السياسية:

هل يفي بايدن بوعده بجعل السعودية تدفع ثمن مقتل خاشقجي؟ إدارته سترفع السرية عن تقارير القضية/ عربي بوست
في محاولةٍ لتجنُّب أزمةٍ مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، ترسل السعودية إشاراتٍ بأنها مستعدةٌ للتعاون بشأن اليمن وإجراء تحسيناتٍ على ملف حقوق الإنسان، الذي تتعرض الرياض بسببه لانتقادات شديدة.

وسلَّط حدثان وقعا الأربعاء 10 فبراير/شباط، الضوء على تلك الجهود. الحدث الأول يتمثَّل في إطلاق سراح الناشطة البارزة بمجال حقوق المرأة، لجين الهذلول، التي قادت النضال للسماح للمرأة السعودية بقيادة السيارات، والثاني لقاء وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، بالمبعوث الأمريكي الجديد لليمن، تيم ليندركينغ.

أفرجت المملكة عن لجين، إحدى أبرز الناشطات النسويات بالبلاد، من السجن الأربعاء 10 فبراير/شباط 2021، في أوضح مؤشِّرٍ حتى الآن على أن قادة المملكة يتَّخِذون خطواتٍ لتهدئة شكاوى الرئيس بايدن بشأن حقوق الإنسان.

وكانت الهذلول (31 عاماً)، من بين أبرز الوجوه التي تعرَّضَت للقمع السعودي المستمر ضد المدافعين عن حقوق الإنسان والمعارضين ونشطاء المجتمع المدني. وأثار سجنها، الذي استمر 1001 يوم، وادِّعاءاتها بأنها تعرَّضَت للتعذيب، ضجةً دولية.

مجيء بايدن والتدقيق في ملف حقوق الإنسان

ويأتي إطلاق سراحها من السجن في وقتٍ تواجه فيه السعودية شكوكاً متزايداً، إن لم يكن عداءً، في واشنطن، بعد انتخاب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة، وبعد سيطرة الديمقراطيين على مجلس الشيوخ.

واشتهرت الهذلول بالحملات التي أطلقتها من قبل، من أجل حقِّ المرأة في قيادة السيارات، وإلغاء قوانين الولاية السعودية، التي تتطلَّب من المرأة موافقة أحد أهلها الذكور على القرارات الكبرى في حياتها، ومن ضمنها التعليم والسفر.

معلناً عودة بلاده إلى دور “القيادة”.. بايدن يكشف خطته “القوية” حول السياسة الخارجية الأمريكية/ رويترز
ورحَّبَ الرئيس بايدن بالإفراج عن الهذلول، وقال خلال تصريحاتٍ في البنتاغون: “لقد كانت مدافِعةً عن حقوق المرأة، وإطلاق سراحها هو الشيء الوحيد الصحيح الذي ينبغي فعله”.

وكانت محكمة استئناف سعودية قد خفضت، الشهر الماضي (يناير/كانون الثاني)، عقوبة سجن وليد فتيحي، وهو مواطن أمريكي سعودي أسَّس مستشفى بارزاً بالمملكة. وفي وقتٍ سابق من الشهر نفسه، أُفرِجَ عن اثنين آخرين من مزدوجي الجنسية بانتظار المحاكمة.

حرية منقوصة

ورغم هذه الخطوات، لم تقضِ المحاكم السعودية ببراءة الهذلول وآخرين، ولا تزال الهذلول وغيرها يخضعون لقيودٍ صارمة تمنعهم من مغادرة المملكة، بينما يضغط نشطاء حقوقيون من أجل رفع هذه القيود بالكامل.

وفي الصور التي نشرتها شقيقتها، بدت الهذلول هزيلةً، وتظهر على رأسها خصلةٌ من الشعر الأبيض. وقالت عائلتها سابقاً إنها نُقِلَت إلى سجنٍ سري وتعرَّضَت لانتهاكات، من ضمنها التعذيب والتحرش الجنسي والضرب والصعق بالصدمات الكهربائية، وأشرف على بعض هذه الانتهاكات سعود القحطاني، أحد كبار مستشاري وليّ العهد. ونفى مسؤولون سعوديون تقارير عن تعذيب السجناء.

وحكمت محكمةٌ سعودية، في ديسمبر/كانون الأول، على الهذلول بالسجن لمدة خمس سنوات وثمانية أشهر، لكنها علَّقت جزءاً من عقوبتها، مِمَّا شمل الوقت الذي أمضته فعلياً في السجن، وتضمن إطلاق سراح سريعاً نسبياً، وهو ما فُسِّرَ على نطاقٍ واسع، بأنه لفتةٌ إلى إدارة بايدن التي لم تكن قد دخلت البيت الأبيض بعدُ آنذاك.

