لماذا سيخسر المغرب اقتصادياً أكثر مما سيكسب من التطبيع مع إسرائيل؟
السياسية:
بعد توقيع المغرب وإسرائيل في 22 ديسمبر/كانون الأول 2020 بالرباط، أربع اتفاقيات على هامش توقيع اتفاق استئناف العلاقات بين البلدين برعاية أمريكية، تطرح تساؤلات عديدة حول حسابات الربح والخسارة في العلاقات الاقتصادية بين الطرفين، بعد نحو 6 عقود من المد والجزر في العلاقات المغربية الإسرائيلية.
أربع اتفاقيات اقتصادية على هامش التطبيع المغربي الإسرائيلي
الاتفاقيات الأربع الموقعة على هامش أول زيارة لوفدين إسرائيلي وأمريكي عبر رحلة جوية مباشرة بين تل أبيب والرباط، بالمجال الاقتصادي والتجاري والسياحي، بحسب بيان لوزارة الخارجية المغربية.
الاتفاقية الأولى مرتبطة بالإعفاء من إجراءات التأشيرة بالنسبة لحاملي الجوازات الدبلوماسية وجوازات الخدمة؛ بينما الثانية مذكرة تفاهم في مجال الطيران المدني، والثالثة مذكرة تفاهم حول “الابتكار وتطوير الموارد المائية”.
وتنص الاتفاقية الرابعة على إنعاش العلاقات الاقتصادية بين البلدين، من خلال التجارة والاستثمار، إضافة إلى التفاوض حول اتفاقيات أخرى تؤطر هذه العلاقات.
في السياق قال رئيس البعثة الإسرائيلية في المغرب، دافيد غوفرين، الثلاثاء 2 فبراير/شباط 2021، خلال استقباله في الرباط، إن “حجم الأنشطة والتعاون بين المغرب وإسرائيل أصبح أكبر وأوسع بكثير مما كان عليه قبل 20 عاماً”.
ومن جانبه قال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن “رئيس هيئة الأمن القومي الإسرائيلي، ووزير الخارجية المغربي، اتفقا على تشكيل فِرَق عمل، ستعمل على التوصل إلى اتفاقيات تعاون بين البلدين في العديد من المجالات ومنها الاستثمارات والفلاحة والمياه والبيئة والسياحة والعلوم والابتكار والطاقة”.
العلاقات الاقتصادية بين الرباط وتل أبيب.. ما الذي تغير؟
يرى الخبير الاقتصادي المغربي، نجيب أقصبي أنه “إلى يومنا هذا ليست هناك علاقات اقتصادية رسمية بين المغرب وإسرائيل”. وتساءل خلال حديث مع الأناضول: “ما هي المعطيات الجديدة التي يمكن أن نستند عليها للتنبؤ بالربح والخسارة؟.. اليوم هناك مشاورات واتصالات فقط، لا وجود لاتفاقية مبرمة كما هو متعارف عليه دولياً، والذي تم توقيعه في الرباط مجرد توجهات عامة وإعلان عن حسن نوايا”.
وزاد: “الكل يعرف أن هناك معاملات تجارية بين المغرب وإسرائيل، لكنها غير معلنة”، مشدداً على أنه “بالنسبة للفلاحة مثلاً، فمنذ بداية الثمانينات كانت هناك علاقات تعاون، وكان المغرب يستورد منتجات إسرائيلية”.
من جهته، يرى الاقتصادي المغربي المهدي أوفقير، أنه “من السابق لأوانه الحديث عن علاقات اقتصادية إسرائيلية مكتملة الأركان، فالمسألة لم تتجاوز بعد طابعها السياسي والسيادي”.
وأضاف أوفقير: “بالنظر للظروف الحالية يصعب الحديث عن أفق العلاقات الاقتصادية بين البلدين.. لننتظر قليلاً، وربما تكون إشارات سياسية قوية، قد تدفع إلى حلحلة أكبر”. وزاد الخبير المغربي: “يجب أن نتجنب الاعتقاد بوجود علاقات اقتصادية كاملة بالنظر للبعد الجغرافي، وقد لا تتجاوز العلاقات نقل الخبرات في بعض المجالات”.
حسابات الربح والخسارة لاتفاق التطبيع
حول سؤال الربح والخسارة، يرى أقصبي أنه “عملياً وحين نقوم بالمقارنة، نجد أنفسنا أمام اقتصادين مختلفين تماماً، الاقتصاد الإسرائيلي يمثل كمياً ما يمثل أربع مرات الاقتصاد المغربي”.
وتابع: “الناتج الداخلي الإسرائيلي يبلغ حوالي 400 مليار دولار، والناتج الداخلي للمغرب يصل 115 مليار دولار.. نصيب الفرد من الناتج الداخلي 40-45 ألف دولار في إسرائيل، وفي المغرب 3000 دولار”.
واعتبر الخبير الاقتصادي أن “هذه المؤشرات تؤكد أنه إن كانت هناك علاقات اقتصادية بين الطرفين، فنحن أمام نموذج بلد متقدم يتعامل مع بلد متخلف”، حسب تعبيره.
مضيفاً: “إن نظرنا إلى بنية صادرات إسرائيل وبنية صادرات المغرب، نلاحظ مع الأسف أن إسرائيل لديها ما تصدره للمغرب، وأن المغرب ليس لديه ما يصدره لإسرائيل، وبالتالي سيصبح سوقاً لإسرائيل ليس إلا”. مشيراً إلى أن إسرائيل لها صادرات ذات قيمة مضافة عالية معرفياً وعلمياً، ولها قيمة تجارية مهمة، وسيميل ميزان الربح لصالحها.
الخسارة الأكبر والربح المتوهم للمغرب
من جهته، ذهب عمر الكتاني، الأستاذ الجامعي بجامعة محمد الخامس في الرباط (حكومية)، إلى القول في حديث للأناضول، بأن “الخسارة أهم من الربح بالنسبة للمملكة المغربية”. وتابع: “المغرب سيخسر أولاً مبدأ عدم الاعتراف بالكيان الصهيوني، والربح هو اعتراف أمريكا بالصحراء، وهو مرتبط بالإنزال الاقتصادي والسياسي وربما العسكري في البلد”.
وزاد الكتاني: “الربح الاقتصادي من اتفاق التطبيع سيكون بسيطاً جداً بالنسبة للمغرب، ولكن فيه نوع من الغرور ونوع من الاعتقاد بأن استثمارات كبيرة ستصل إلى الصحراء المغربية.. لكن لا أثق في الربح المتوقع، والدليل أنه حين حدث تعاون مغربي إسرائيلي منذ عقود في المجال الفلاحي، استوردنا مرضاً خبيثاً أصاب الطماطم المغربية”.
وأضاف الأكاديمي المغرب: “ما زالت الطماطم المغربية تعاني من المرض الخبيث الذي صدَّره إلينا الكيان الصهيوني منذ سنوات، وخسرنا بسببه عدة أسواق في الخارج”.
في السياق يقول نجيب أقصبي: “إن كان قدرنا أن نُستغل من طرف دول الشمال، فعلى الأقل يحدث ذلك مع الدول التي ليس لنا معها مشكلة سياسية، أوروبا أو أمريكا”. وتابع: “لا أقول إن الإمكانيات منعدمة لكنها غير متوازنة إلى حد كبير، وأسس عدم التوازن في العلاقة تظهر الآن.. الأهم ألا نتوهم بعلاقة اقتصادية مربحة للمغرب مع إسرائيل، لأنه محكوم علينا من خلال الوقائع أن تكون التجارة مع إسرائيل علاقة ممول وزبون”.
مضيفاً: “يقولون السياحة ستنتعش، طبعاً ممكن وهو موجود من قبل، لكن الذي سيقع اليوم هو تسهيل تنقل الإسرائيليين إلى المغرب، كان يسافر 70 ألف إسرائيلي إلى المغرب وقد نصل إلى رقم 200 ألف”.
وبدأ المغرب علاقات مع إسرائيل على مستوى منخفض عام 1993، بعد توقيع اتفاقية “أوسلو” بين منظمة التحرير الفلسطينية وتل أبيب، لكن الرباط جمدت تلك العلاقات عام 2002، في أعقاب اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية (انتفاضة الأقصى).
وفي 22 سبتمبر/أيلول 2000، زار المغرب رجال أعمال إسرائيليون، يمثلون 24 شركة متخصصة في التقنيات الزراعية، بدعوة من غرفة التجارة والصناعة والخدمات في الدار البيضاء.
وبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين، عام 1999، حوالي 50 مليون دولار، وزار المغرب في ذلك العام نحو 50 ألف إسرائيلي، وفق مكتب الاتصال الإسرائيلي في المملكة. وأصبح المغرب رابع دولة عربية توافق على التطبيع مع إسرائيل، خلال 2020، بعد الإمارات والبحرين والسودان. كما يرتبط الأردن ومصر باتفاقيتي سلام مع إسرائيل، منذ 1994 و1979 على الترتيب.
* موقع “عربي بوست”