أمريكا تقترب من وقف الحرب باليمن
صلاح السقلدي*
بإعلان الرئيس الأمريكي (جو بايدن) مساء الخميس الـــ 4 من شباط فبراير الجاري عن عزمِ بلادهِ إيقاف مشاركتها في الحرب الدائرة باليمن، وتعيين مبعوثا أمريكا الى اليمن تكون الولايات المتحدة الأمريكية قد شرَعتْ بالفعل بطيّ صفحة الحرب المدمرة باليمن والتي ستدخل عامها السابع بعد أسابيع قليلة واقتربت كثيرا من وقف هذه الحرب إنفاذا لتعهدات انتخابية كان قد أطلقها (بايدن) في غمرة الحملة الانتخابية قبل أشهر متوعدا في ذات الوقت بمعاقبة السعودية على ما تعتبره واشنطن انتهاكات لحقوق الإنسان في المملكة.
-هذا الانسحاب الأمريكي لا يُــمثّــل فقط نكسةً عسكرية للتحالف الذي تقوده السعودية باليمن بل هو رسالة سياسية صريحة وصارمة بامتياز مرسلة من واشنطن للرياض مفادها أن هذه الحرب يجب أن تتوقف فوراً، كما تعني( الرسالة) في الوقت عينه تراجعا أمريكا غير مباشر عن القرار الأمريكي بتصنيف الحركة الحوثية كحركة إرهابية، وأن السياسية الأمريكية في اليمن وفي عموم المنطقة ستكون أكثر تأثيرا ومرونة واقعية قياسيا بحالة الفوضى والتعقيدات والفشل التي تسببت بها إدارة الرئيس السابق ترامب. كما أن هذا الانسحاب يعني دفن فكرة الحسم العسكري وبلوغ صنعاء الذي ظل التحالف يعلنه طيلة ستة أعوام ، وأن التسوية السياسية هي الحل الوحيد للأزمة اليمنية ولقضية جنوب اليمن الشائكة وسائر القضايا الأخرى في هذا البلد المنهك والمدمَّــر.
فقد ظلت السعودية منذ بداية هذه الحرب تراهن على الدور الأمريكي عسكريا وسياسا لتحقيق انتصارا عسكريا على سلطة الأمر الواقع بصنعاء ولكن دون جدوى، برغم الأموال الطائلة التي جنتها واشنطن من الخزائن الخليجية سواء على شكل أموال مباشرة أو صفقات شراء أسلحة، أو رشى مالية نظير مواقف سياسية في المحافل الدولية، حيث شكلت هذه الحرب بالنسبة لترامب سوقا رائجة للسلاح والمعدات الأمريكية.
-على كل حال ليس القوي من يكسب الحرب دائما وإنما الضعيف من يخسر السلام دائما كما يُـقال، فوقف الحرب وانخراط السعودية وحلفاؤها المحليين بمفاوضات سياسية مع الحركة الحوثية لا يعني للرياض للرياض خسارة محضة، خصوصا وقد ظفرتْ بمكاسب كثيرة على الأرض اليمنية، وحققت أهدافا (أطماعا ) كبيرة غير معلنة من هذه الحرب في اليمن لم تكن الرياض تحلم بأن تصير واقعا ملموسا ذات يوم، فيكفي أن نعرف أن السعودية قد أتت على البنية العسكرية والأقتصادية لليمن بشكل كامل، وبذرت في كل أرجائه وفي كل شرائحه المجتمعية والسياسية والفكرية بذور الشقاق والفرقة وأعادت هذا البلد الفقير الى الخلف بمقدار عشرات السنين ككابوس وخطر داهم ظل يؤرقها تاريخيا خشية مِــن تكرار تجربتها المريعة مع العراق( كحالة رهاب فظيعة من الفوبيا اليمنية) ، كما باتت اليوم ترسخ وجودها العسكري في أهم المناطق الاستراتيجية براً وبحراً وجوا، من محافظة المهرة أقصى جنوب شرق وحتى باب المندب، مروراً بعدن وميناءها الحيوي.
