السياسية:

بعد الانقلاب العسكري الذي نفذه الجيش في ميانمار على الحكم المدني، باعتقال كبار قادة الدولة، على رأسهم الزعيمة أون سان سوتشي التي فاز حزبها بأغلبية ساحقة في انتخابات رفض نتائجها قادة الجيش مؤخراً، تُطرح تساؤلات عديدة عن مستقبل أقلية الروهينغا وغيرها من الأقليات المضطهدة في البلاد، لاسيما أن الجيش البورمي الذي تُحركه قيادة متطرفة ودموية، ينتهج منذ عقود اضطهاد الروهينغا بشكل أساسي، وارتكاب الفظائع بحقهم.

الأقلية الأكثر تعرضاً للقمع في العالم.. لماذا كل هذا الاضطهاد للروهينغا؟

منذ وقت طويل، انتهج الجيش في ميانمار بالإضافة إلى مجموعات بوذية متطرفة، قمع وتهجير الأقلية المسلمة الروهينغا، حيث تقول التقارير الأممية إن الروهينغا هم الأقلية العرقية الأكثر تعرضاً للقمع في العالم.

وتعاني أقلية الروهينغا المسلمة منذ عقود في ميانمار، التي كانت تسمى بورما سابقاً، من الاضطهاد والقتل، في البلد الذي يدين في غالبيته بالبوذية، وتعيش فيه أقليات مختلفة قد تصل إلى 130 أقلية.

وتنحدر أقلية الروهينغا من منطقة أراكان أو راخين الأخصب في البلاد، على حدود بنغلاديش المسلمة. وهذا ما يفسر اختلاف ديانتهم عن بقية بورما. فيما تقول روايات تاريخية أخرى إن الروهينغا ينحدرون من الجنود أو التجار العرب والأتراك والمغول، الذين وصلوا المنطقة في القرن الخامس عشر.

وعلى ادعاءات بأن الروهينغا قدموا مع المستعمر البريطاني للبلاد، اعتمدت الحكومات العسكرية في ميانمار، وخاصة حركة 969 القومية البوذية المتطرفة اضطهاد الأقلية المسلمة، واعتبارها من بقايا الاستعمار. لكن من الواضح أن أزمة الروهينغا تعود إلى أربعينيات القرن الماضي، بعد أن قام المستعمر البريطاني بتحريض البوذيين وتسليحهم، للتوجه إلى منطقة راخين والتعرض للمسلمين هناك.

في عام 1982 قام القائد العسكري ني وين بتجريد الروهينغا من جنسيتهم وأبقاها لنحو 130 أقلية داخل ميانمار، ما جعل الكثير من سكان الروهينغا عديمي الجنسية في وطنهم التاريخي. حيث لجأ العسكر إلى حيلة مفادها أن الشعوب التي كانت قبل الاحتلال البريطاني في 1823 هي الوحيدة التي تملك حق الجنسية، وذلك بالرغم من وجود آثار للروهينغا المسلمين في بورما منذ قرون طويلة.

ومنذ العام 2017، بدأت الاضطهادات وعمليات القتل ضد الروهينغا المسلمين لترك أراضيهم وزراعتهم، بل إن الأمم المتحدة توثق عمليات القتل إلى بداية العام 2000. وقال تحقيق أجرته الأمم المتحدة إن جيش ميانمار ارتكب “أخطر الجرائم بموجب القانون الدولي” في عمليات في ولايات راخين وكاشين وشان منذ 2011، داعياً إلى التحقيق مع كبار المسؤولين العسكريين وملاحقتهم قضائياً بتهمة الإبادة الجماعية وجرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب.

وبحسب تقارير، لجأ أكثر من 900 ألف من الروهينغا إلى بنغلاديش المجاورة ، أو ركبوا القوارب باتجاه إندونيسا وماليزيا، هرباً من حملة التطهير العرقي التي شنها جيش ميانمار. بينما لا يزال يعيش نصف مليون من الروهينغا المتبقين في ولاية راخين في ظروف بائسة، ويخضعون لعنف الحكومة والسكان المتطرفين، ويعيشون في عزلة كاملة عن العالم.

وواجهت السلطات العسكرية في ميانمار إدانة دولية متزايدة للفظائع التي ارتكبها الجيش، حيث  فرض الاتحاد الأوروبي وكندا والولايات المتحدة وأستراليا عقوبات على عديد من مسؤولي قوات الأمن، كما تم إنشاء آلية لجمع الأدلة من طرف “مجلس حقوق الإنسان” التابع للأمم المتحدة، عن الجرائم الخطيرة وإعداد ملفات القضايا لإجراء المحاكمات، ومع ذلك تقول منظمة هيومن رايتس ووتش إن الإجراءات الحاسمة للمساءلة بقيت حبراً على ورق.

