هل يمكن تغيير نظام المجمع الانتخابي حتى لا يتكرر وصول الخاسرين للرئاسة الأمريكية رغم أنف الشعب؟
السياسية:
“نظام انتخابي وضع من أجل مصلحة ملاك العبيد”، هكذا يوصف نظام المجمع الانتخابي للولايات المتحدة الأمريكية، أغنى وأقوى دولة في العالم، ولقد بات هذا النظام يمثل خطراً على البلاد أكثر من أي وقت مضى، فهل يمكن تغيير نظام المجمع الانتخابي الذي تعود جذوره لأكثر من 200 عام.
فهذا النظام القديم يعني عملياً أن الشخص الذي يفوز بأكبر عدد من الأصوات قد لا يفوز في الانتخابات.
وتجدد الجدل حول نزاهة الهيئة الانتخابية بعد انتخابات 2016، عندما أصبح دونالد ترامب خامس رئيس أمريكي يفوز بالرئاسة على الرغم من خسارته في التصويت الشعبي.
إذ حدث هذا خمس مرات في التاريخ الأمريكي. ثلاث حدثت في القرن التاسع عشر، لا شيء في القرن العشرين، واثنان في القرن الحادي والعشرين، الذي مر منه عقدان فقط، ما يبشر بإمكانية تكرار هذا الاحتمال، وهو ما قد يؤدي إلى تآكل الثقة في الديمقراطية الأمريكية.
يعود النظام الحالي لانتخاب رئيس للولايات المتحدة إلى عام 1787، عندما صاغ الآباء المؤسسون لأمريكا نظام الهيئة الانتخابية أو المجمع الانتخابي، كحل وسط بين أولئك الذين دافعوا عن انتخاب الرئيس عن طريق تصويت الكونغرس وانتخاب الرئيس عن طريق التصويت الشعبي للمواطنين المؤهلين.
لذا خرج مهندسو الدستور بفكرة المجمع الانتخابي، حيث تقوم كل ولاية باختيار أعضائها الذين ينتخبون الرئيس.
كانت أمريكا في ذلك الوقت مجرد مستعمرات أُسست تحت رعاية التاج البريطاني، وكانت التبعية لهذا التاج ثم العداء له أهم ما يجمعها، ولكن منذ ذلك الوقت ازدادت الهجرة الداخلية الأمريكية والتمازج بين الولايات، بحيث أصبحت أمريكا أمة حقيقية.
يقول الكاتبان Elaine Kamarck and John Hudak “بينما كانت أمريكا في عام 1789 ثلاث عشرة مستعمرة، تحاول يائسة التمسك ببعض مظاهر استقلالها، الآن أمريكا في الحقيقة دولة واحدة، ومن ثم فإن هذه الصفقة التي أبرمت قبل 200 عام تهدد الآن الديمقراطية ذاتها التي كانوا يحاولون إقامة دولة دائمة لها.
فلقد قوبل نظام المجمع الانتخابي عند نشأة أمريكا بترحيب الولايات الأصغر، إذ يمنحها تأثيراً أكبر من وزنها السكاني في تحديد الرئيس، مقارنة بالتصويت الشعبي.
كما لاقى المجمع الانتخابي تفضيلاً لدى الولايات الجنوبية، حيث كان العبيد يشكلون نسبة كبيرة من السكان. ورغم أن العبيد لم يحق لهم التصويت، فقد كان يتم إحصاء عددهم في التعداد السكاني الأمريكي (بما يعادل ثلاثة أخماس الشخص الحر).
ونظراً لأن عدد أصوات المجمع الانتخابي يتحدد بناء على تعداد سكان الولاية، فإن الولايات الجنوبية كان لها تأثير كبير في انتخاب الرئيس من خلال هذا النظام، أكثر مما كانت لتحققه عبر التصويت الشعبي (لأن هذه الولايات كان عدد سكانها به نسبة كبيرة من العبيد الذين يحسبون خلال تحديد وزنها النسبي في المجمع الانتخابي، ولكنهم لا يصوتون).
ورغم أن الأمريكيين الأفارقة أصبح لهم حق التصويت، ولكن مازال هذا الوضع قائماً إلى الآن، إذ إن السود يمثلون أقلية كبيرة في ولايات الجنوب (نحو 58% من السود يعيشون في الجنوب الأمريكي)، ولكن أصواتهم غالباً لاقيمة لها، لأن أغلبية البيض تصوت للجمهوريين في انتخابات الرئاسة في ولاية الجنوب، وبما أنهم أغلبية فتذهب أصوات هذه الولايات جميعها في الأغلب للمرشح الجمهوري عادة دون أن يتم تمثيل أصوات الأفارقة الذين يشكلون نحو خمس سكان ولايات الجنوب الأمريكي.
