السياسية:

يصنَّف مسلمو الروهينغا على أنهم الطائفة الأكثر اضطهاداً في العالم، إذ يتعرضون لإبادة جماعية ممنهجة من قبل جيش ميانمار والميليشيات البوذية التي يقودها رهبان متطرفون، لكن حال المسلمين لم يكُن كذلك منذ الأزل في تلك المنطقة التي كان فيها المسلمون يوماً ما ملوكاً ومستشارين ومحاربين وتجاراً وأطباء.

كيف دخل الإسلام إلى ميانمار، ولماذا تغيرت أوضاع المسلمين إلى هذا الحد؟ تعالوا نروِ لكم القصة:

تاريخ الإسلام في ميانمار

يرجح المؤرخون أن أول ظهور للمسلمين في ميانمار كان في القرن السابع، عندما بدأ الرحالة العرب المتوجهون إلى الصين بالوفود إلى تلك المنطقة من مدغشقر.

مع ذلك لم يبدأ المسلمون بالانتشار بشكل ملحوظ في المنطقة حتى القرن التاسع الميلادي، وذلك قبل أن يتم تأسيس الإمبراطورية البورمية الأولى عام 1055 من قبل الملك أناوراتا.

وصل المسلمون إلى ميانمار عبر ساحل تانينثاري وكانوا في الغالب إما تجاراً أو رحالة أو بحارة أو أسرى حرب أو لاجئين أو فارين من العبودية من أنحاء مختلفة من العالم، لذلك نجد أن المسلمين الموجودين حالياً في ميانمار هم من أصول فارسية أو تركية أو هندية أو بنغالية أو صينية أو ماليزية.  

تركز وجود المسلمين في ذلك الوقت في القرى والمستوطنات الجنوبية بالقرب من حدود تايلاند الحالية، وتضاعفت أعدادهم في الجنوب حتى فاقوا البوذيين المحليين عدداً، واختلطوا وتزوجوا من العديد من المجموعات العرقية الموجودة في ميانمار مثل الأراكانيين والشان والكارين والمون وغيرهم وفقاً لما ورد في موقع Muslim Population.

تجار وأطباء وملوك

بالرغم من أن الديانة البوذية كانت السائدة في ميانمار إلا أن المسلمين القادمين من أنحاء مختلفة من العالم استوطنوا في المنطقة واختلطوا بأهلها وساهموا في انتشار الإسلام بينهم.

وعلى خلاف حال المسلمين اليوم، استطاع كثيرون منهم فيما مضى تبوء مناصب مفصلية في الدولة، فكان منهم مستشارون للملك ومسؤولون ملكيون ومسؤولون عن سلطات الموانئ ورؤساء بلديات. كما امتهن العديد من المسلمين التجارة والطب في ذلك الوقت.

وقد كان للملك أناوراتا الذي أسس الإمبراطورية البورمية عام 1055 وحدات عسكرية مسلمة في جيشه وحرسه الخاص. كما عين لابنه مدرساً عربياً مسلماً اسمه رحمان خان، أصبح فيما بعد حاكماً لمدينة باغو.

وقد وثق العديد من الرحالة العرب والفرس والأوروبيين والصينيين انتشار المسلمين في ميانمار، حيث ورد في أحد السجلات الصينية أن سكان مدينة باثين كانوا جميعهم مسلمين،  وقد حكمها ثلاثة ملوك هنود مسلمون في القرن الثالث عشر.

العصر الذهبي للمسلمين في بورما

بالرغم من أن المسلمين قد حازوا على مناصب رفيعة في الدولة البورمية منذ القرن العاشر تقريباً، إلا أن العصر الذهبي للمسلمين في المنطقة كان خلال القرن السابع عشر.

فبعد أن كان تركز المسلمين في الجنوب غالباً اتسعت الرقعة الجغرافية التي سكنوها ما بين القرن الخامس عشر إلى القرن السابع عشر.