أما هدف التحالف المعلن من هذه الحرب ( اعادة الحكومة المعترف بها دوليا الى صنعاء) فيبدو أن السعودية ودول التحالف الأخرى قد صرفت نظر عنه تماما، ليس فقط بسبب صلابة الحركة الحوثية وبأسها القتالي، بل بسبب فشل هذا التحالف بإيجاد قوى عسكرية وجماهيرية وسياسية وقبلية في الشمال يمكن للرياض الوثوق بها لسدِّ الفراغ بالمناطق التي خسرتها الحركة الحوثية،كما ساهم عامل فقدان الثقة بين التحالف والسلطة اليمينة الموالية لها والتي يهمين عليها حزب الإصلاح المحسوب على حركة الإخوان المسلمين المصنفة خليجيا بالإرهاب وتوجس التحالف من أن تصير المناطق أي مناطق قد يخسرها الحوثيين بيد حركة الإخوان، كما شكلت التصدعات الخطيرة التي ضربتْ جدار معسكر حلفاء السعودية المحليين، في الجنوب نقطة ضعف لدى السعودية والتحالف ، ناهيك عن فشل هذا التحالف بتقديم نموذج مُغرٍ بالجنوب وفي حاضرة الجنوب عدن، فالوضع السياسي في أسوأ حالته وكذا الأمني والخدمي والمعيشي، علاوة على الأزمة الصامتة التي تعصف بعلاقة الرياض بأبوظبي بالشأن اليمني وانسحاب القوات الإماراتية من مسرح العمليات العسكرية وترك المملكة تغوص عميقا في رمال اليمن المتحركة.
كل هذه العوامل وغيرها كانت كافية لحمل السعودية على التخلي عن هدف إعادة الحكومة اليمنية الموالية لها الى سدة الحكم في صنعاء، ولصرف نظرها عن فكرة الحسم العسكري وهزيمة الحوثيين، و جعلها أي المملكة تتحدث ولو على استحياء عن رغبتها بوقف الحرب وبإيجاد حل سلمي للخروج من هذه الورطة الكبيرة وتنصاع للرغبة الأمريكية والأممية .
-لا نعتقد أن الدور الأمريكي في اليمن سيتوقف عند موضوع وقف الحرب وتحقيق تسوية سياسية بين الفرقاء اليمنيين والخليجيين، بل سيكون أكثر حضورا وأكثر ديناميكية من أي وقت مضى , وما تعيين مبعوثا أمريكا الى اليمن إلّا دليلا على صحة ما نقوله، فمن المتوقع جداً أن يَطغى دور هذا المبعوث في قادم الأيام على الدور المرتعش والمتعثر الذي يقوم به المبعوث الأممي الى اليمن السيد (مارتن جريفين) لِما لأمريكا من تأثير وسطوة كبيرة على كل القوى المحلية المتصارعة باليمن وعلى الدور الخليجي هناك، ولِما لسياسة العصا والجُــزرة الأمريكية من مفعول السحر عند كل القوى اليمينة والخليجية على السواء، كما أن هذا الدور سيظل الى ما بعد أية تسوية مرتقبة،ولا نستبعد أن يتعاطى الحوثيون بإيجابية وبأكثر انفتاحا مع هذا الدور الأمريكي، خصوصا وأن الرئيس بايدن في نظر الحركة الحوثية يمثل أقل سوءاً وأقل همجية وغطرسة من سلفه ترامب، وأكثر خصومة للسعودية( العدو اللدود للحركة الحوثية)، كما أن من شأن أي وفاق أمريكي إيراني بخصوص الملف النووي الإيراني أن يعزز من ثقة الحركة الحوثية بالدور الأمريكي ويعكس نفسه إيجابا على الوضع في اليمن.
* صحافي من اليمن- عدن
* المصدر : رأي اليوم
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع