السياسية -وكالات :

قتلت القوات الإريترية، التي تقاتل في إقليم تيغراي الواقع شمالي إثيوبيا، مئات الأشخاص في مدينة أكسوم على مدى يومين في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بحسب شهود.

وقالت منظمة العفو الدولية في تقرير بهذا الشأن إن عمليات القتل الجماعي التي وقعت يومي 28 و 29 نوفمبر / تشرين الثاني قد ترقى إلى مصاف الجرائم ضد الإنسانية.

ووصف شاهد عيان لبي بي سي كيف ظلت الجثث غير مدفونة في الشوارع لعدة أيام حيث أكلت الضباع الكثير منها. ولم تعلق إثيوبيا وإريتريا، اللتان تنفيان رسميا وجود جنود إريتريين في تيغراي، على ذلك.

وتقول لجنة حقوق الإنسان الإثيوبية إنها تحقق في تلك التقارير. وكان النزاع قد اندلع في 4 نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2020 عندما شنت الحكومة الإثيوبية هجوما للإطاحة بحزب جبهة تحرير شعب تيغراي (تي بي إل إف) الحاكم في الإقليم بعد أن استولى مقاتلوها على القواعد العسكرية الفيدرالية في تيغراي.

وقال رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، الحائز على جائزة نوبل للسلام، للبرلمان في 30 نوفمبر / تشرين الثاني الماضي إنه “لم يُقتل أي مدني” خلال العملية.

لكن شهود عيان وصفوا كيف بدأوا في ذلك اليوم في دفن بعض جثث تعود لمدنيين عزل قتلوا على أيدي جنود إريتريين، وكثير منهم صبية ورجال أطلق النار عليهم في الشوارع أو أثناء مداهمات شهدتها المنطقة من منزل إلى منزل.

ويحتوي تقرير منظمة العفو الدولية على صور عالية الدقة التقطت بالأقمار الصناعية يعود تاريخها لـ 13 ديسمبر/كانون الأول الماضي تظهر أراض غير مستوية الأمر الذي يتوافق مع المقابر الأخيرة التي حفرت في كنيستين في أكسوم، وهي مدينة قديمة يعتبرها المسيحيون الأرثوذكس في إثيوبيا مقدسة.

وكان تعتيم الاتصالات وتقييد الوصول إلى تيغراي قد أدى إلى تأخر ظهور تقارير عما حدث في الصراع.

وقد ورد أن شبكات الكهرباء والهاتف توقفت عن العمل في أكسوم منذ اليوم الأول من اندلاع الصراع.

كيف سقطت أكسوم؟

بدأ القصف من قبل القوات الإثيوبية والإريترية في غرب أكسوم يوم الخميس 19 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بحسب أهالي المدينة.

وقال موظف حكومي في أكسوم لبي بي سي: “استمر ذلك الهجوم لمدة 5 ساعات بدون توقف، فلقي من كانوا في الكنائس والمقاهي والفنادق والبيوت حتفهم، ولم يكن ذلك رداً على أية قوة مسلحة في المدينة، فقد استهدف الهجوم المدنيين حرفيا”.

وجمعت منظمة العفو الدولية شهادات متشابهة ومتعددة تصف القصف المستمر في ذلك المساء على المدنيين.

وقالت منظمة العفو الدولية إنه بمجرد السيطرة على المدينة، قام الجنود، الذين تم تحديدهم عموما على أنهم إريتريون، بالبحث عن جنود وميليشيات جبهة تحرير شعب تيغراي أو “أي شخص يحمل سلاحا”.

وقالت امرأة لمنظمة العفو الدولية: “كان هناك الكثير من القتل من منزل إلى منزل”.

ويقول ديبروز موشينا، من منظمة العفو الدولية، إن هناك أدلة دامغة على أن القوات الإثيوبية والإريترية ارتكبت “جرائم حرب عديدة في هجومها للسيطرة على أكسوم”.

