حدث؟

قال مسؤولون أتراك إن 15 سعوديا، برفقة ثلاثة من عناصر المخابرات، وصلوا إلى أسطنبول قبل أيام من اغتيال خاشقجي. وقامت هذه المجموعة بإزالة كاميرات المراقبة والمواد التي سجلتها داخل القنصلية السعودية قبل وصول الصحفي الذي لقي مصرعه في المبنى.

وقال المحامي العام في أسطنبول عرفان فيدان في 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2018 إن خاشقجي خُنق وقطعت جثته بعد دخوله القنصلية بقليل.

وفي مقال كتبه في صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن التحقيقات كشفت أن جمال خاشقجي “قتل بدم بارد على يد فريق قتل، وكان القتل عمدا مع سبق الإصرار”.

وأضاف: “هناك أسئلة أخرى لا تقل أهمية سوف تسهم إجاباتها في فهم ملابسات هذا العمل المشين. أين جثة خاشقجي؟ من هو المتعاون المحلي الذي تزعم السعودية أنه تخلص من أشلاء جاشقجي؟ من أعطى الأوامر بإزهاق تلك الروح الطيبة؟ لسوء الحظ، رفضت السلطات السعودية الإجابة على تلك الأسئلة”.

وقال أردوغان إنه علم أن الأوامر بقتل خاشقجي “جاءت من أعلى المستويات في الحكومة السعودية”، مستبعدا أن يصدق “ولو لثانية واحدة أن الملك سلمان، خادم الحرمين، هو من أًصدر الأمر بالقتل”.

وفي مارس/ آذار الماضي، وجه المحامي العام في أسطنبول اتهامات رسمية بقتل خاشقجي إلى سعود القحطاني، وأحمد العسيري و18 متهما آخرين.

وأشارت تلك الاتهامات إلى أن مساعدي ولي العهد السعودي السابقيْن “حرضا على القتل العمد مع سبق الإصرار مع ثبوت قصد التعذيب الوحشي خلال عملية القتل والاستمتاع بذلك”.

ورفضت السعودية طلب تسليم المتهمين الذي تقدمت به تركيا، وهو ما أدى إلى عقد محاكمة غيابية للمتهمين البالغ عددهم 20 شخصا في 20 يوليو/ تموز 2020 في محكمة بأسطنبول. وقال المحامي الذي عينته المحكمة التركية للدفاع عن المتهمين إن موكليه نفوا جميع الاتهامات الموجهة إليهم.

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، قبلت المحكمة إضافة ستة متهمين سعوديين جدد إلى القضية من بينهم نائب القنصل السعودي في تركيا، وأحد الملحقين الدبلوماسيين اللذين واجها تهمة “القتل العمد بنية وحشية”. كما اتهم أربعة آخرون بإتلاف وإخفاء الأدلة و العبث بها.

* هل هناك أدلة؟

في منتصف نوفمبر/ تشرين الثاني، قالت الحكومة التركية إنها أطلعت السعودية، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وألمانيا، وفرنسا على تسجيلات صوتية لمقتل خاشقجي. ورغم عدم الإعلان رسميا عن مضمون تلك التسجيلات، أورد تقرير كالامار تفاصيل التسجيلات التي تحدثت عنها أنقرة.

وأشارت المقررة الخاصة إلى أنها لم تتمكن من الحصول على نسخة من تسجيلات مقتل خاشقجي من المخابرات التركية أو ألتأكد من مصداقيتها.

لكن أحد هذه التسجيلات الصوتية تضمن مناقشة بين من يبدو أنهم اثنين من المسؤولين السعوديين حول كيفية تقطيع ونقل جثمان خاشقجي، وذلك قبل دقائق من وصول خاشقجي إلى القنصلية وفقا لتقرير كالامار.

ونسب التقرير إلى أحد المسؤوليْن السعودييْن قوله أن: “الجثمان ثقيل، وهذه هي المرة الأولى التي أقطع فيها جثماناً على الأرض. إذا أخذنا الأكياس البلاستيكية وقطعناها إلى قطع صغيرة، سوف ينتهي الأمر”. وفي آخر التسجيل تسائل المسؤول الثاني عما إذا كانت “الأضحية” وصلت.

كما سجلت محادثة أخرى تمت بعد ذلك داخل القنصلية تضمنت حديث المسؤولين مع خاشقجي: “سوف نعيدك. هناك أمر من الشرطة الدولية. طلبت الشرطة الدولية إعادتك. وقد جئنا لإعادتك”.

وأشار التقرير إلى أن رد خاشقجي كان: “ليست هناك قضية ضدي. وقد أخبرت بعض الناس في الخارج، وهم في انتظاري، هناك سائق ينتظرني”.

وفي حوالي الساعة الواحدة وثلاثة وثلاثين دقيقة بالتوقيت المحلي أظهر التسجيل خاشقجي وهو يقول “هذه منشفة، هل ستخدرونني”، ويجب شخص ما “سنخدرك”.

وأشار التقرير إلى سماع صوت عراك بعد تلك المحادثة ومعه عبارات تضمنت “هل نام؟”، و”إنه يرفع رأسه”، و”استمر في الضغط”. بعد ذلك، سمعت أصوات حركة، وأشخاص يلهثون، وأغطية بلاستيكية تُسحب.

وكالات