السياسية:

ماذا يحدث إذا خلع طيّارٌ مقاتل قناعَه أثناء التحليق؟ تُصوّر أفلام، مثل Independence Day وفيلم Top Gun الشهير، الأمرَ على أنه فعل يأسٍ نهائي يحيد تماماً عن أي نوع من التنظيم أو الالتزام بالإرشادات. لكن هل هذا صحيح؟ للإجابة عن ذلك، ينبغي أولاً أن نُلقي نظرة على الغرض من القناع الذي يرتديه الطيارون المقاتلون.

ما هو قناع الطيارين المقاتلين وكيف يعمل؟

يستخدم الطيارون المقاتلون القناع أساساً للحيلولة دون تعرضهم لما يعرف بـ”نقص الأكسجة”، وهي انخفاض نسبة الأكسجين في الدم بوجه عام، ومن ثم نسبته في الدم الواصل إلى الدماغ. وتتضمن تدريبات الطيارين المقاتلين التدربَ في حجرات محاكاة الارتفاع (الحجرات ناقصة الضغط)، حيث تجرى محاكاة تشمل تقليل ضغط الغلاف الجوي إلى ثلث ما هو عليه عند مستوى البحر. والغرض من التدريب هو التعرف على أعراض الأمر حتى يمكن للطيّار تصور الأمر واتخاذ الإجراءات الطارئة اللازمة في حال تعرض للأمر أثناء الطيران.

يقول جاستن لي، الطيار المقاتل في سلاح الجو الأمريكي، لمجلة The National Interest الأمريكية، عند معظم الطيارين، تبدأ أعراض “نقص الأكسجة” بوخزٍ في الأصابع، يتبعه شعور بالخفة في الرأس ونشوة خفيفة. لكن إذا تُرك الأمر دون تدارك، فقد يؤدي بسرعة إلى حالة من التشوش، ثم فقدان الوعي في النهاية. وهو ما قد يعني كارثةً بالطبع في الطائرة ذات الطيّار الواحد. غير أن الأقنعة الحديثة تحتوي أيضاً على العديد من الميزات الإضافية لمساعدة الطيار.

تحتوي جميع الأقنعة الحديثة تقريباً على ميكروفون مدمج فيها. ومن خلال الضغط على زر، عادة ما يكون على المقود، يمكن للطيار التواصل عبر أحد أجهزة الراديو العديدة الموجودة على متن الطائرة.

ليس ذلك فحسب، فبعض الأقنعة الحديثة تحتوي أيضاً على ضوء مدمج فيها. ورغم أن الطيار عادة ما يحلق في الليل مع قمرة قيادة مظلمة قدر الإمكان، خشية الكشف عن موقعه، فإنه يمكنه عند قراءة خريطة أو كتابة ملاحظاته، أن يضغط على زرٍّ داخل القناع بلسانه، ليشعل بذلك الضوء لفترة قصيرة من الوقت. ومع ذلك، يظل أهم ابتكار هو القدرة على تنظيم الضغط بذكاء داخل القناع.

كيف تنظم أقنعة الطيارين المقاتلين الضغط؟ 

مع زيادة الارتفاع، يصبح التنفس أكثر صعوبة لأن ضغط الهواء داخل رئتيك يقل الفرق بينه وبين ضغط الخواء خارج الجسم. ومن ثم من خلال إدخال الضغط الإيجابي ودفع الهواء إلى رئتي الطيار، يمكن مواجهة هذا التأثير، ما يقلل من إجهاد الطيار. ويساعد الضغط الإيجابي الطيَار أيضاً على مواجهة “القوة جي” G-Force [تأثير قوة التسارع، وهي تأثر الجسم بقوة التسارع، عند انحراف الطائرة بشدة مثلاً عن الاتجاه المستقيم] التي نواجهها أثناء المناورات الكثيفة.

