بعد إنهاء الدعم للسعودية هناك.. هل سيضع بايدن النهاية أخيراً لحرب اليمن الكارثية؟
السياسية:
أثار إعلان الرئيس الأمريكي جو بايدن إنهاء الدعم الأمريكي الهجومي لحملة التحالف بقيادة السعودية في اليمن عدداً من الأسئلة حول شكل إنهاء هذا الدعم وتبعاته النهائية على الحرب. وأعرب بايدن عن دعمه لجهود الأمم المتحدة للوصول لهدنة باليمن، متعهداً بزيادة دعم واشنطن الإنساني والعمل الدبلوماسي لإنهاء الصراع المستمر منذ 5 سنوات.
لكن على الرغم من الإعلان، الذي احتفى به المُشرِّعون والجماعات الإنسانية والناشطون المناهضون للحرب، لا تزال تفاصيل الموقف الأمريكي الجديد غير واضحة. فما هي “العمليات الهجومية” والأسلحة المتعلقة بها التي تحدث عنها بايدن؟ ومع إعادة تأكيد الإدارة الأمريكية التزامها بأمن المملكة، إلى أي مدى سيذهب هذا الدعم فيما يتعلق بالصراع في اليمن؟
وعلَّق حسن الطيب، مدير التشريعات لسياسة الشرق الأوسط في مؤسسة The Friends Committee on National Legislation: “نحن بحاجة حقاً إلى مزيد من الوضوح، والمطلوب هو إجابات من وزارة الدفاع ووزارة الخارجية”.
فيما قال نبيل خوري، دبلوماسي أمريكي سابق خدم في اليمن من 2004 إلى 2007، إنَّ القنابل التي يمكن استخدامها في اليمن تبدو جزءاً من مبيعات الأسلحة “المرتبطة” بالصراع، التي ينوي بايدن وقفها. وفي يناير/كانون الثاني، أوقفت الولايات المتحدة بيع الذخائر للسعودية، التي كان ترامب قد صرح ببيعها خلال الأسابيع الأخيرة من إدارته.
وقال خوري إنَّ سحب الدعم اللوجيستي الأمريكي يمثل ضربة للجهود الحربية للمملكة، التي تكافح بالفعل لتحقيق تقدم ضد الحوثيين. وأضاف لموقع Middle East Eye البريطاني: “إذا اتخذ السعوديون قراراً بمواصلة غضّ الطرف عن الإجراء الأمريكي، فسيتعين عليهم الحصول على الإمدادات من مكان آخر. وهذا ممكن لكنه معقد لأنَّ الطائرات الأمريكية تحتاج في تعبئتها إلى ذخيرة ومعدات أمريكية الصنع”.
وردد سيث بيندر، مسؤول المناصرة في منظمة Project on Middle East Democracy غير الربحية، تصريحات خوري، قائلاً إنَّ نفاد الذخائر قد يعرقل جهود المملكة في الحرب.
وصرح بيندر لـ MEE: “لديهم بالتأكيد مخزون من الأسلحة يُمكِّنهم من الاستمرار لفترة قليلة. لكن بالأساس، إذا علموا أنَّ الولايات المتحدة لن تعيد إمدادهم عسكرياً، فسيؤثر ذلك في كيفية تنفيذ العمليات”.
عرقلة حرب السعودية في اليمن
إضافة إلى ذلك، هناك بعض أجزاء الأسلحة التي قد تبدو ضئيلة الأهمية، لكنها حيوية في عمل الأسلحة. يقول حسن الطيب: “إذا لم يكن لدى (التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات) تدفق ثابت لقطع الغيار، والصيانة والدعم الفني، فلن يتمكنوا من مواصلة هذه الحرب”.
ومع ذلك، فإنَّ اللغة المُستخدَمة في الإعلان تثير تساؤلات حول نوع الأسلحة التي سيُسمَح باستمرار بيعها للمملكة بموجب الإرشادات الجديدة، مع الأخذ في الاعتبار أنَّ بعض الأسلحة يمكن اعتبارها ذات طبيعة “هجومية” و”دفاعية” على حد سواء.
وفي تصريح لـ MEE، قالت أنيل شيلين، الباحثة في معهد كوينسي بواشنطن: “يبدو أنَّ إدارة بايدن تعمَّدت استخدام كلمة العمليات العسكرية الهجومية استخداماً غامضاً من أجل إعطاء الولايات المتحدة مجالاً للمناورة في المستقبل”.