أدت هيمنة العرق الأكبر في البلاد، وهو البرمان أو شعب “بامار”، الذي تبلغ نسبته 40% من السكان البالغ عددهم 48.7 مليون نسمة، على بقية الأقليات إلى حدوث قلاقل عديدة، وقد أثمرت عملية سلام تدريجية عن التوصل لمسودة وقف إطلاق النار عام 2015.

وهناك أقليات عديدة مضطهدة في ميانمار، لكن ليس بمستوى اضطهاد الروهينغا، التي تعاني العبودية على يد الجيش، وقد هرب مئات الآلاف منهم لتايلاند وبنغلاديش، التي يرتبطون بها عرقياً، ولكنهم يجبرون عادة على العودة.

وتعيش أقلية “الكارين” في ولاية “كايان” الفقيرة، وتتعرض لعمليات تهجير وهجمات من قِبل الجيش الذي يسعى للسيطرة على المنطقة الغنية بالموارد الطبيعية. 

وتمثل أقلية “الكارين” ثاني أكبر الأقليات في البلاد، ويعتنق كثيرون منهم المسيحية، ويعيشون في ولاية “كياه”، وخاضوا الحرب الى جانب البريطانيين ضد اليابان أثناء الحرب العالمية الثانية، وكانوا قد وعدوا بدولة مستقلة، وهو ما لم يحدث أبداً، ونظرت لهم السلطات كعملاء، لذلك تعرَّضوا للكثير من القمع.

أما أقلية “الكاشين” فيعتقد أنها جاءت من التبت، ويعتنق أفرادها المسيحية، ولها فصيل مسلح هو “جبهة تحرير كاشين”، الذي توصل لاتفاق وقف إطلاق نار مع الحكومة. 

فيما تعيش أقلية “تشين” البالغ تعدادها 1.5 مليون نسمة في ولاية تشين النائية قرب الحدود مع الهند، وأغلبها يعتنق المسيحية، ويتعرّضون للاضطهاد على يد السلطات ويعانون نقصاً في الغذاء.

العسكر يُحكمون قبضتهم على البلاد مجدداً والأقليات تترقب

تقول الأمم المتحدة إن انعدام الإشراف المدني على الجيش والخلل في النظام الديمقراطي، والإفلات من العقاب وضعف حكم القانون والتعصب الديني، كل ذلك أسهم في تعميق انتهاكات حقوق الإنسان ضد الأقليات في ميانمار. وتتحمل النساء والفتيات العبء الأكبر بسبب العنف القائم على أساس النوع والعنف الجنسي. ومن أشكال الاضطهاد التي تتعرّض لها الأقليات: القتل خارج نطاق القانون، والاعتقال والتوقيف التعسفي، والتهجير القسري.

وبعد عودة الجيش في ميانمار للسيطرة المطلقة على الحكم، هناك تخوفات من إيغال العسكر في اضطهاد الأقليات الموجودة في البلاد، على رأسها الروهينغا، وتنفيذ أعمال تطهير عرقي بالكامل ضدها، قد تكون أشنع من كل ما سبق خلال السنوات الأخيرة.

وقال متحدث باسم الأمم المتحدة إن المنظمة الدولية تخشى أن يفاقم انقلاب ميانمار أزمة نحو 600 ألف من الروهينغا المسلمين لا يزالون في البلاد، في حين يعتزم مجلس الأمن الاجتماع، الثلاثاء 2 فبراير/شباط 2021 للنظر في أحدث المستجدات.

وأضاف المتحدث ستيفان دوجاريك، إن عشرات الآلاف من الروهينغا حبيسو المخيمات لا يمكنهم التنقل بحرية داخل أراكان، كما أن حصولهم على الخدمات الصحية والتعليمية الأساسية محدود للغاية، مردفاً: “لذلك فإننا نخشى أن تجعل الأحداث الوضع أسوأ بالنسبة لهم”.

وكان الجيش في ميانمار يحكم البلاد بقبضة من حديد منذ الانقلاب العسكري عام 1962، وكانت البلاد تتعرض لعقوبات أممية وأمريكية، ووضعها يشبه إلى حد كبير وضع كوريا الشمالية كدولة منبوذة دولياً. 

ودافعت أون سان سوتشي -رئيسة الحكومة التي خلعها الجيش الآن- بشراسة عن فظائع الجيش البورمي أمام محكمة العدل الدولية، العام الماضي، وأصرّت دون بادرة اعتذار على أنه في حين “لا يمكن استبعاد احتمالية الاستخدام غير المتناسب للقوة” ضد الروهينغا، وأن “استنتاج نية الإبادة الجماعية من طرف المحكمة يستند إلى “صورة منقوصة ومضللة للوقائع” التي جرت. وبلغ الأمر أن نشرت سوتشي على صفحتها على موقع فيسبوك منشوراً تحت عنوان “اغتصاب مزيف”، مستبعدة على نحو صادم مزاعم الاعتداءات الجنسية المنظمة جيدة التوثيق ضد أقلية الروهينغا.

*موقع “عربي بوست”