وعلى مر السنين، لم يتغير نظام الهيئة الانتخابية رغم السماح بالتصويت للأقليات.
تمتلك معظم الولايات نظام “الفائز يحصل على كل شيء” الذي يمنح جميع أصوات ناخبي الهيئة الانتخابية في الولاية للمرشح الرئاسي الذي يحصل على أكبر عدد من الأصوات الانتخابية في تلك الولاية. ومع ذلك، فقد طبقت ولايتا مين ونبراسكا طريقة الدائرة، التي تخصص صوتاً انتخابياً واحداً للفائز بالتصويت الشعبي في كل دائرة انتخابية الولاية.
يتم اختيار أعضاء المجمع الانتخابي (الناخبين الكبار) من خلال الأحزاب السياسية في كل ولاية، ويلتزمون عادةً بقانون الولاية للتصويت للمرشح الذي يمثلونه. ومع ذلك فإن الدستور الأمريكي صامت بشأن ما إذا كانت الولايات أو الناخبون الكبار أنفسهم يمكنهم في النهاية تحديد المرشح الذي يحصل على تصويت الناخب.
في عام 1892، أيدت المحكمة العليا أن الكونغرس يمكنه تحديد موعد على الصعيد الوطني للهيئة الانتخابية للاجتماع، لكنها قالت أيضاً إن الولايات يمكنها تحديد كيفية تقسيم واختيار الناخبين.
ولم تتناول المحكمة العليا الأمريكية ما إذا كان بإمكان الولاية معاقبة ما يسمى “الناخب غير المؤمن”، الذي يصوت لمرشح آخر غير ذلك الذي تم اختياره لتمثيله، ولكن بعض الولايات تفعل.
في القرن العشرين تم إجراء 25 انتخاباً رئاسياً ولم يسفر أي منها عن فائز بالهيئة الانتخابية خسر التصويت الشعبي.
ولكن في الانتخابات الرئاسية الخمس التي أجريت في القرن الحادي والعشرين انتهى الأمر بفوز الفائز في التصويت الشعبي بخسارة الهيئة الانتخابية مرتين.
ففي عام 2000، فاز الديمقراطي آل جور في التصويت الشعبي ضد جورج دبليو بوش بفارق 543,895. بعد معركة طويلة في فلوريدا، فاز بوش بالولاية بفارق ضئيل، ما منحه فوزاً بالهيئة الانتخابية بنسبة 271 مقابل 266 لآل جور.
في عام 2016، كانت النتائج أكثر دراماتيكية. فازت هيلاري كلينتون بالتصويت الشعبي بأغلبية 2868686 صوتاً، لكنها خسرت مع ذلك تصويت الهيئة الانتخابية وكانت النتيجة: 304 لترامب و227 لكلينتون.
ولا تزال الهيئة الانتخابية تمثل “قنبلة موقوتة”، حسب تعبير بيل غالستون.
ففي الانتخابات الرئاسية لعام 2020 “كان من الممكن أن يؤدي تحول 45000 صوت فقط في ثلاث ولايات: ويسكونسن وجورجيا وأريزونا إلى تغيير النتيجة رغم الفارق القياسي بين بايدن وترامب.
ويخشى كثير من الخبراء من أن يقوض توالي فوزمرشحين خسروا التصويت الشعبي بشكل خطير شرعية الانتخابات.
كما أن التركيبة الاجتماعية التي وضع على أساسها نظام المجمع الانتخابي قد تغيرت، حيث أصبح السكان يتركزون في عدد قليل من الولايات الحضرية الكبيرة مثل كاليفورنيا وتكساس ونيويورك وفلوريدا وألينوي، التي أصبح وزنها النسبي في الانتخابات أقل كثيراً من وزنها السكاني بشكل كبير، لاسيما كاليفورنيا، وهو نظام يظلم الأقليات وسكان المدن والأكثر تعليماً.
فهذا النظام يفيد الجمهوريين، بينما يُلحق الضرر بالديمقراطيين الذين فازوا بالتصويت الشعبي في سبعة من آخر ثمانية انتخابات.
ويؤدي نظام المجمع الانتخابي إلى تقليل أهمية الولايات المحسومة مثل كاليفورنيا المضمونة بالنسبة للديمقراطيين والجنوب للجمهوريين، ويجعل المعركة تتركز في ولايات متأرجحة قليلة.
وواحدة من أكبر الحجج للأشخاص الذين يؤيدون نظام المجمع الانتخابي هي أنه يُبقي وسط أمريكا، القليل السكان نسبياً، والمناطق السكانية الأصغر، مؤثرةً في العملية السياسية.
