السياسية:
تقرير: نجيب هبة

تمارس الإدارة الأمريكية الجديدة ضغوطاً قوية ضد ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ، كان آخرها إعلان أن الرئيس بايدن سيتواصل مع الملك سلمان شخصياً وليس مع ولي العهد ، كما تحدثت الإدارة الجديدة عن نيتها الإفراج عن تقرير للاستخبارات حول مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي ، والحديث عن إمكانية الإفراج عن ولي العهد السعودي السابق محمد بن نايف.

تغيير في السياسة الأمريكية في التعامل مع السعودية ربما يحصر بن سلمان المتهور في زاوية ضيقة ولا يستبعد أن يعيده إلى مكانه الصحيح ويطيح به من منصب ولاية العهد..

ستؤدي هذه الضغوطات إلى تغييرات متسارعة في آليات تعامل المملكة مع بعض الملفات والقضايا الإقليمية وذلك محاولة لإرضاء الحليف الأمريكي وتقليل الخسائر التي ستلحق السعودية من هذا التغير قدر الإمكان، وبالفعل بدأت المحاولات السعودية بإطلاق سراح بعض السجناء السياسيين ، ومحاولة إعادة ضبط العلاقات مع بعض الدول الإقليمية..

تهميش بن سلمان

ففي هذا السياق.. نشرت صحيفة “الغارديان” البريطانية تقريرا لمراسلتها في واشنطن ستيفاني كيرتشغاسر، قالت فيه إن إدارة الرئيس جو بايدن ترغب بتهميش ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.. مشيرة لتوقعات الإدارة الحالية من السعودية تغيير نهجها في تحول عن سياسة دونالد ترامب الذي منح ولي العهد الاهتمام وكال له المدائح.. وقالت إنها ستحجم من التواصل مع محمد بن سلمان.

وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض جين ساكي هذا الأسبوع إن بايدن سيحدد الاتصالات مع الملك سلمان لا ولي العهد وذلك في إطار إعادة ضبط العلاقات مع السعودية.

وهنا يطرح سؤالاً حول ما إذا كانت هذه التصريحات مجرد توبيخ رمزي أو أنها تعبر عن تطور أكثر أهمية وأن الولايات المتحدة تحاول الضغط على الملك سلمان لتغيير ولي عهده؟

حيث اعتبر معهد بروكينجز للأبحاث ، أن ولي العهد السعودي السابق، محمد بن نايف، هو “البديل الفعال لولي العهد الحالي محمد بن سلمان لحكم السعودية مستقبلاً”.

وطالب المعهد الأمريكي ، في تقرير له، إدارة بايدن بالضغط على الرياض لإطلاق سراح محمد بن نايف المعتقل منذ سنوات في أحد سجون بن سلمان.

وجاءت هذه الدعوة بعد أيام من كشف مصادر رفيعة المستوى، عن ضغوط أمريكية جديدة تمارس على محمد بن سلمان من أجل الإفراج عن جميع المعتقلين من الأمراء والسياسيين.

وقال معهد بروكينغز ، إن محمد بن نايف لم يحتجز لجريمة ارتكبها وإنما لأنه يمثل مشكلة لولي العهد محمد بن سلمان.. واصفاً بن سلمان بأنه “متهور وخطير”.

ويرى المعهد، أن “تبني إدارة بايدن قضية محمد بن نايف قد يكون خطوة غير عادية”.. وحسب التقرير “يجب أن تكون مهمة عاجلة بالنظر لمساهماته الكبيرة في الأمن الأمريكي، ولأن حياته في خطر كبير”.

ونوه التقرير، إلى “إنقاذ ولي العهد السعودي السابق لحياة عشرات، إن لم يكن مئات من الأمريكيين وهزيمته لتنظيم القاعدة”.

السعودية كدولة منبوذة

وفي تعليق على التصريحات الواردة من البيت الأبيض، قال المحلل السابق في المخابرات الأمريكية والزميل في معهد بروكينغز، بروس ريدل، إن “بايدن يرسل رسالة واضحة إلى العائلة السعودية الحاكمة أنه طالما بقي محمد بن سلمان وليا للعهد، فستتم معاملة السعودية كدولة “منبوذة”.

