السياسية:

شهدت أسعار النفط ارتفاعاً خلال الأسبوع الأخير، بعد رحلة طويلة من استعادة الانتعاش استغرقت عاماً كاملاً، عقب انهيار الطلب عليها في عام 2020. وتجاوز سعر خام غرب تكساس الوسيط مستوى الـ55 دولاراً، واقترب سعر خام برنت من الـ60 دولاراً. وإذا استمرت هذه الانتعاشات -تمثل بعض الحواجز النفسية المهمة للسوق- فستدفع أسعار النفط إلى الأعلى بشكل عام مجدداً، فما التوقعات القادمة؟

ماذا حدث لأسعار النفط؟

معهد النفط الأمريكي أعلن عن تراجع بنسبة تقترب من 4.3 مليون برميل في مخزونات النفط الخام، يوم 2 فبراير/شباط 2021، في وقت كان من المتوقع بناء مخزون نفطي متواضع. وعززت الحركات المنخفضة في مخزونات البنزين ونواتج التقطير هذه الحركة السعرية، حيث أشارت إلى أن مصافي التكرير تسرع من الإنتاج لتلبية الطلب الحالي والمتوقع.

وفي الأسابيع الأخيرة، كانت أسعار النفط مقاومة للبيانات السلبية (مخزون المنتجات الخام والمكررة) واستمرت في الارتفاع. وأدى ارتياح السوق الناتج عن تأكيد الطلب إلى دفع أسعار خام غرب تكساس الوسيط عبر تلك العتبة الحرجة البالغة 55 دولاراً.

يقول موقع Oilprice البريطاني، إذا أكدت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية هذه الخطوة اليوم (هذه التقارير متناقضة في بعض الأحيان)، فإننا نتوقع دفعة أخرى للأعلى في أسعار خام غرب تكساس الوسيط وخام برنت، خاصة إذا كان التأكيد بنسب كبيرة مثل وجود تراجع بنسبة 8-10 ملايين برميل في المخزون النفطي. 

واستمرار ارتفاع أسعار النفط الخام سيحول قريباً وتيرة التباطؤ التي شهدناها في سوق الأسهم النفطية. وعادة ما تكون أسعار الأسهم النفطية منخفضة بنسبة 15-20% عن الارتفاعات الأخيرة، وهو أمر يمثل انفصالاً واضحاً عن القوة الأخيرة في البيانات الأساسية المتعلقة بالنفط.

مخزونات النفط الخام تحقق أدنى انخفاض لها في غضون 5 سنوات

ساهم تراجع الأسبوع الماضي في مخزون النفط بنسبة تقترب من 9.9 مليون برميل في إعادة الرسم البياني للإمدادات إلى المتوسط خلال الـ​​5 سنوات الماضية للمرة الأولى منذ منتصف عام 2020. وهذا الأمر يزيل حاجزاً نفسياً آخر أمام استمرار الارتفاع في أسعار النفط الخام، حيث سيبدأ السوق الآن في تحويل قلقه من تراكم المخزون إلى القلق بشأن تأمين الإمدادات.

ولاحظت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية زيادة في إنتاجية مصافي التكرير للأسبوع الماضي، وهو أمر غير متوقع في هذا الوقت من العام. ومع ذلك، لا نزال بعيدين عن معدل الإنتاج البالغ 2 مليون برميل يومياً، والذي تحقق في العام الماضي. وتعتبر هذه الزيادة مصدر تفاؤل للأسعار لأنها تعني ارتفاع الطلب على مستوى البيع بالتجزئة.

الإنتاج الأمريكي بدأ في الانخفاض

ارتفع إنتاج النفط الخام بفضل عمليات السحب من الآبار المحفورة، لكن غير مكتملة، إلى حوالي 11.0 مليون برميل خلال الشهر الماضي أو نحو ذلك، لكن وعلى الرغم من زيادة مستوى الحفر الجديد فإنه لم يصل إلى المستوى الذي سيعوض معدلات التراجع في الحقول (6-40% سنوياً). وانخفض إنتاج الخام المحلي بمقدار 2.3 مليون برميل يومياً منذ أعلى مستوى له على الإطلاق في مارس/آذار 2020، حيث كان يبلغ 13.1 مليون برميل يومياً.

وخلال هذا الأسبوع، أبلغت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية عن انخفاض متواضع بنسبة 100 ألف برميل يومياً، ليصل معدل الإنتاج إلى 10.9 مليون برميل يومياً. ونظراً لأن هذا الأمر حدث في الولايات الأمريكية الـ48 المتجاورة، كما أشار تقرير إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، فليس من السهل ربط هذا الانخفاض بتراجع إنتاج النفط الصخري. وسيكون لدينا دليل إرشادي إضافي عندما تنشر إدارة معلومات الطاقة الأمريكية تقرير إنتاجية الحفر، الذي من المقرر أن يصدر العدد التالي منه في 16 فبراير/شباط 2021. وتوقع تقرير الشهر الماضي انخفاضاً في حقول النفط الصخري بنحو 89 ألف برميل يومياً، في فبراير/شباط 2021.