إذ يتعين على المرشحين الذهاب إلى الولايات المتأرجحة قليلة السكان، وحتى المناطق المهمشة فيها، مثل رالي ونورث كارولينا وغراند رابيدز بميشيغان.
إذ يقول مؤيدو الحفاظ على نظام المجمع الانتخابي إنه إذا ذهبت أمريكا إلى نظام تصويت وطني تقليدي فسيذهب المرشحون فقط إلى المناطق الحضرية الكبيرة، مثل شيكاغو وهيوستن ولوس أنجلوس ونيويورك.
لماذا فشلت محاولات إلغاء أو إصلاح نظام المجمع الانتخابي؟
على مدار التاريخ، كانت هناك أكثر من 700 محاولة لإصلاح أو إلغاء الهيئة الانتخابية، وفقاً لخدمة أبحاث الكونغرس.
وعلى الرغم من الاعتراف على نطاق واسع بأن الهيئة الانتخابية هي “قنبلة موقوتة”، يمكن أن تؤدي إلى تآكل الديمقراطية الأمريكية بشكل خطير، إلا أن أياً من هذه المحاولات لم تنجح.
هذا لأنه بغض النظر عن مزايا التغيير العامة، فإن هذا النظام متجذر في السياسات الأمريكية.
ومع بداية العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين فإنه رغم حقيقة أن الأغلبية في أمريكا تؤيد تغيير نظام المجمع الانتخابي، إلا كون هذا التغيير يفيد الديمقراطيين، فذلك يجعل موافقة الجمهوريين عليه مستحيلة.
هل يمكن تغيير نظام المجمع الانتخابي؟
حسناً، هناك طريقتان للتخلص من نظام المجمع الانتخابي أو تغييره.
الأولى هي تغيير الدستور الأمريكي، وهو أمر من الصعب جداً القيام به.
إذ سيحتاج هذا الخيار إلى موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب وثلثي مجلس الشيوخ، ثم ثلاثة أرباع الولايات للموافقة على مثل هذا التغيير (الموافقة تكون من الهيئة التشريعة للولاية).
وكما سبق الإشارة إلى أن نظام الهيئة الانتخابية يفيد الجمهوريين حالياً، حيث تم انتخاب رئيسين جمهوريين في العشرين عاماً الماضية، على الرغم من خسارة التصويت الشعبي.
نتيجة لذلك فإن الجمهوريين وحكومات الولايات الجمهورية يسعون للحفاظ على النظام الحالي، ومن المستحيل توفير أغلبية الثلثين في الكونغرس والمجالس التشريعية في الولايات لتعديل الدستور، في ظل عدم موافقة الجمهوريين على مثل هذا التعديل.
السيناريو الأكثر ترجيحاً للتغيير
ومع ذلك، فإن التعديل الدستوري ليس هو الوسيلة الوحيدة التي يمكن من خلالها تنفيذ بديل عن الهيئة الانتخابية الحالية.
وهو اتفاق بين مجموعة من الولايات الأمريكية ومقاطعة كولومبيا (العاصمة)، لمنح جميع أصواتهم الانتخابية لأي مرشح رئاسي يفوز بالتصويت الشعبي العام في إجمالي الولايات المتحدة.
تم تصميم الميثاق لضمان أن يتم انتخاب المرشح الذي يحصل على أكبر عدد من الأصوات على الصعيد الوطني رئيساً، اعتباراً من يناير/كانون الثاني 2021، تم اعتماده من قبل 15 ولاية ومقاطعة كولومبيا.
هذه الولايات لديها 196 صوتاً انتخابياً، أي 36% من الهيئة الانتخابية و73% من 270 صوتاً اللازمة لمنح القوة القانونية لهذا الميثاق.
ويستفيد هذا الميثاق من الضمان الدستوري بأن الولايات تتمتع بحرية تحديد الطريقة التي تمنح بها أصواتها الانتخابية.
ويتطلب الميثاق من الولايات تمرير قوانين من شأنها منح أصواتها الانتخابية في المجمع الانتخابي للمرشح الذي يفوز بالتصويت الشعبي على المستوى الوطني (حتى لو لم يفز بأصوات الولاية).
لكن لا يمكن تفعيل الميثاق حتى ينضم عدد كافٍ من الولايات.
وتتمتع كل الولايات الموقعة على الميثاق بالسيطرة الديمقراطية على الهيئة التشريعية لها.