فاستوطن مسلمو بورما من بحارة وتجار وغيرهم على طول الساحل البورمي: من ساحل أراكان (راخين)، وساحل دلتا إيراوادي وساحل تانينثاري والجزر البورمية.

ثم بدأ التجار المسلمون في القرن السابع عشر بالهيمنة حتى أضحوا قوة يعتد بها، فعينوا حاكماً لميرغو ونواباً للملك في مقاطعة تيناسرم ومسؤولين يتحكمون بالموانئ، وقادة للأساطيل البحرية البورمية. كما بنوا العديد من المساجد التي كان يطلق عليها بدرموكان نسبة إلى بدر الدين أحد الأولياء الصالحين.

المسلمون من أسرى الحروب

تم ترحيل العديد من المسلمين إلى ميانمار باعتبارهم أسرى حرب على فترات متقطعة من التاريخ.

فعلى سبيل المثال، هاجم ملك ميانمار ألاينجبايا ولايات هندية في منتصف القرن الثامن عشر، وجلب منها العديد من المسلمين، ليشكل هؤلاء النواة التي كونت المسلمين في بورما.

وخلال فترة حكم الملك باغيداو، أغار البورميون ثانية على الهند وأسروا قرابة 20 ألف مسلم استقروا جميعهم في بورما لاحقاً.

فيما عدا أسرى الحروب، فقد ساهمت الهجرة كذلك في زيادة عدد المسلمين في بورما وخاصة خلال فترة الاحتلال البريطاني للبلاد، إذ شهدت بورما موجات جديدة من هجرة المسلمين الهنود والتي انخفضت بشكل حاد في السنوات التي تلت عام 1941 نتيجة لاتفاقية الهجرة بين الهند وبورما، وتوقفت رسمياً بعد استقلال بورما في عام 1948.

تاريخ اضطهاد المسلمين في بورما

لعل الاضطهاد الذي يشهده المسلمون في بورما في الوقت الحالي هو الأكثر وحشية على الإطلاق، إلا أنه لا يعتبر حديثاً، فتاريخ الاضطهاد الديني للمسلمين يعود إلى عام 1559 في عهد الملك باينوانغ الذي حظر ممارسة الذبح الحلال بسبب تعصبه للبوذية ضد المسلمين، وأجبر بعض المسلمين على الاستماع إلى الخطب والمواعظ لتغيير دينهم بالقوة، ومنع أيضاً احتفالات المسلمين بأعيادهم مثل عيد الأضحى.

وبعد فترة استعاد المسلمون حرياتهم ووصلوا إلى ذروة مجدهم في القرن السابع عشر، لكنهم عادوا للمعاناة من الاضطهاد ثانية في القرن الثامن عشر في ظل حكم الملك ألاينجبايا الذي أمر بمنع الذبح الحلال وفرض قيوداً أخرى على الممارسات الدينية للمسلمين.

وفي عهد الملك بوداوبايا (1782-1819) تم إلقاء القبض على أشهر أربعة أئمة مسلمين في ميانمار وقتلهم في العاصمة بتهمة رفضهم أكل لحم الخنزير.

وفي ظل الحكم البريطاني لميانمار ساهمت الضغوط الاقتصادية في زيادة مشاعر الكراهية للأجانب عموماً والمسلمين على وجه الخصوص، الأمر الذي كان بداية سلسلة من أعمال الشغب التي استهدفت منازل المسلمين ومحالهم التجارية ومساجدهم التي دمرت وأحرقت.

وظلت أعمال الشغب تلك تتصاعد وتهدأ ثانية على مدى عقود، إلى أن وصل المسلمون إلى أسوأ حالاتهم في الوقت الحالي، إذ صنفت الأمم المتحدة مسلمي الروهينغا على أنهم الطائفة الأكثر اضطهاداً في العالم.

*موقع “عربي بوست”