التطلع إلى ما تبقى من عام 2021

تتوافر المؤشرات الرئيسية اللازمة لاستمرار ارتفاع أسعار النفط، كما أشرنا حتى الآن. وأحد الأسئلة التي يتعين علينا معالجتها الآن هو ما الذي يمكن أن نتوقعه من حيث التسعير، وما مدى سرعة حدوث ذلك؟

إذ طالب بنك جولدمان ساكس مؤخراً بتسعير خام برنت عند 65 دولاراً حتى حلول منتصف العام. مع الفارق الضيق (2-3 دولارات أمريكية) بين خام برنت وخام غرب تكساس الوسيط في الآونة الأخيرة، فإن هذا من شأنه أن يضع خام غرب تكساس الوسيط في أدنى مستوى له عند 60 دولاراً.

ومن جانبه، قال جيفري كوري، الرئيس العالمي لأبحاث السلع في بنك جولدمان، في مذكرة رافقت التقرير: “مع طرح اللقاحات في جميع أنحاء العالم، تزداد احتمالية حدوث ضغط سريع للسوق اعتباراً من الربع الثاني من عام 2021، حيث يؤكد انتعاش الطلب على قدرة المنتجين على استئناف الإنتاج”.

تراجع كورونا واستمرار ضخ اللقاحات سيعني الكثير لأسعار النفط

أدى ظهور هذا التقرير إلى تحريك توقعات بنك جولدمان لبلوغ السعر 65 دولاراً خلال أشهر تقريباً. ومع النبرة المحافظة لتقارير جولدمان السابقة، فمن المحتمل أن يكون هذا التقرير منحازاً بحرص للجانب المحافظ، ما يعني أن منتصف العام سيوفر بعض القوى الخارجية التي تساعد في نجاح تلك التوقعات. وتتمثل أهم القوى الخارجية الرئيسية ذات الصلة في نشر لقاح فيروس كورونا، واستمرار انخفاض معدلات العدوى الجديدة ومعدلات دخول المستشفى.

وأتوقع أنه حتى مع حدوث زيادة في عمليات الحفر والتكسير، لا ينبغي أن نتوقع تسعيراً مستداماً يزيد عن 60 دولاراً لخام غرب تكساس الوسيط قبل الحصول على تقدير بنك جولدمان لمنتصف العام، نظراً لوجود قوى هبوطية فاعلة قد تؤدي إلى تثبيط الارتفاع.

السعودية وأوبك+.. القوى التعويضية الرئيسية التي قد تخفف من حماس السوق

قدم السعوديون لسوق النفط هدية في أوائل شهر يناير/كانون الثاني 2021، من خلال إعلانهم عن حجب مليون برميل أخرى عن السوق. ومع ارتفاع الأسعار سيكون هناك ضغط داخلي وخارجي من قبل مجموعة أوبك+ لبدء استعادة الإنتاج. 

وهذه الخطوة السعودية لا تنفصل عن إجراءات أوبك+، الأمر الذي يعني أن تلك الخطوات البارعة التي حولت شكل سوق النفط الصاعد بالفعل بشكل غير متوقع كانت دائماً خطوة انتقالية. لذلك مع ارتفاع أسعار النفط تزداد فرص تحول السعوديين وأوبك+ من دعم الأسعار بإنتاج مقيد إلى حماية حصتهم في السوق من المنافسين.

وهذه الخطوة التي نتوقعها بشكل ليس بالبعيد في المستقبل ستعمل على إبطاء انخفاض المخزون، ما سيمنع الأسعار من الارتفاع الحاد للغاية في المستقبل القريب.

وللمضي قدماً، لدينا الصين التي دعمت بمفردها أسعار النفط بمشترياتها الضخمة العام الماضي. وتتفاوت التقديرات، لكن شراء الصين للخام الرخيص العام الماضي قد يعمل على سحب مخزون نفطي يقترب من 300 مليون برميل إذا ارتفعت الأسعار بسرعة كبيرة.

وأخيراً، هناك توقع بأن تُبرم إيران نوعاً من الصفقة مع النظام السياسي الجديد في الولايات المتحدة لاستعادة الإنتاج الكامل. ولا توجد أي إشارات من إدارة بايدن حول مدى سرعة التوصل إلى تسوية مع إيران على جدول أعمال إدارة بايدن. ومع ذلك، فإن إعادة الدخول في الاتفاق النووي الإيراني كانت بمثابة رصاصة انتخابية، لذلك هناك بعض الراحة في الأفق بالنسبة لأسعار النفط.

الارتفاع قادم والطلب على النفط سيتصاعد

على الرغم من عمليات الإغلاق الحالية التي تقيد من حجم الطلب، فإن الطلب على النفط في صعود، فمع تلقي اللقاحات ستزداد أعداد السكان المحصنين ضد الفيروس، ويستأنف النشاط التجاري خلق الطلب على المنتجات البترولية. فطبقاً لتوقعات “إدارة معلومات الطاقة الأمريكية” (EIA) بشأن اتجاه الطلب على منتجات البترول المكررة خلال العامين المقبلين، فإن الأسعار سترتفع بشكل كبير.

وهناك قوى تعزز الميل لارتفاع أسعار النفط أكثر تأثيراً من القوى المعززة للهبوط، ومن المفترض أن يستمر ارتفاع أسعار النفط الخام. النقاط الرئيسية التي تدعم هذا الخلاف هي الانخفاضات في المخزون الذي وثقناه هنا، والطرح الحالي في الإنتاج الجديد إلى أقل من 11 مليون برميل. وإذا استمرت هذه العوامل، كما نتوقع أن تكون بفضل الانتعاش الذي تقوده الانخفاضات في معدلات الإصابة بفيروس كوفيد الجديد، فلن يكون أمام النفط الخام بديل للارتفاع مع تقدم العام.

* موقع ” عربي بوست”