السياسية:

خسر تحالف رئيس مجلس نواب طبرق في شرق ليبيا عقيلة صالح، ووزير داخلية حكومة الوفاق في الغرب فتحي باشاغا، رئاستي المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية المؤقتة، خلال الجولة الأخيرة من انتخابات ملتقى حوار ليبيا بقيادة الأمم المتحدة في جنيف، أمام تحالف محمد المنفي وعبدالحميد الدبيبة، وهو ما سيقلب المشهد الليبي رأساً على عقب.

ما الذي حدث للمشهد السياسي في ليبيا؟

في تصويت أشبه بـ”العقابي”، حصل تحالف عقيلة- باشاغا، في الجولة الثانية من التصويت، على المرتبة الثانية بـ34 صوتاً من إجمالي 73 عضواً في ملتقى الحوار شاركوا في التصويت (46.6%)، بالرغم من فوزهم في الجولة الأولى بـ25 صوتاً، التي احتلوا فيها المرتبة الأولى بين 4 قوائم.

لكن في الجولة الأخيرة حصلت قائمة المنفي والدبيبة على المرتبة الأولى في الجولة الأخيرة بـ39 صوتاً (53.4%)، وبفارق 5 أصوات عن القائمة المنافسة، ما يعطيها الشرعية لقيادة البلاد خلال المرحلة الانتقالية التي تنتهي في 24 ديسمبر/كانون الأول 2021، بعد انتخاب رئيس وبرلمان جديدين.

وقبل ذلك يتوجب على رئيس الحكومة المكلف عبد الحميد الدبيبة، تشكيل حكومته خلال 21 يوماً، وإذا لم يمنح البرلمان ثقته للحكومة خلال مدة محددة ينتقل الأمر إلى ملتقى الحوار.

من هم قادة ليبيا الجدد؟

القائمة الفائزة بقيادة السلطة التنفيذية الجديدة في ليبيا تتشكل من أربعة أعضاء، أولهم محمد المنفي (45 عاماً)، رئيس المجلس الرئاسي الجديد الذي سيخلف فايز السراج.

وآخر منصب تولاه المنفي هو سفير حكومة الوفاق الوطني الليبية لدى اليونان منذ 2018 إلى نهاية 2019، عندما طلبت منه أثينا مغادرة أراضيها احتجاجاً على توقيع طرابلس اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع تركيا.

وانتخب المنفي، في 2012، عضواً في المؤتمر الوطني العام (البرلمان التأسيسي) بعد الثورة، ثم عضواً في المجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري) نهاية 2015، بعد التوقيع على الاتفاق السياسي. والمنفي حاصل على درجة الدكتوراه من كلية الهندسة في جامعة طبرق (شرق).

أما رئيس الحكومة المكلف عبدالحميد الدبيبة، فهو رجل أعمال معروف في مدينة مصراتة، التي تملك أقوى الكتائب في الغرب الليبي الداعمة، التي كانت داعمة لحكومة الوفاق، والمدعوم من قوى التيار المدني، وعلى رأسهم عبدالرحمن السويحلي، الشخصية النافذة في مصراتة، والرئيس السابق للمجلس الأعلى للدولة، وخال أحمد معيتيق، نائب رئيس المجلس الرئاسي الحالي.

ورغم أن خصومه يحاولون ربطه بنظام معمر القذافي، لسابق صلة به، فإن الدبيبة ينفي انتماءه لهذا التيار، ويؤكد على المصالحة بين الليبيين مهما اختلفت أطيافهم.

النائب الثاني لرئيس المجلس الرئاسي الجديد عبدالله اللافي، نائب في مجلس النواب عن مدينة الزاوية، التي تمتلك إحدى أقوى كتائب الغرب الليبي، ولعبت دوراً رئيسياً في حماية العاصمة طرابلس من هجوم ميليشيات الشرق بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر. 

ويرتكز مشروع اللافي السياسي على تحقيق الأمن والاستقرار، ثم التوجه إلى المصالحة، وتوسيع دائرة المشاركة السياسية والدفع بدماء جديدة، والالتزام بمخرجات الحوار السياسي.