ما الذي أثار عمليات القتل؟

في الأسبوع التالي، تشير الشهادات إلى أن القوات الإثيوبية كانت في المقام الأول في أكسوم، فيما كان الإريتريون توغلوا شرقا إلى بلدة عدوة.

ووصف شاهد لبي بي سي كيف نهب الجيش الإثيوبي البنوك في المدينة في ذلك الوقت.

وبحسب ما ورد في تقرير منظمة العفو فإن القوات الإريترية عادت بعد أسبوع، وقد اندلع القتال يوم الأحد 28 نوفمبر/ تشرين الثاني إثر هجوم شنه مقاتلون قليلو التسليح موالون لجبهة تحرير شعب تيغراي.

ففي صباح ذلك اليوم استهدف ما بين 50 و 80 رجلا من أكسوم موقعاً إريترياً في تل يطل على المدينة.

وقال رجل يبلغ من العمر 26 عاما شارك في الهجوم لمنظمة العفو الدولية: “أردنا حماية مدينتنا لذلك حاولنا الدفاع عنها خاصة من الجنود الإريتريين، لقد كانوا يعرفون كيفية إطلاق النار ولديهم أجهزة اتصالات، ولم يكن لدي مسدس، فقط عصا”.

كيف ردت القوات الإريترية؟

ليس من الواضح كم من الوقت استمر القتال، لكن شهد بعد ظهر ذلك اليوم توغل شاحنات ودبابات إريترية في أكسوم، حسب تقارير منظمة العفو.

وقال شهود عيان إن الجنود الإريتريين انطلقوا في حالة من الهياج، وأطلقوا النار على الرجال والصبية المدنيين العزل الذين كانوا في الشوارع، واستمر ذلك حتى المساء.

وقال شاب في العشرينات من عمره لمنظمة العفو الدولية عن حوادث القتل في الشارع الرئيسي بالمدينة: “كنت في الطابق الثاني من مبنى وشاهدت من خلال النافذة الإريتريين وهم يقتلون الشباب في الشارع”.

وقد بدأ الجنود، الذين تم تحديدهم على أنهم إريتريون، ليس فقط بسبب زيهم الرسمي ولوحات أرقام المركبات ولكن بسبب اللغات التي يتحدثون بها (العربية واللهجة الإريترية للتغرينية)، عمليات تفتيش من منزل إلى منزل.

وقال شاب لبي بي سي: “لقد كان ذلك ردا انتقاميا، فقد قتلوا كل رجل عثروا عليه، إذا فتحت بابك ووجدوا رجلا قتلوه ، وإذا لم تفتحه يطلقون النار على بوابتك بغزارة”.

كان الشاب يختبئ في ملهى ليلي وشاهد رجلا عثر عليه جنود إريتريون وقتلوه وهو يتوسل للإبقاء حياته وكان يقول لهم: “أنا مدني، أنا مصرفي”.

قال رجل آخر لمنظمة العفو الدولية إنه رأى 6 رجال يُقتلون خارج منزله بالقرب من فندق أبنيت في اليوم التالي الموافق 29 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.

وأضاف قائلا: “أمروهم بالاصطفاف وأطلقوا النار عليهم من الخلف، أعرف اثنين منهم، إنهما من الحي الذي أعيش فيه، سألوهم أين أسلحتكم فأجابوا ليست لدينا أسلحة، نحن مدنيون”.

كم عدد القتلى؟

يقول الشهود إن الجنود الإريتريين لم يسمحوا في البداية لأي شخص بالاقتراب من الجثث في الشوارع، وكانوا يطلقون النار على أي شخص يفعل ذلك.

وقالت امرأة، قتل نجلا أختها، 29 و 14 عاما، إن الطرق “كانت مليئة بالجثث”.

وتقول منظمة العفو إنه بعد تدخل الشيوخ والجنود الإثيوبيين بدأت عمليات الدفن على مدى عدة أيام وجرت معظم الجنازات في 30 نوفمبر / تشرين الثاني الماضي بعد أن أحضر الناس الجثث إلى الكنائس، وغالبا كانت كل 10 جثث يتم تحميلها على عربات تجرها الخيول أو الحمير.

وفي فندق أبنيت، قال موظف تحدث إلى بي بي سي إن بعض الجثث ظلت في مكانها ولم تُنقل لمدة 4 أيام.

وأضاف قائلا:”إن الجثث التي كانت ملقاة حول فندق أبنيت وسينما سياتل أكلتها الضباع، وجدنا فقط عظاما ودفننا عظاما، وأستطيع أن أقول إن حوالي 800 مدني قتلوا في أكسوم”.

وهذه الرواية رددها شماس كنيسة قال إن الضباع التهمت العديد من الجثث.

قد قام بجمع بطاقات هويات الضحايا وساعد في الدفن في مقابر جماعية ويعتقد أيضا أن حوالي 800 شخص قتلوا في نهاية ذلك الأسبوع.

وقد قدم 41 ناجيا وشاهدا التقتهم منظمة العفو الدولية أسماء أكثر من 200 شخص يعرفونهم قد قتلوا في تلك الأحداث.

ماذا حدث بعد الدفن؟

يقول شهود عيان إن الجنود الإريتريين شاركوا في عمليات النهب التي انتشرت بعد المجزرة بسبب فرار كثير من الناس من المدينة.

فقد تم استهداف الجامعة والمنازل الخاصة والفنادق والمستشفيات ومخازن الحبوب والمرائب والبنوك والمتاجر ومحلات السوبر ماركت والمخابز.

ووصف شاب لمنظمة العفو الدولية كيف فشل الجنود الإثيوبيون في منع الإريتريين من نهب منزل شقيقه.

وقال:”أخذوا التلفزيون وسيارة دفع رباعي وثلاجة وست مراتب وجميع مواد البقالة وزيت الطهي والزبدة والدقيق، وخزائن المطبخ والملابس والبيرة التي كانت في الثلاجة ومضخة المياه وجهاز كمبيوتر محمول”.

وقال الشاب الذي تحدث لبي بي سي إنه علم بسرقة 15 سيارة تخص رجال أعمال في المدينة.

وتقول منظمة العفو إن ذلك كان له تأثير مدمر على أولئك الذين بقوا في أكسوم، حيث لم يتبق لهم سوى القليل من الطعام والأدوية للبقاء على قيد الحياة.

ويقول شهود عيان إن سرقة مضخات المياه أرغمت السكان على شرب مياه النهر.

لماذا أكسوم مقدسة؟

يقال إنها مسقط رأس ملكة سبأ التوراتية التي سافرت إلى القدس لزيارة الملك سليمان.

وكان لديهما ابن، منليك الأول، ويقال إنه أحضر تابوت العهد إلى أكسوم، ويعتقد أن تابوت العهد يحتوي على الوصايا العشر التي أرسلها الله إلى موسى.

وتابوت العهد تحت الحراسة باستمرار في كنيسة سيدتنا مريم جبل صهيون بالمدينة ولا يُسمح لأحد برؤيته.

وعادة ما يقام احتفال ديني كبير في الكنيسة في 30 نوفمبر/تشرين الثاني من كل عام يجتذب الزوار من جميع أنحاء إثيوبيا والعالم، ولكن تم إلغاء الاحتفال العام الماضي بسبب الصراع الذي ضرب المنطقة.

وقال موظف حكومي لبي بي سي إن القوات الإريترية جاءت إلى الكنيسة في 3 ديسمبر/ كانون الأول الماضي “لترويع الكهنة وإجبارهم على منحهم صليب الذهب والفضة”.

لكنه قال إن الشمامسة وغيرهم من الشباب ذهبوا لحماية تابوت العهد.

وأضاف قائلا:”هبت المدينة كلها، لقد قاتلهم كل رجل وامرأة، وأطلق الجنود عليهم النار وقتلوا البعض، لكننا سعداء لأننا لم نفشل في حماية كنوزنا”.