وعلى مدار أربع سنوات، استفادت المملكة السعودية من وجود حليفٍ مُقرَّب، وهو الرئيس السابق دونالد ترامب، الذي دافَعَ بقوةٍ عن المملكة أثناء تعرُّضها لانتقاداتٍ واسعة بسبب الانتهاكات. لكن بايدن تعهَّدَ بإعادة تقييم العلاقة، وأن حقوق الإنسان عنصرٌ رئيسي في هذا التقييم.

وقال طه الحاجي، المحامي السعودي والمستشار القانوني للمنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان: “منذ سنوات، كان هناك ضغطٌ مستمر على السعودية. كان هناك ضغطٌ من وسائل الإعلام الدولية، لكن المملكة كانت تعتمد على إدارة ترامب في دعمها”.

وتابع: “أنا واثقٌ بأن التغيير في الإدارة الأمريكية زاد الضغط كثيراً”.

إصلاح النظام القضائي.. خطوة جديدة

وقد تكون الخطوة المهمة التي اتَّخذها وليُّ العهد السعودي في نهاية المطاف، هي الإعلان يوم الإثنين 8 فبراير/شباط، عن إصلاحاتٍ قانونية وقضائية كبرى ستؤسِّس القانون المدني في البلاد للمرة الأولى، إضافة إلى الاحتكام إلى الشريعة الإسلامية.

وقال وليّ العهد: “أدَّى عدم وجود تشريعات واجبة التطبيق إلى تناقضاتٍ في القرارات وانعدام الوضوح بالمبادئ التي تحكم الحقائق والممارسات”. وأضاف: “كان هذا مؤلماً لعديد من الأفراد والأسر، خاصةً النساء، مِمَّا سَمَحَ للبعض بالتهرُّب من مسؤولياتهم”.

ويبدو توقيت الإعلان كأنه إشارة إلى إدارة بايدن، لكن حتى الآن لم تُعالَج بعض أبرز المطالب التي أثارها بايدن خلال حملته الرئاسية، ومن ضمنها المساءلة عن مقتل الكاتب الصحفي السعودي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، وعن العدد الكبير من الضحايا المدنيين الذين راحوا ضحية الحملة العسكرية بقيادة السعودية في اليمن.

اليمن.. محاولة لوقف نزيف الدم

أما الحدث الآخر الذي وقع الأربعاء، فهو لقاء وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، في الرياض، مع المبعوث الأمريكي الجديد لليمن، تيم ليندركينغ.

خلال الحملة الانتخابية لبايدن، أكَّد الرئيس الأمريكي أنه لن يبيع أسلحةً للسعوديين، ووَعَدَ بـ”نبذهم”. والآن وهو في منصبه، جمَّد صفقة أسلحة مع المملكة السعودية، وأعلن وقف الدعم الأمريكي للعمليات الهجومية في اليمن، وتراجَعَ عن تصنيف دونالد ترامب للمتمرِّدين الحوثيين اليمنيين باعتبارهم جماعةً إرهابية.

ولم ينتقد السعوديون الخطوات التي اتَّخَذها بايدن علناً، ويحاولون التماشي مع الواقع الجديد، من خلال محادثاتٍ خاصة مع الإدارة الأمريكية.

وانتَهَزَ نائب وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان، شقيق وليّ العهد والمُقرَّب منه، الخط الإيجابي في خطاب السياسة الخارجية الأخيرة لبايدن، والذي قال فيه إن الولايات المتحدة ستساعد المملكة السعودية في الدفاع عن نفسها.

وفي غضون ذلك، رحَّبَ فيصل بن فرحان، بتعيين ليندركينغ، على الرغم من تحوُّل بايدن إزاء اليمن. وقالت وزارة الخارجية السعودية إنهما بحثا، الأربعاء، سُبُل إيجاد حلٍّ سياسي للأزمة.

وتحدَّث وزير الخارجية، توني بلينكن، إلى فيصل بن فرحان يوم الجمعة، بعد أن تحدَّثَ بالفعل إلى عديد من وزراء الخارجية العرب. وشدَّد في الاتصال، على ضرورة أن يتَّخِذ السعوديون خطواتٍ بمجال حقوق الإنسان وإنهاء الحرب في اليمن.

عربي بوست