وأضاف “لا أعرف ما تفكر به الإدارة ولكن النتيجة الأفضل (للسعودية) هي إزاحته ويمكنه التقاعد في قصره بباريس”.

وبالربط بين الرغبة الأمريكية بالتواصل مع الملك شخصياً ، وما ورد في تقرير معهد بروكيغنز؛ حول إمكانية عودة محمد بن نايف وليا للعهد باعتباره المفضل لدى الإدارة الأمريكية ، فهو الأقرب إلى رؤيتها الأمنية والسياسية في الإقليم.. لايستبعد أن تعمل الإدارة الأمريكية بشكل مباشر من أجل الإطاحة ببن سلمان وإعادة بن نايف إلى ولاية العهد.

وقالت ميشيل دان، مديرة برنامج الشرق الأوسط في مؤسسة كارنيغي للسلام ، إن “إدارة بايدن تحاول إرسال عدة رسائل وفي وقت واحد، وهناك إشارة جديدة الآن وهي أن الإدارة لم تعد داعمة لمحمد بن سلمان. وسواء كان هذا من خلال استخدام التأثير على ترتيبات الخلافة، لا أعرف. ولكنهم ربما كانوا يحاولون إبعاد أنفسهم قليلا”.

بن سلمان متورط في مقتل خاشقجي

وأضافت أن “مظاهر قلق إدارة بايدن ذهبت أبعد مما ورد في تقييم المخابرات الأمريكية وهو أن محمد بن سلمان متورط شخصيا في مقتل خاشقجي”. وتابعت “كل العالم سيواجه مشكلة لو تولى محمد بن سلمان العرش لأننا شاهدنا تهوره وقسوته”.

وقال سيث بندر، الذي يعمل في برنامج الديمقراطية للشرق الأوسط إنه لا يعتقد أن إدارة بايدن لم تستهدف محمد بن سلمان بعينه، وأضاف “ما يحاولون تقديمه هو أن محمد بن سلمان يظل فردا وليس كل البلد وخلافا لما يحاول بن سلمان تصويره على أنه كل السعودية، وفكرة كونه مصلحاً يحاول نقل السعودية إلى العصر الجديد ليست صحيحة”.

ويأتي الموقف الأمريكي في وقت يحضر فيه المسؤولون الأمنيون للإفراج عن تقييم وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) حول مقتل الصحافي جمال خاشقجي في 2018 ودور ولي العهد السعودي.. ويتوقع نشر التقييم الذي يكشف عن دور بن سلمان في جريمة مقتل صحافي “واشنطن بوست” بداية الأسبوع المقبل.

دوافع ودلالات التغيير الأمريكي

من جانبها ، قالت وكالة سبوتنيك الروسية إن “إعلان إدارة بايدن أن أول تواصل له مع المملكة سيتم عبر الإتصال مع الملك، يعكس تغييرا مفاجئا للسياسة التي كان ينتهجها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، والذي كان صهره ومستشاره الكبير جاريد كوشنر مقربا من ولي العهد السعودي”.

وعلق نك روبرتسون، مراسل شبكة “سي إن إن” على هذه الخطوة، بالقول “إن هناك عددا من الأمور على المحك، وهناك أيضا قضايا سعودية تستدعي إعادة تقييم العلاقة”.

واعتبر المحلل السياسي إعلان البيت الأبيض بمثابة إشارة واضحة بأن “هذا (الوضع بين إدارة ترامب ومحمد بن سلمان) ليس ما سيكون عليه المستقبل”.. مضيفاً “إنه تجاهل علني بطريقة ما، لكنني لا أعتقد أن البيت الأبيض قد يتعرض للخداع، من خلال الاعتقاد بأنه إذا قام الرئيس بايدن بالتحدث إلى الملك سلمان بدلا من ابنه، فإن الابن لن يعرف ماذا قيل أو لن يكون لديه رأي حول كيفية استجابة الملك”.

وأكد أن الملك سلمان هو من منح ولي العهد هذه السلطة، لقيادة الرؤية الجديدة للبلاد، مضيفا أنه يعتقد أن هذا “يخبرنا أمرا مهما بالنسبة لكيفية تخطيط الرئيس بايدن لبناء حلفاء في جميع أنحاء العالم”.

“هذا مكانك”..

صحيفة “نيزافيسيمايا غازيتا” الروسية قالت أن الولايات المتحدة تعود إلى البروتوكول المألوف في العلاقات الثنائية مع السعودية، وفي مقال تحت عنوان “الولايات المتحدة تشير إلى ولي العهد السعودي أين مكانه” للكاتب إيغور سوبوتين ، أشار إلى أن الرئيس السابق دونالد ترامب كان قد طور علاقات وثيقة غير رسمية مع ولي العهد السعودي ، وجعل المملكة أحد العناصر المركزية لسياسته في الشرق الأوسط.

ووفق الصحيفة، فإن ولي العهد ، الذي يشبه الحاكم الفعلي للبلاد ويعد واضع معظم مبادرات المملكة القمعية ، لم يبلغ والده حتى عن العديد من القرارات التي اتخذت بالتنسيق مع الولايات المتحدة.

وفي محادثة مع وكالة “بلومبرغ” قال آرون ديفيد ميللر، الذي عمل مستشارا للتسوية في الشرق الأوسط لدى عدد من وزراء الخارجية ، أن “هذه محاولة لمحاصرة محمد بن سلمان، الذي تعده الإدارة متهوراً وعديم الرحمة”.

وحسب الصحيفة الروسية، فالسؤال يبقى كيف سيفسر ولي العهد محمد نفسه المسألة.. وأضاف الكاتب “ما يمكن قوله على وجه اليقين إنهم سيحاولون قطع الطريق أمام محاولات بن سلمان استخدام قنوات اتصال غير رسمية في عهد بايدن”.

ضربة قوية لبن سلمان

وفي ذات السياق، قالت شبكة “سي إن إن” الأمريكية، إن تصريحات المتحدثة باسم البيت الأبيض، بشأن موعد الحديث بين الرئيس جو بايدن والعاهل السعودي بالضبط كانت بمثابة “ضربة قوية” لولي العهد السعودي.

وحسب الشبكة، فإنه “سواء أكان ذلك عودة للالتزام ببرتوكول صارم، أم خطوة مقصودة، لترتيب ومكانة محمد بن سلمان، فإن هذه الخطوة تعكس رفض بايدن العلني للحاكم”.. مشيرةً إلى أن “بايدن وعد خلال حملته الانتخابية بجعل السعودية “منبوذة””.

وأضافت سي ان ان ” دبلوماسيا، تشير بساكي إلى نهاية العلاقة الحميمة التي تمتع بها محمد بن سلمان في عهد دونالد ترامب”.. مشيرةً إلى أن “تجاوز المسؤولين الأمريكيين الجدد لمحمد بن سلمان علناً يعد أمراً محرجاً لا يستطيع ولي العهد السعودي إخفاءه”.

وفي محاولة لتغيير صورة المملكة لدى الرأي العام الأمريكي، تعمل الإدارة السعودية على توظيف جماعات ضغط عالية التكلفة في الولايات المتحدة، مثل مجموعة “لارسون شناهان سليفكا” التي وقعت عقداً بقيمة 1.5 مليون دولار أميركي مع السفارة السعودية في 2019.

وذكرت صحيفة “لابرس” الكندية ، أن “مجموعة الضغط استعانت بمصادر خارجية في مهام فريق استراتيجية الساحة الذي يتخذ من ويسكونسن مقرا له, مثل إبلاغ الجمهور والمسؤولين ووسائل الإعلام بأهمية تعزيز العلاقات القوية بين الولايات المتحدة والسعودية”، وذلك وفقا لوثيقة عامة اطلعت عليها وكالة الصحافة الفرنسية.

هذه المحاولات السعودية لإعادة تلميع صورة بن سلمان المتضررة كثيراً ، يبدو أنه لن يكتب لها النجاح ، خاصة بعد ارتباط اسم بن سلمان بكثير من الجرائم الإنسانية داخلياً وخارجياً ، والتي تأتي في مقدمتها جرائم العدوان ضد الإنسانية في اليمن ، وجريمة مقتل الصحفي جمال خاشقجي العابرة للحدود ، وجرائم اعتقال وتعذيب المنافسين والمعارضين السعوديين .