وأضافت: “العديد من أنظمة الأسلحة ليس من السهل تصنيفها على أنها هجومية أو دفاعية بالتأكيد؛ لذلك يمكن للولايات المتحدة بيع ما تعتبره سلاحاً دفاعياً ليستخدمه السعوديون في أغراض هجومية”.
وبعد قرار واشنطن حول حرب اليمن، أكدت الإدارة الأمريكية أنها بصدد مراجعة شاملة للعلاقات الاستراتيجية مع السعودية. وقالت إدارة بايدن، الجمعة 12 فبراير/شباط 2021، إن الرئيس الأمريكي لم يضع أي خطط للاتصال بولي عهد السعودية الأمير محمد بن سلمان، وفق ما أعلنت عنه جين ساكي، المتحدثة باسم البيت الأبيض، وهي التصريحات التي تأتي بالتزامن مع قرار الرئيس الأمريكي الجديد تعيين مبعوث باليمن من أجل الدفع نحو حل دبلوماسي.
ومنذ وصول بايدن إلى البيت الأبيض، كشفت إدارته عن سياسة جديدة تجاه السعودية، شملت إنهاء الدعم الأمريكي للحرب في اليمن، إضافة إلى تعليق صفقات أسلحة مع الرياض.
ففي إفادتها اليومية للصحفيين، قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض: “من الواضح أن ثمة مراجعة لسياستنا تجاه السعودية، وليست هناك مكالمة مخطط لها مع ولي العهد السعودي، أنا على علم بها”.
وفي وقت سابق، شدد بايدن على أنه سيجعل المملكة “تدفع الثمن” مقابل انتهاكات حقوق الإنسان، و”يجعلها في الواقع منبوذة مثلما يجدر بها”، لكن إن كان بايدن يريد أن يجعل السعودية منبوذة الآن، فإنَّها منبوذة مُقرَّبة.
فبينما أعلن بايدن، الخميس الفائت وفاءه بالالتزام الذي قطعه خلال حملته الانتخابية، بإنهاء الدعم الأمريكي لحملة القصف السعودية المستمرة منذ 5 سنوات في اليمن، يعكس نهجه تعقيد العلاقات الأمريكية السعودية، ففي حين يتخذ بايدن نهجاً أكثر صرامة من أسلافه، يُقِرُّ هو وفريقه للسياسة الخارجية بأنَّ الولايات المتحدة لا يمكنها أن تسمح للعلاقات بالانهيار، ويرون أهمية الحفاظ على مجالات علاقة عسكرية وأمنية وفي مكافحة الإرهاب، وهي مجالات يُنظَر إليها باعتبارها حيوية لأمن كلا البلدين، بحسب تحليل لوكالة Associated Press الأمريكية.
إذ قالت وزارة الخارجية الأمريكية في رسالة عبر البريد الإلكتروني رداً على أسئلة من وكالة أسوشييتد برس: “ستتعاون الولايات المتحدة مع السعودية حين تتلاقى أولوياتنا، ولن نتحاشى الدفاع عن المصالح والقيم الأمريكية حين لا تتلاقى”.
هل تلجأ السعودية لخيارات أخرى كي تستمر بالحرب في اليمن؟
من جهته، يقول نبيل خوري، إنَّ المملكة السعودية لديها أسلحة ومعدات بريطانية، لكن يظل الدعم الأمريكي حاسماً لتنفيذ العمليات في اليمن. واستبعد فكرة لجوء الرياض لطلب المساعدة من الصين أو روسيا. وأوضح: “سيكون هذا تحولاً في كل شيء، المعدات والتكتيكات والتدريبات. وهو شيء لا يمكنك إنجازه بين عشية وضحاها”.
وأضاف خوري أنه لن يكون من المنطقي استمرار الرياض في الحرب “صعبة بالفعل” بدون الدعم الأمريكي، خاصة أنَّ البيت الأبيض يُدقِّق حالياً في سجل السعودية الحقوقي.
وأكد: “إذا كنت ستعارض إدارة بايدن بشأن إنهاء الحرب في اليمن وعلى جبهة حقوق الإنسان الداخلية والمصالحة مع إيران، حسناً، فأنت على الأرجح تقضي على العلاقة بأكملها”.