وإذا تم التوقيع على الولايات المتبقية ذات السيطرة الديمقراطية على هذا الميثاق (مين ونيفادا وفيرجينيا) فسيضيف ذلك 23 صوتاً إضافياً للهيئة الانتخابية، وبعد ذلك ستكون هناك حاجة لـ43 صوتاً من أصوات المجمع الانتخابية، ليدخل الميثاق حيز التنفيذ (أي انضمام عدة ولايات جمهورية، أو تحول السيطرة على برلمانات ولايات جمهورية إلى الديمقراطيين).
وتجدر الإشارة إلى أن هناك جدلاً حول جواز مثل هذا الاقتراح، ومن المرجح أن دخوله حيز التنفيذ سيواجه موجة من الدعاوى القضائية. ومع ذلك فمن المرجح أن البديل الأكثر قابلية للتطبيق هو نظام الهيئة الانتخابية الحالي.
هناك خيار آخر، يمكن أن يقلل من احتمالات فوز شخص ما بالرئاسة دون الفوز بالتصويت الشعبي الوطني.
يمكن للولايات أن تقرر منح صوتين من أصوات الهيئة الانتخابية للفائز بالتصويت الشعبي الوطني الباقي للفائز بالولاية. وهذا يعني أن الفائز الوطني سيبدأ بـ102 من أصوات الهيئة الانتخابية علماً أن طريقة تصويت أعضاء المجمع الانتخابي من كل ولاية هو أمر تقرره تشريعات داخل الولاية.
في حالة اقتراح أن تمنح الولايات جميعاً صوتين للفائز في التصويت الشعبي، فإن ذلك سيمنع في أغلب الحالات المرشح الذي خسر التصويت الشعبي من أن يصبح رئيساً.
البديل الثاني هو منح صوتين من أصوات الهيئة الانتخابية من كل ولاية للفائز بالتصويت الشعبي الوطني، ومنح الناخبين المتبقين للفائز في كل دائرة انتخابية داخل الولاية.
ومن الأمثلة على ذلك ولاية فلوريدا في عام 2016، حيث فاز ترامب في 14 من دوائرها الانتخابية وفازت كلينتون بـ13 صوتاً.
وبموجب هذا الخيار كانت فلوريدا في هذه الانتخابات ستمنح 15 صوتاً في الهيئة الانتخابية لكلينتون و14 صوتاً لترامب.
لم تحظ محاولات إصلاح نظام المجمع الانتخابي بالدعم اللازم في المجالس التشريعية للولايات.
فليس المسؤولون المنتخبون الجمهوريون فقط هم من يريدون الحفاظ على نظام الهيئة الانتخابية، بل الناخبون الجمهوريون كذلك.
في بيئة سياسية مستقطبة، يظل هذا الهيكل المؤسسي راسخاً. كما يعني أن الطريق إلى أي نوع من الإصلاح محفوف بالمخاطر السياسية، لا سيما عندما يكون من الواضح أن إزالة مثل هذا النظام تفيد أحد الأطراف على حساب الآخر.
ولكن هناك خطر في الحفاظ على الوضع الراهن. إذا بدأ نظام المجمع الانتخابي ينحو أكثر إلى منع الفائز في التصويت الشعبي من أن يصبح رئيساً، فسوف يخلق تحديات منهجية، وسيلحق الضرر بالإيمان بالانتخابات، والثقة في الحكومة، وشرعية المسؤولين المنتخبين والمناصب التي يشغلونها.
وسيبدو كنظام يدير ظهره باستمرار لإرادة الناخبين. وعلى الرغم من أن الرؤساء الحائزين أصوات أعضاء الهيئة الانتخابية/ الخاسرين في التصويت الشعبي هم من أصحاب الشرعية رسمياً وفنياً لمنصبهم، فإن التصور القائل بأن النظام المكسور هو مناهض للديمقراطية ومناهض للأغلبية يمكن أن تكون له عواقب واسعة النطاق وخارقة وطويلة المدى على صحة الديمقراطية. قد يبدو الحفاظ على الهيئة الانتخابية هو الموقف الأكثر ملاءمة سياسياً للحزب الجمهوري على المدى القصير، لكنه قد يتسبب في ضرر كبير على المدى الطويل.
قد يكون استمرار صعود الديمقراطيين في بعض الولايات الجنوبية التي كانت محسومة للجمهوريين، مثل ما حدث في جورجيا وبعض مناطق تكساس، بداية لتنفيذ الميثاق الذي يلزم الولايات بمنح أصواتها للفائز بالتصويت الشعبي، ولكن الأمر قد يستغرق وقتاً طويلاً يكون نظام المجمع الانتخابي قد أضعف الثقة في الديمقراطية الأمريكية.
وكالات