السياسية – رصد:

قد يكون من السّهل على الإدارة الأميركية الديمقراطية التي أعطت الضوء الأخضر لتحالفها لشن العدوان على اليمن أن تعطي الضوء الأحمر لإيقافه، ولا سيما بعد فشلها الذريع عسكرياً، ولكن سيكون من المستحيل على الإدارة الأميركية فرض حلول سياسية لا تتسق مع معطيات الواقع الجديد الذي فرضته صنعاء، فما لم يتمكّن تحالف العدوان من تحقيقه على مدار 6 سنوات مستخدماً آلته العسكرية المدمّرة وجحافل المرتزقة وفرض حصار شامل، سيكون من المستحيل عليه تحقيقه عبر الوسائل السياسية والدبلوماسية.

مثّل الدفاع عن النظام السعودي جوهر إعلان الحرب على اليمن، وكذا إعلان إيقافها، فما طرحه الرئيس بايدن من توجه لوقف الحرب على اليمن مع الالتزام بالدفاع عن النظام والشعب السعودي، لا يختلف كثيراً عن طرح إدارة الرئيس السابق أوباما التي شنّت العدوان على اليمن في العام 2015 بدعوى الدفاع عن السعودية وشعبها الّذي لم يطله منه أي أذى، فكم عدد المدنيين السعوديين الذين قتلوا أو جرحوا جراء العمليات العسكرية التي قامت بها قوات صنعاء رداً على جرائم التحالف السعودي-الأميركي؟ فيما كان ما تدعيه الإدارة الأميركية من دفاعها عن السعودية وشعبها على حساب تدمير اليمن وحياة آلاف المدنيين اليمنيين الذين سقطوا كشهداء أو جرحى جراء الصواريخ والقنابل الأميركية التي طالتهم في الأسواق والمدارس والمستشفيات والطرقات، إضافة إلى حصار الملايين ومنع دخول الغذاء والدواء والمشتقات النفطية، والتسبّب بأسوأ كارثة إنسانية، كل ذلك بدعوى الالتزام بالدفاع عن النظام السعودي وحماية شعبها!

وبذلك، يكون الرئيسان بايدن وأوباما وجهين لسياسة أميركية واحدة، وإن صح توجه إدارة الرئيس بايدن لتصحيح مسار السياسة الخارجية الأميركية لإدارة ترامب، إلا أن هذا المسار الجديد يبدو متسقاً مع المسار الذي تبنته الإدارة الديمقراطية للرئيس السابق أوباما التي عمل فيها بايدن كنائب للرئيس.

لم يمتلك النظام السعودي أكثر من ترحيبه بإعلان الرئيس بايدن العمل على إيقاف الحرب على اليمن، إذ يوفر هذا التوجه مخرجاً للنظام السعودي من مستنقع اليمن الذي استنزفه عسكرياً واقتصادياً وسياسياً، ويمر هذا النظام اليوم بمرحلة هي الأضعف منذ تأسيس المملكة، فهو مهزوم عسكرياً ومتعسر اقتصادياً، وأصبح ذا سمعة سيئة سياسياً، كما يمتلك سجلاً قذراً حافلاً بأسوأ انتهاكات حقوق الإنسان تجاه مواطنيه وارتكاب أبشع الجرائم الإنسانية بحق الشعب اليمني، مقدماً بذلك أسوأ نموذج للسقوط القيمي والأخلاقي في التاريخ الحديث للبشرية.

كما أنّ التزام بايدن بدفاع الولايات المتحدة عن السعودية جاء معبراً عن عمق علاقات التحالف بين الطرفين، ومراعياً لظروف المهمة المحورية الحالية الموكلة إلى النظام السعودي في قيادة المنطقة نحو عملية التطبيع مع العدو الإسرائيلي، وتسخير طاقاته وعلاقاته لدفع الدول العربية والإسلامية إليها، وتحويله الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي إلى مجرد مظلة لشرعنة التطبيع، إضافة إلى جهوده في عملية بناء تحالف جديد في المنطقة بقيادة “إسرائيل” لاستهداف محور المقاومة، عبر سياسة الاحتواء والتطويق وملء الفراغ الناجم عن التوجه الأميركي إلى تقليص تواجده العسكري المباشر في المنطقة.

أصبحت مصداقية الالتزام الأميركي بحماية السعودية وأمنها محل تشكيك، فصنعاء، وفي إطار انتقالها إلى مرحلة الردع الاستراتيجي، أثبتت أن لا ضمان لأمن السعودية إلا بأمن اليمن، وما الضربات بالصواريخ الباليستية والطيران المسير على الأهداف العسكرية والحيوية في العمق السعودي سوى شاهد يدحض مزاعم الحماية الأميركية، ويؤكد ضعف كفاءة منظومة دفاعات الباتريوت في التصدي لتلك الضربات، كضربة “أرامكوا”، عصب الاقتصاد السعودي، التي أوقفت أكثر من نصف الإنتاج السعودي من النفط.

كما أن الحدود السعودية المترامية مع اليمن شاهد آخر على الانكشاف الأمني وهاجس سعودي مؤرق، لكونه ورقة بيد صنعاء التي أثبتت قواتها قدرات وتكتيكات عسكرية فائقة للتوغل في العمق السعودي، إذ يروي منظر حطام الكثير من دبابات الأبرمز ومدرعات البرادلي الأميركية المتناثرة في العمق السعودي بطولات مقاتل يمني لا يقهر، فالخسائر السعودية في العديد والعتاد تتجاوز الإحصائيات المعلنة بأضعاف كبيرة، إلى درجة يبدو معها أن الرياض باتت تخشى أن تفرض القدرات العسكرية المتنامية لصنعاء واقعاً جغرافياً وسياسياً جديداً مستقبلاً.

