صراع القوة بين الصين والهند في بحر الصين
السياسية:
تطورت جغرافية الصراعات المادية والجيوسياسية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وظهور التحولات في طبيعة الصراع الأهلي والنظام العالمي إلى ثلاث فترات صعبة.
تبدآ من عام 1946م إلی انهیار الااتحاد السوفييتي وسقوط حاٸط برلین في نهاية الربع الأخير من القرن المنصرم (الحرب الباردة)، ومرحلة ما بعد الحرب الباردة ونظام العولمة، وتتطلع الصين إلى الصعود كقطب منافس للولايات المتحدة مع إحياء مشروع طريق الحرير الجديد وهيكلة الصين للعالم جيوسياسياً.
ففي الماضي شيدت الصين سورها العظيم من أجل الانعزال عن العالم، وهو تصور دفاعي قديم يلخص فلسفة هذا البلد العملاق من أجل الحفاظ على قيمه وأمنه في مواجهة الآخر.
لكن الآن تشيد الصين أكبر جسر تجاري في العالم يجعلها تتبوأ التجارة العالمية في وقت تتراجع فيه الولايات المتحدة وتتبنى مفهوم السور المغلق مع إدارة ترامب السابقة، فالصين التي شيدت أكبر سور قديماً الآن تشيد أكبر جسر تجاري عالمي يربط حوالي 70 دولة، وتعود الصين إلى تراثها وتاريخها من أجل منح نفسها مكانة في مسرح جيوسياسي بإحياء هذا الطريق في وقتنا الراهن، ويكون “طريق الحرير” الذي يعد بداية نهاية الهيمنة الغربية على العالم، ولكن الأهمية الاستراتيجية والموقع الجغرافي المهم لبحر الصين الجنوبي يعتبر ممراً مهماً عالمياً، حيث يعبر منه نصف التجارة العالمية.
إن النزاعات الإقليمية في المحيط الجغرافي للصين وخاصة النزاع الحدودي بين الهند والصين في إقليم (دوكلام) أخذ شكلاً من المواجهات العسكرية بعد أن ظل نصف قرن مناوشات بالعصا والأيادي ليعيد عام 1962م إلى الذاكرة بهزيمه الهند.
إن الوضع في هضبة التبت والحدود الشاسعه التي تتجاوز 4000كم خلقت صراعاً في مملكة (بوتان) الحدودية المشكلة الرئيسية الآتية.
كيف ساهمت موارد الطاقة في بحر الصين الجنوبي والجيوبوليتيك في تحديد طبيعة التّفاعلات السّياسية ضمن هذا النّطاق الجغرافي المهم في الخريطة العالمية في بحر الصين الجنوبي؟
فالدول في هذا المحيط الإقليمي التي تعد 9 دول تتنافس للسيطرة على البحر بسبب وجود إمكانات نفطية وغازية في أعماقه تؤهّله ليكون موازياً للخليج العربي، من حيث الأهمية الاقتصادية والسياسية والسياحية، والصراع الصيني مع دول الجوار علي أحقية الصين في الاستحواذ على حوالي 80% من مساحة المياه الإقليمية للبحر.
تعتمد الصين على القرائن الجغرافية في ذلك الحق، واصطفاف الهند مع الولايات المتحدة ضد الصين يجعل النزاع الحدودي يأخذ شكلاً آخر في دولة بوتان، أو ما تعرف بدولة السعادة. تخلق وضعاً جديداً بين صراع القوة الصاعدة في النظام العالمي الجديد.
إن مملكة بوتان التي تقع في هضبة التبت أشعلت ملف النزاع الحدودي الملتهب بين الصين والهند في الماضي القريب في ستينيات القرن المنصرم، الذي ينفجر من حين لآخر وهو سبب من ضمن أسباب التوتر المستمر في العلاقات بين البلدين، والذي أدى إلى انفجار الوضع بينهما العام قبل الماضي بعد أن تدخلت قوات الحدود الهندية لإيقاف المهندسين الصينيين عن الاستمرار في بناء طريق في منطقة “دوكلام” التي تتنازع عليها “مملكة بوتان والصين”. مع صعود التنين الصيني في الصراع العالمي كقوة اقتصادية وسياسية تفرض نفسها كبديل عن الولايات المتحدة بعد جائحة كوفيد 19كقطب منافس، وفرض الأمر الواقع على الأرض مع مشروع طريق الحرير الجديد، والصراع أو الحرب غير المعلنة مع أمريكا أو ما يعرف بالحرب التجارية.