أما موسى الكوني فهو العضو الوحيد من بين 9 أعضاء في المجلس الرئاسي المنتهية ولايته، الذي سيحافظ على منصبه نائباً لرئيس المجلس، رغم أنه استقال منه في 2017، بعدما ترك مقولته المشهورة “الكل يحكم ولا أحد يسيطر”، للدلالة على صراعات أعضاء المجلس دون أن تكون لهم سلطة فعلية على الأرض.

والكوني من الشخصيات السياسية النافذة لدى قبائل الطوارق، المنتشرة في الجنوب الغربي، خاصة بمدينتي أوباري وغات بالقرب من الحدود مع الجزائر.

ماذا يعني فوز المنفي والدبيبة بقيادة السلطة التنفيذية في ليبيا؟

أهم خطوة تحققت بانتخاب المنفي والدبيبة هي توحيد السلطة التنفيذية، المقسمة بين الغرب والشرق، وتولي سلطة جديدة قيادة البلاد، بعد حل بقية الأجسام الموازية.

وبشكل أدق فإن المجلس الرئاسي المنتخب المشكل من 3 أعضاء (المنفي واللافي والكوني) سيخلف المجلس الرئاسي الذي يقوده السراج، والمشكّل من 9 أعضاء، 4 منهم إما استقالوا أو جمدوا نشاطهم.

كما أن الحكومة التي يترأسها السراج أيضاً ستقدم استقالتها، ليتولى الدبيبة تشكيل حكومة جديدة دون أن يكون عضواً في المجلس الرئاسي.

في الشرق سيكون عبدالله الثني، رئيس ما يسمى الحكومة المؤقتة، غير المعترف بها دولياً، مجبراً على حل حكومته، وتسليم كامل سلطاتها لحكومة الوحدة بقيادة الدبيبة، وتوحيد السلطة التنفيذية سيساعد بشكل أساسي على توحيد جميع المؤسسات الرئيسية مثل البنك المركزي والمؤسسة الوطنية للنفط.

لكن توحيد مؤسسة الجيش ستكون المهمة الأصعب، وقد تتطلب وقتاً أطول، والتي تحاول لجنة 5+5 العسكرية حلها برعاية الأمم المتحدة.

أما المهمة الرئيسية لحكومة الوحدة الوطنية وللمجلس الرئاسي الجديد فتتمثل في تهيئة الظروف المناسبة لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في موعدها المحدد، خلال مدة قصيرة لا تتجاوز 10 أشهر.

لماذا خسر تحالف عقيلة- باشاغا في هذا السباق؟

رغم أن قائمة عقيلة وباشاغا ضمت أسماء وازنة على الأرض، على رأسها أسامة الجويلي، قائد المنطقة الغربية في الجيش الليبي، وأحد قادة كتائب الزنتان (غرب) الذين أنقذوا العاصمة طرابلس من السقوط بيد ميليشيات حفتر، بالإضافة إلى عبدالمجيد سيف النصر، السفير السابق لدى الرباط، فإن خسارتها كانت متوقعة.

إذ صوّت 61% من أعضاء ملتقى الحوار الـ75 على إقصاء مَن تولوا مناصب سابقة من الترشح لعضوية السلطة التنفيذية، بهدف قطع الطريق على عقيلة صالح بالذات، لكن هذا الشرط سقط لأنه لم يصل إلى العتبة المقررة بـ75% من الأصوات.

لذلك كان من الصعب على عقيلة الوصول إلى رئاسة المجلس الرئاسي دون تجاوز عقبة 61% الرافضة لأي دور له في مستقبل ليبيا، بعد دعمه الصريح لهجوم ميليشيات حفتر على طرابلس.

لجأ عقيلة للمناورة والضغط عبر قبائل برقة الداعمه له وبعض رؤساء بلديات الشرق، وأصرّ على أن ينتخب كل إقليم من الأقاليم الثلاثة (طرابلس وبرقة وفزان) مُمثِّله، وكاد ذلك أن ينسف الحوار السياسي برمته.