توجه إدارة بايدن إلى إلغاء تصنيف مكون “أنصار الله” كمنظمة إرهابية لا يعدو كونه انتصاراً للمصالح الأميركية، بعيداً عن أكذوبة الوضع الإنساني الكارثي وتأثر عمل المنظمات الدولية وتدفق المساعدات إلى شعب محاصر منذ 6 سنوات بقرار أميركي، فقرار التصنيف الذي يعد مخالفاً لمعايير التصنيف الأميركية للمنظمات الإرهابية، والذي قوبل برفض وتحفظ دولي، جاء في إطار القرارات الارتجالية غير المدروسة والكيد السياسي لإدارة الرئيس ترامب المهزوم في الانتخابات الرئاسية ضد الإدارة الجديدة لبايدن.

كما أن إلغاء التصنيف سيسمح للمبعوث الأميركي الخاص إلى اليمن تيم ليندركنج، المعين مؤخراً، بالتواصل مع حكومة صنعاء التي يقودها مكون “أنصار الله”، والتي يقع تحت إدارتها 70% من سكان اليمن، كما يعكس تعيينه مبعوثاً خاصاً عدم وضوح الرؤية المفصلة للإدارة الأميركية في تعاملها مع الملف اليمني، ويثير التساؤلات عن طبيعة مهمة المبعوث الجديد في ظل وجود البريطاني مارتن غريفث كمبعوث أممي لليمن وجهوده التي أفشلتها دول تحالف العدوان.

صنعاء وسقف التنازلات لإحلال السلام

تضمّن خطاب بايدن دعم الولايات المتحدة للوقف الفوري لإطلاق النار في اليمن من قبل مختلف الأطراف وفتح قنوات العمل الإنساني، وهو الأمر الذي لا بد من أن يرافقه صدور قرار دولي من مجلس الأمن، يدعو إلى رفع الحصار الشامل غير المبرر وإعادة فتح مطار صنعاء الدولي وميناء الحديدة، ويستوعب المعطيات الجديدة، ويمهد لخوض المفاوضات، وهو المحك الحقيقي الذي يترجم الدعم الأميركي الذي أكده بايدن.

وفي الوقت الذي أصبح تحالف العدوان بقيادة النظام السعودي، وكذا المجتمع الدولي، أكثر استيعاباً للمعطيات الجديدة التي فرضتها صنعاء عسكرياً وسياسياً، ما تزال عقلية الرئيس المنتهية ولايته هادي وحكومته الضحلة رهينة مرجعيات أضحت غير قابلة للتطبيق لإحلال السلام في اليمن، كقرار مجلس الأمن الدولي رقم (2216) ومحادثات الكويت، أو المرجعيات التي تستند إلى الوضع قبل العام 2015.

كما أن توجه الأمم المتحدة إلى إشراك المزيد من الأطراف الداخلية في عملية المفاوضات التي تقودها، يهدف إلى تعقيد الوضع من خلال خلق اعتراف بحقوق ومصالح غير مشروعة لتلك الأطراف الجديدة، كالمجلس الانتقالي الجنوبي الذي يطالب بتمثيله في المفاوضات بوفد يمثل توجهاته الانفصالية، الأمر الذي سيصعب عملية التوصل إلى اتفاق نهائي.

صنعاء التي رحّبت بشكل حذر بالتوجه الأميركي تؤمن بأن إنهاء العدوان والحصار وتحمّل دوله مسؤولية عدوانها وجرائمها التي ارتكبتها في اليمن، إضافة إلى التزامها بإعادة إعمار ما دمرته وتقديم التعويضات وجبر الضرر، هو المدخل المنصف لأي مشروع سلام ينعم به اليمن وجيرانه، كما تؤكد صنعاء أن الشعب اليمني هو صاحب الكلمة الفصل في أي اتفاق سلام في اليمن من خلال الاستفتاء عليه، ولن تسمح بتمرير أي مشاريع تتحدى إرادة الشعب اليمني مثل التقسيم أو الانفصال، ولا سيما أنها تنتهك قرارات مجلس الأمن الدولي التي تؤكد وحدة اليمن.

التوجّه الأميركي المباشر نحو صنعاء يمكن قراءته بأنه توجه استراتيجي لتجزئة ملفات المنطقة، لمحاولة تحقيق اختراق أكبر في كل ملف على حدة، مع محاولة استغلال وجود أي نوع من تقاطع المصالح بين مختلف الملفات، وإن صح مثل هذا التوجه، فالربط أو فك الارتباط بين الملف اليمني والملف النووي الإيراني على سبيل المثال لن يضعف الموقف التفاوضي لصنعاء أو طهران، وسيصطدم بالمواقف الثابتة والمستقلة.

ختاماً، ستظل صنعاء تمد يد السلام العادل والمشرف الذي يلبي تطلعات ملايين اليمنيين. ورغم أنها لا تثق بالإدارة الأميركية الجديدة ومصداقية قراراتها المتأخرة لإنهاء العدوان والتوجه نحو جهود إحلال السلام في اليمن، فإنها تتعامل بإيجابية مع دعوات السلام بغض النظر عن مصدرها، مع إيمانها بأن الصمود واستكمال استعادة ما تبقى من مناطق محتلة في مأرب والحديدة وتعز وبقية المناطق اليمنية هما الرهان الحاسم لوقف العدوان وطموحاته في الالتفاف على مشروع العزة والحرية والاستقلال.

لذا، فهي تخوض معركة النفس الطويل التي سينتصر فيها اليمنيون، بإذن الله، بأصالتهم وثقافتهم وحضارتهم الضاربة جذورها في أعماق التاريخ على أولئك الأعراب الطارئين على التاريخ وأسيادهم الأميركيين الطارئين على المنطقة.

* المصدر: الميادين نت

* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع.