السياسية:

أعلنت مجموعة من الشركات العالمية العاملة في قطاع النسيج تأثرها بالعقوبات الأمريكية التي أقرتها بحق شركات القطن الصينية، عقاباً لبكين على تجاوزاتها بحق أقلية الإيغور المسلمة في منطقة شينجيانغ شمال غربي الصين، وفق ما ذكرته صحيفة The Washington Post الأمريكية، الإثنين 22 فبراير/شباط 2021.

فقد وافق الكونغرس الأمريكي بالإجماع تقريباً العام الماضي 2020، على مشروع قانون لفرض عقوبات على مسؤولين صينيين متّهمين “باعتقال جماعي” بحقّ مسلمين من الإيغور في إقليم شينجيانغ، ويحمل القانون اسم قانون الإيغور لحقوق الإنسان.

تأثير العقوبات الأمريكية على القطن الصيني
صحيفة “واشنطن بوست” قالت إن شركة Huafu Fashion الصينية لصناعة خيوط القطن أرسلت في الشهر الماضي تحذيراً للمستثمرين.

إذ قالت شركة Huafu Fashion، في ملفاتها الدورية المقدمة لسوق شنجن للأوراق المالية، “ألغت العديد من العلامات التجارية الأمريكية طلبات الشراء. لقد جلبت آثاراً سلبية على الشركة”، في إشارة إلى العقوبات الأمريكية.

كما قالت Huafu Fashion إنها خسرت ما لا يقل عن 54.3 مليون دولار في العام الماضي، مقابل صافي ربح قدره 62.5 دولار في 2019، وهي واحدة من الموردين القلائل الذين أقروا علناً بتأثير العقوبات الأمريكية التي فرضت على الصين بسبب الإيغور.

لكن آلاف الشركات في أنحاء العالم تأثرت بعدما وضعت الولايات المتحدة 87% من محاصيل القطن الصيني على القائمة السوداء -خُمس الإنتاج العالمي- انتهاكات حقوق الإنسان التي تتعرض لها أقلية الإيغور المسلمة في منطقة شينغيانغ شمال غربي الصين.

تصدع في سلسلة الإنتاج
ما يحدث الآن في صناعة الأزياء نادر في تاريخ التجارة العالمية، وهو تصدع سلسلة إمداد بقيمة مليارات الدولارات بين ليلة وضحاها بسبب قضية حقوقية.

إذ لفت سكوت نوفا، المدير التنفيذي لاتحاد حقوق العمال، وهي مجموعة مناصرة مقرها واشنطن، إلى أنَّ الشركات، قبل عام واحد فقط من الآن، كانت تقول إنه من المستحيل التوقف عن شراء المنسوجات المُصنَّعة من قطن شينغيانغ. لا يمكنك الخروج (من سلسلة الإمداد هذه). أو لو بإمكانك الخروج فستحتاج من ثلاث إلى خمس سنوات حتى تنفيذ مثل هذا الخروج”.

كما يقول المسؤولون التنفيذيون في صناعة المنسوجات إنَّ محصول القطن يُجمَع في شينغيانغ، ثم يدخل في الأقمشة التي تُحَاك عبر آسيا، من بنغلاديش إلى فيتنام. وذكرت هيئة الجمارك وحماية الحدود الأمريكية أنَّ الحظر الأمريكي ينطبق على المنتجات “المصنوعة كلياً أو جزئياً” من قطن شينغيانغ، “بغض النظر عن مكان إنتاج السلع النهائية”.

تعذيب وعمل قسري تعاني منه أقلية الإيغور
جاءت العقوبات الأمريكية مدفوعة بحملة إعادة التأهيل القاسية التي شنتها الحكومة الصينية ضد الإيغور، وهم أقلية عرقية تركية.

قال بعض الإيغور المحتجزين في معسكرات الاعتقال في شينغيانغ في السنوات الأخيرة، إنهم تعرضوا للتعذيب وأُجبِروا على العمل في مصانع النسيج مقابل الإفراج عنهم.

فيما أرعب الحجم الهائل للحملة الكثيرين في الغرب -خاصة أنَّ طموحات بكين المتزايدة للقيادة العالمية تولد احتكاكات مع الولايات المتحدة- وأدت إلى انتقام اقتصادي.

لكن الصين نفت إساءة معاملة الإيغور، ووصفت العقوبات بأنها حملة ذات دوافع سياسية. وفي تصريح لصحيفة The Washington Post، وصفت وزارة الخارجية الصينية تقارير العمل القسري في شينغيانغ بأنها “أكاذيب من أولها لآخرها”.