إذا أردت تصور الأمر، فالشخص العادي عند ركوبه أفعوانية الملاهي مثلاً واندفاعه برأسه إلى الأسفل أثناء انحرافها، يعادل مقدار تأثير قوة التسارع عندها نحو 3g. أما في المقاتلة الحديثة، فنحن نتحدث عن تأثير قوة تسارع يصل إلى 9g، وهو ما يعني نحو 2000 رطل من القوة تضغط على معدتك حتى تكاد تسحقها، ويبدو الأمر وكأن سيارة متوقفة على صدرك. ولا شك في أن هذا يمكن أن يجعل التنفس شديد الصعوبة، وفي الأشخاص العاديين، يؤدي إلى الإغماء في لحظتها. لكن الأقنعة من خلال دفعها للهواء إلى رئتي الطيار، تساعده على التنفس تحت مستوى عال من تأثير قوة التسارع لفترات طويلة من الوقت.

الآن بعد أن تناولنا ما يفعله القناع، فلنتحدث عن ضغط الهواء داخل قمرة القيادة. وفي البداية، ينبغي أن نشير إلى أن الطائرات المقاتلة تختلف عن الطائرات المدنية، فمن أجل توفير الوزن والمساحة، لا تحافظ الطائرة المقاتلة على ضغط مستمر داخل قمرة القيادة. فمن مستوى سطح البحر إلى ارتفاع 1000 قدم، نحن لا نكيّف الضغط داخل القمرة على الإطلاق، ومن 8000 قدم إلى نحو 25000 قدم، نحافظ على مستوى الضغط داخل قمرة القيادة عند ضغط مماثل لما يكون عليه عند 8000 قدم، على غرار العديد من منتجعات التزلج. 

بعد ذلك، بمجرد الارتفاع إلى أكثر من 25 ألف قدم، يبدأ الضغط في الارتفاع داخل قمرة القيادة ببطء، وبحلول الوقت الذي يكون فيه الطيار على ارتفاع 50 ألف قدم، فإن الضغط داخل قمرة القيادة يعادل الضغط عند ارتفاع يبلغ نحو 20 ألف قدم، أو ارتفاع بعض من أعلى الجبال في العالم (جبل إيفرست ارتفاعه 29 ألف قدم على سبيل المثال).

ماذا يحدث إذا نزع الطيّار المقاتل قناعه؟

ومن ثم، نصل إلى السؤال الأساسي: ماذا يحدث إذا نزع الطيّار المقاتل قناعه؟ الجواب هو: الأمر يختلف من وضع إلى آخر، فإذا كان يحلق على ارتفاع أقل من 25 ألف قدم، يمكنه الطيران لفترة طويلة دون ارتدائه للقناع دون الشعور بأي آثار. ومع ذلك فإن الطيارين لا يفعلون ذلك، لأن انخفاض الضغط داخل قمرة القيادة يمكن أن يؤدي إلى امتصاص الهواء بسرعة، وعلى نحو أسرع بكثير من طائرة النقل العادية بسبب صغر حجم قمرة القيادة في الطائرات المقاتلة.

بالإضافة إلى ذلك، وكما يمكن أن يشهد أي شخص زار مدينة تقع على ارتفاع عالٍ من سطح البحر، فإن شعوراً بالتعب يبدأ في السيطرة عليك. أما إذا تجاوزت 25 ألف قدم، فإن وقتاً أطول من اللازم بدون قناع سيؤدي في النهاية، ولا بد، إلى نقص الأكسجة وأعراضه المختلفة.

مع ذلك، وبالنظر إلى أن الجفاف يمكن أن يكون ضاراً بالطيَّار بدرجةٍ لا تقل كثيراً عن نقص الأكسجة في المقاتلة، فإن معظم الطيارين ينزعون أقنعتهم عدة مرات طوال الرحلة لشرب الماء، ولفترات أطول، لتناول الطعام. لكن طالما أن الأمر فقط لفترة قصيرة، فإن التأثيرات الجانبية لا تذكر، ويحث بالفعل علماء فسيولوجيا الطيران على تجربة الأمر للتدريب وتحسين قدرات التنفس.

* تحليل – موقع “عربي بوست”