وتمكن ملتقى الحوار من تجاوز هذا الإشكال بعد تشكيله لجنة استشارية من 18 عضواً، توصلت إلى مقترح واقعي وشامل حقق توافقاً واسعاً، تضمن انتخابات على ثلاث مراحل.

لكن عقيلة فشل في حسم الجولة الأولى التي تشترط عليه الحصول على 70% من أصوات إقليم فزان (23 شاركوا في التصويت)، رغم حصوله على المرتبة الأولى بقرابة 40% من الأصوات. وتم الانتقال إلى الجولة الثانية على القوائم والتحالفات، والتي تشترط 60% من الأصوات لحسمها.

وتحالف عقيلة مع باشاغا، المدعوم من حزب العدالة والبناء (إسلامي) الذي فاز مرشحه خالد المشري (رئيس مجلس الدولة) على المرتبة الأولى في المنطقة الغربية بـ8 أصوات من إجمالي 37 (21.6%)، ومع سيف النصر، الذي حل أولاً في المنطقة الجنوبية بـ6 أصوات من إجمالي 14 (قرابة 43%). وانسحب المشري لصالح الجويلي، لضمان عدم تقسيم الأصوات وتعزيز فرص فوز باشاغا ومن معه.

ونجح هذا التحالف في حصد 25 صوتاً من إجمالي 73 صوتاً، محتلاً بذلك المرتبة الأولى بنسبة تزيد عن 34% من الأصوات أمام أربع قوائم منافسة، لكن ذلك لم يكن كافياً لحسم الجولة الثانية، ما تطلب الاحتكام إلى جولة ثالثة وفاصلة لا تشترط سوى 50% +1، ولا يتنافس فيها سوى الفائزين الأول والثاني.

كانت معركة سياسية حاسمة ومصيرية، ولم يكن تحالف “عقيلة وباشاغا والجويلي وسيف النصر” يفصلهم عن الاحتفال بالنصر سوى 12 صوتاً، فكل المعطيات كانت معهم؛ فلديهم قوات على الأرض، ودعم قوي داخل البرلمان ومجلس الدولة، ومن قبائل وأحزاب، فضلاً عن دعم دولي.

شيء واحد كان عقيلة وباشاغا يخشيانه، أن يتحالف خصومهما ضدهما، وهذا ما حدث بالضبط، فرغم حصولهم على 9 أصوات إضافية في الجولة الأخيرة، فإن تحالف المنفي الدبيبة واللافي والكوني ظفر بـ19 صوتاً إضافياً، وحسم المعركة بـ39 مقابل 34. فتحالف عقيلة وباشاغا لم يخسر المعركة الانتخابية لقوة المنافس، بل لتوحد خصومهما ضدهما.

وإن كان عقيلة صالح خسر رئاسة المجلس الرئاسي بسبب شخصيته “الجدلية”، ودوره في تقسيم البرلمان ودعمه للمشاريع الانقلابية لحفتر، وخاصة هجومه على طرابلس، فإن باشاغا ضيّع فرصة قيادته للحكومة لعدم قراءته الجيدة للمشهد السياسي داخل ملتقى الحوار، رغم أن مؤشراته كانت واضحة منذ الاجتماع الأول في تونس.

إذ كان هناك رفض لعقيلة صالح داخل ملتقى الحوار، خاصة من المنطقة الغربية التي تملك 50% +1 من إجمالي المصوتين (73 صوتاً)، ومع ذلك استمر باشاغا في التحالف معه، رغم أنهما من معسكرين متصارعين، فقط لأن عقيلة يملك نفوذاً في المنطقة الشرقية.

والتحدي في المرحلة المقبلة هو مدى قدرة السلطة التنفيذية الجديدة بقيادة المنفي والدبيبة على توحيد البلاد وإنهاء المرحلة الانتقالية، عبر انتخابات رئاسية وبرلمانية قبل نهاية 2021، أم أن عقيلة وحليفه حفتر سينجحان مرة ثانية في إجهاض مهمة الحكومة الجديدة لإنقاذ ليبيا من مشروع التقسيم والاحتراب الداخلي.

* موقع “عربي بوست”