بينما بدأت الولايات المتحدة، في العام الماضي، فرض عقوبات فردية على صانعي المنسوجات في شينغيانغ، بما في ذلك شركة Huafu، التي لم ترد على طلب للتعليق.

في 13 يناير/كانون الثاني، أعلنت هيئة الجمارك وحماية الحدود الأمريكية فرض حظر شامل على جميع محاصيل القطن الواردة من شينغيانغ معقل الإيغور.

ذكرت هيئة الجمارك وحماية الحدود الأمريكية، في بيان لصحيفة The Washington Post “لا يمكن للشركات بعد الآن التحجج بالجهالة، رسالة هيئة الجمارك وحماية الحدود الأمريكية لمجتمع التجارة واضحة: اعرف سلسلة إمداداتك”.

تحويل خطوط الإنتاج
قال جاستن هوانغ، رئيس اتحاد المنسوجات التايواني، إنَّ مُصنِّعي المنسوجات التايوانيين تلقوا إخطارات في سبتمبر/أيلول من العلامات التجارية الغربية لتأكيد مصادر القطن لديهم. وأضاف أنَّ العلامات التجارية لم تعد تريد القطن الصيني؛ لأنه من الصعب التأكد من أي منطقة في الصين جاء.

لفت هوانغ: “شركات التصنيع الأمريكية حساسة للغاية؛ لذا قبل الإعلان بدأ التجار الأمريكيون بالفعل في تغيير خطوط إنتاجهم”.

إذ أعلنت شركة Ikea “وقف جميع الشحنات” إلى الولايات المتحدة التي تحتوي على قطن شينغيانغ، بعد حظر هيئة الجمارك وحماية الحدود الأمريكية. وقالت شركتا Ikea وH&M إنَّ مورديهما قد أوقفوا مشتريات القطن الجديدة من شينغيانغ بسبب قرار مبادرة Better Cotton في العام الماضي، بوقف ترخيص استخدام القطن من المنطقة.

لكن أعلى سلسلة التوريد، كان هناك قدرٌ ضئيل من الشفافية؛ إذ لم يُعلِن إلا القليل من الموردين ما إذا كانوا سيلتزمون بالعقوبات أم لا، وكيف سيلتزمون بها.

الصين تدافع عن منتوجها
من جانبها، نشرت وسائل الإعلام التي تسيطر عليها الحكومة الصينية تقارير متفائلة عن حصاد القطن، مع إشارات خفية من حين لآخر عن مشكلات الصناعة. قالت رابطة القطن الرسمية الصينية، هذا الشهر، إنَّ شينجيانغ كان لديها محصول وافر من القطن العام الماضي، لكنها أشارت إلى أنَّ بعض المصانع “ليس لديها خيار” سوى استخدام القطن الأجنبي، دون تفسير أسباب ذلك.

تعكس بيانات التجارة الرسمية في الصين آثاراً مختلطة للعقوبات. فقد ارتفعت واردات الصين من القطن بنسبة 16.7% العام الماضي، وكانت الولايات المتحدة والبرازيل والهند أكبر المُورِّدين. في حين انخفضت صادرات البلاد من الملابس الجاهزة بمعدل 6.4% على أساس سنوي، لكن صادرات جميع المنسوجات ارتفعت بنسبة 9.6 %.

لفت تقرير في مجلة China Textile Times، التي تديرها الحكومة الصينية، في سبتمبر/أيلول، إلى أنَّ الدولة زادت من واردات القطن “لخفض المخاطر المرتبطة بصادرات المنسوجات الولايات المتحدة”.

تأثير إيجابي على القطن الأمريكي
في هذا السياق، قال هيبي باريير، سمسار القطن في شركة Avondale Futures في ناشفيل، إنَّ الحظر ربما ساهم في زيادة الطلب على القطن الأمريكي في الأشهر الأخيرة، وزيادة أسعار القطن العالمية، من 81 سنتاً للرطل (0.45 كيلوغرام) في منتصف يناير/كانون الثاني إلى أكثر من 90 سنتاً في الأسبوع الماضي. لكنه نوه بأنَّ الطقس السيئ في العديد من مناطق زراعة القطن ساهم أيضاً في انخفاض المعروض ورفع الأسعار.

رجَّح هوانغ، من اتحاد المنسوجات التايواني، أنَّ الصين تستخدم القطن المُستورَد لتلبية طلبات صناعة الولايات المتحدة، وتنقل قطن شينغيانغ إلى أسواق أخرى.

كما قال إن السوق العالمي كبير جداً. ففي الواقع، لم تنخفض صادرات المنسوجات الصينية في العام الماضي، بل إنَّ المبيعات إلى الولايات المتحدة هي فقط التي تأثرت.

عربي بوست