تحاول الاستخبارات الأمريكية فتح ملفات شائكة جيوسياسية مع منافس صاعد موال لسياسات الولايات الأمريكية مع جيران للصين، وجعلها مناطق صراع وتوتر في العلاقات، وخاصة مع “قوتين نوويتين” وأكبر عدد من الديموغرافيا في العالم، كذلك باكستان التي انحازت أخيراً للصين بعد تخلي السعودية عن مساعدتها في قرض مالي، جاءت الصين تعرض مساعدتها لباكستان العدو للهند، والوضع في شرق الصين من المسلمين وزعزعة نسيج المجتمع الصيني، تلعب أمريكا في خلق دور للإسلام السياسي في المناطق الإسلامية ضد الأيديولوجية للصين.
من المعروف أن الهند تدعم مطالبات “بوتان” في هذه المنطقة القريبة، وقد آوت الزعيم الروحي لهضبة التبت، إن الأرض الهندية المتنازع عليها تعرف باسم “رقبة الدجاجة”، ولكن منطقة “دوكلام” ظهرت مرة أخرى كموضوع للنزاع بين البلدين، وذلك عندما واصلت الصين الإجراءات الرامية إلى تعزيز وجودها، وقدراتها الدفاعية في هذه المنطقة، وبدأ صراع التسلح في بناء قواعد جوية وعسكرية علي طرفي حدود النزاع، ومع دخول الهند كعضو في تشكيل المجموعة الرباعية، التي تتكون منها، ومن الولايات المتحدة الأمريكية ، واليابان، وأستراليا، والدول الأربع في المجموعة تشعر بنفس القدر من القلق تجاه الصعود الصيني.
كما أن الصين ترى من جانبها أن هذا التجمع الرباعي يضر بمصالحها، وأنه قد أنشئ في الأساس من أجل احتواء نموها، مما يجعل الصراع قائماً، وكذلك وجود صراع القوى الإقليمية في بحر الصين الجنوبي، فإن للولايات المتحدة الأمريكية مصالح (جيوبوليتيكية) في هذا البحر باعتمادها الأساسي في حرية الملاحة فيه للسفن الأمريكية التّي تجوب نطاقه لأغراض تجارية وعسكرية، إضافة إلى تأمين السفن دون تحويل هذا البحر إلى مجال حيوي للمصالح الصينية فحسب، هذا فضلاً عن الرغبة في توظيف نقاط الضّعف الجغرافية فيه عبر التّحكم في المضائق التّي تحيط به، سواء عن طريق نشر القواعد العسكريّة، أو عن طريق التّحالف مع القوى الصّديقة لأمريكا المطلّة عليه.
لذلك من المعروف أن الهند قد عملت بسبب تنامي الطموحات الصينية على توطيد أواصر العلاقات بينها وبين الولايات المتحدة التي تنظر إلى الهند كدولة يمكن أن تكون قادرة على مواجهة، واحتواء الصين.
فليس هناك مقارنة بين الصين والهند من صراع القوة، فالصين ناتجها القومي بالنسبة للناتج الهندي خمسة أضعاف الناتج الهندي، وكذلك القوة العسكرية.
فعلى سبيل المثال، تدعي الصين ملكيتها لولاية (أروناشال براديش) الواقعة شمال شرقي الهند بكاملها، وتعتبرها جزءاً من أراضيها، وفي الوقت الذي تندلع فيه النزاعات الحدودية بين البلدين من وقت لآخر، إلا أن البلدين توصلا في عام 1962م بعد الحرب إلى هدنة بعد مؤتمر باندونج لدول عدم الانحياز وإلى تهدئة الأوضاع فقط، ولم تستطع حل النزاع، وفي التسعينيات من القرن المنصرم توصلتا إلى قرار بعدم السماح لتلك النزاعات حول الحدود بالتأثير على المجالات الأخرى في منظومة العلاقات بينهما، وهو ما كان له تأثير في نمو العلاقات الاقتصادية بين البلدين إلى الدرجة التي باتت فيها الصين أكبر شريك تجاري للهند.
ومع ذلك، يمكن القول إن اشتعال الوضع في “دوكلام” يُعد واحدة من أكثر الأزمات الحدودية التي نشأت بين البلدين من حيث درجة الخطورة، ومع أن الهند قد أعلنت حينها أن النزاع قد جرى حله، إلا أن المحللين خلصوا إلى أنه لم ينته بعد، بدليل أن نيودلهي مازالت تصر على أنه من الضرورى عدم تغيير “الوضع القائم” فى النقاط الحساسة على الحدود بين البلدين. في حين تصر الصين على تحسين البنية التحتية في هذه النقاط.
يمكن القول مع ذلك إن أنشطة الصين على أرض “دوكلام” تدل على مدى ثقة الصين بقوتها الآخذة في التعاظم في آسيا، كما يمكن أن تكون رد فعل من جانبها على التقارب الهندي- الأمريكي، ومع كل ذلك أين نحن العرب من الهيمنة الصينية من الجيوسياسية للعالم؟
عربي بوست