بايدن يناور حول “الأمن السعودي”
جاء إعلان بايدن عن إنهاء الدعم الأمريكي لجهود السعودية الحربية في اليمن مع تأكيدات على أنَّ واشنطن ستظل ملتزمة بأمن المملكة. وتعهد الرئيس الأمريكي، في الأسبوع الماضي: “سنواصل مساعدة السعودية ودعمها في الدفاع عن سيادتها وسلامة أراضيها وشعبها”.
وفي هذا الصدد، لفت الطيب إلى أنَّ مساعدة السعوديين في موقف دفاعي لا يُظهِر أنَّ إدارة بايدن ملتزمة تماماً بإنهاء حرب اليمن؛ بالنظر إلى أنَّ واشنطن استغلت ذلك سابقاً لتبرير مساعدتها العسكرية. وقال: “جزء من حجتنا للانخراط في الحرب في المقام الأول كان المساعدة في الدفاع عن السعودية”.
ومن جانبها، أعلنت الإدارة الأمريكية أنها ستنهي المساعدة غير القتالية المحدودة التي تقدمها لعمليات التحالف، بما في ذلك مشاركة المعلومات الاستخبارية.
ومع ذلك، قال قائد القيادة المركزية الجنرال كينيث ماكنزي – أعلى جنرال أمريكي رتبة في الشرق الأوسط – خلال جلسة افتراضية، يوم الاثنين 8 فبراير/شباط، إنَّ الولايات المتحدة ستواصل تقديم معلومات استخباراتية إلى الرياض عندما يتعلق الأمر بمنع الهجمات على المملكة القادمة من اليمن.
وأضاف الجنرال ماكنزي، خلال الجلسة التي استضافها مركز أبحاث Middle East Institute: “على مدى الأسابيع العديدة الماضية، تعرضت المملكة العربية السعودية لعدد من الهجمات القادمة من اليمن. سنساعد السعوديين في التصدي لتلك الهجمات من خلال تزويدهم بمعلومات استخبارية متى أمكننا ذلك بشأن تلك الهجمات”.
فيما قال خوري إنَّ تأكيدات واشنطن للسعودية ستساعد في تهدئة الخوف من أن يؤدي إنهاء الحرب في اليمن إلى هجمات إيرانية على المملكة، مشيراً إلى أنَّ للولايات المتحدة بالفعل بصمة عسكرية كبيرة في المنطقة.
وأضاف: “إنَّ التورط السعودي بأكمله في اليمن مدفوع جزئياً بجنون العظمة لأنهم يعتقدون أنَّ إيران تتدخل وتستولي على اليمن، وهو ما لا يوجد دليل عليه”.
الجهود السياسية لإنهاء الحرب
استهل بايدن إعلانه في الأسبوع الماضي بتصريح واضح، قائلاً: “هذه الحرب يجب أن تنتهي”. وبجانب إنهاء الدعم الأمريكي للحرب السعودية، عيَّن الرئيس الأمريكي تيموثي ليندركينغ، وهو دبلوماسي محترف لديه سنوات من الخبرة في الشرق الأوسط، مبعوثاً خاصاً لليمن.
وهنا، قال سيث بيندر: إنَّ التوقف عن دعم التحالف السعودي يعزز العملية الدبلوماسية من خلال ترسيخ موقف واشنطن باعتبارها “وسيطاً مستقلاً”.
بدوره، أكد خوري أنَّ الدفعة الدبلوماسية الأمريكية لا تعتمد فقط على الكلمات؛ فقد دعت الإدارة السابقة مراراً إلى إنهاء الصراع دون اتخاذ إجراء. وأوضح: “الأمر لا يتعلق بكلمة الرئيس فحسب، بل حقيقة أنه اتخذ هذه الخطوات من البداية”.
ومع ذلك، أقرّ الدبلوماسي السابق بأنَّ إنهاء الصراع لن يكون مهمة سهلة. لكن مع زيارة المبعوث الأممي غريفيث لإيران الأسبوع الماضي، وإعلان الولايات المتحدة دعمها الكامل لوقف إطلاق النار، قد تخف الضغوط الدولية التي تديم الصراع.
وقال خوري: “إنها صورة معقدة لكن إذا أردت تبسيطها فسأقول: يتعين على ثلاث كتل رئيسية تتصارع على السلطة تسوية خلافاتها والاتفاق على صيغة مستقبلية. هذا هو الجزء الأصعب”. وأضاف: “لكن قبل أن تصل إلى هذا الجزء عليك أن تحل الجوانب الدولية والإقليمية من القضية”.
عربي بوست