الصومال.. توترات حادة ونظام سياسي هش يتصارع على انتخابات متنازع عليها
السياسية:
تتصاعد التوترات بشكل حاد في الصومال، ويتصارع النظام السياسي الهش في البلاد على انتخابات متنازع عليها بشدة، في وقت تنسحب فيه بعض القوات العسكرية الأمريكية من البلاد، مع تجدد المخاوف بشأن حدوث تمرد إسلامي متشدد يمتلك موارد جيدة.
ويحذر دبلوماسيون ومراقبون من أن البلاد، بعد ثلاثة عقود من الانهيار بسبب الفوضى، تقف في مفترق طرق من جديد، في ظل تعرض التقدم الأخير المحرز في إعادة بناء الدولة التي تعاني التمزق للخطر.
وقال جيمس سوان، الممثل الخاص لأمين عام الأمم المتحدة، لبي بي سي: “الصومال يمر بلحظة فاصلة مهمة”، وحذر من أن “مواقف ونزاعات” القادة الوطنيين والإقليميين داخل البلاد، وخلافاتهم بشأن تأجيل الانتخابات البرلمانية، قد تفضي إلى أعمال عنف.
وأصدرت مجموعة منظمات ودول قوية، بما في ذلك الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وبعثة حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي، بيانا قويا حثت فيه النخب السياسية في الصومال على السعي من أجل إقامة حوار، وكتبوا: “أي تهديد باستخدام العنف شيء غير مقبول”.
وكان من المقرر أن يجري الصومال العام الماضي أول انتخابات تحت شعار “صوت واحد لشخص واحد”، وهي خطوة بارزة لدولة تعاني التمزق منذ فترة طويلة.
بيد أن أحزاب المعارضة، التي تهيمن عليها العشائر، قاطعت العملية الانتخابية بسبب مخاوف حدوث تزوير، وأصبح الاتفاق المبرم من خلال وساطة جيدة يعاني من أزمة حاليا، وينحي البعض باللائمة على رئيس الدولة، محمد عبد الله “فارماجو”، وسعيه لفرض إرادته على الزعماء الإقليميين في الصومال بشكل متزايد.
وقال حسين شيخ علي، مستشار الأمن القومي السابق لفارماجو: “يمكن أن يتحول الأمر إلى كارثة إذا لم توجّه هذه الانتخابات نحو المسار الصحيح. الجميع يعلم أن ديمقراطيتنا في خطر، ونحن بحاجة إلى إصلاحها”.
أضف إلى ذلك أن العاصمة، مقديشو، المدينة التي مزقها قادة حروب العشائر المتناحرة، تعد مصدر قلق متزايد بسبب مقاتلي حركة الشباب الصومالية الإسلامية المتشددة.
وكانت الحركة قد انسحبت من المدينة، وطُردت من معظم المدن الصومالية الأخرى، على يد قوات الاتحاد الأفريقي والقوات الصومالية، لكنها تحتفظ بسيطرة كبيرة في الريف.
وبدأت الحركة إدارة ما يرقى إلى مستوى حكومة ظل داخل مقديشو، حيث تفرض ضرائب وتهدد شركات كثيرة، وتدير محاكم شرعية، وتنفذ عمليات قتل وهجمات انتحارية تستهدف فنادق ومكاتب حكومية.
وقال مستشار فرماجو السابق لبي بي سي: “تفرض حركة الشباب ضرائب على الجميع، بطريقة مباشرة أو غير مباشر، بما في ذلك رئيس الدولة، فالطعام الذي يأكله يخضع لضريبة (يفرضونها)”.
وأضاف: “أصبحوا أقوى على مدى السنوات الأربع الماضية. كثيرون يقللون من شأن حركة الشباب ويقولون إنهم أصبحوا مثل المافيا. لكنها حركة جيدة التنظيم ومتماسكة ولديها رؤية استراتيجية لإخضاع هذا البلد”.
وقُتل 15 شخصا في أغسطس/آب الماضي عندما نفذت حركة الشباب هجوما استهدف فندق “إيليت” الساحلي الشهير في مقديشو، وقال عبد الله نور، مالك الفندق، إنه يعتقد أن فندقه استُهدف لأنه رفض دفع أموال للمتشددين.
وأضاف نور، الذي أصلح المبنى بسرعة ولا يزال مفتوحا ويزاول نشاطه: “إنها أشبه بفدية، كانوا يعلمون أننا لن ندفع أموالا لحركة الشباب”.
وقال: “حتى بعد ما حدث ذلك، نحن مستعدون لمقاومتهم والدفاع عن أنفسنا”.
بيد أن نور، مثل العديد من نزلاء الفندق والعائلات الأخرى التي تستمتع بشاطئ ليدو المجاور، أعرب عن قلقه العميق بشأن التطورات الجديدة، أي انسحاب بعض القوات الأمريكية من الصومال، بناء على أوامر دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي المنقضية فترة ولايته.
وقال صاحب الفندق: “هذا أمر مزعج للغاية بالنسبة لنا، لا زلنا بحاجة إلى الأمريكيين، خاصة من أجل الأمن”.
وسعى دبلوماسيون غربيون في مقديشو إلى التقليل من أهمية قرار البيت الأبيض المفاجئ بنقل بعض القوات الأمريكية الخاصة من الصومال، وثمة اعتقاد بأن هناك نحو 700 جندي أمريكي في البلاد.
وقال السفير البريطاني، بين فيندر: “لقد وصفوا ذلك بأنفسهم وقالوا إنه ليس تغييرا في السياسة، لكن مجرد تغيير في وضع القوة. أعتقد أن الأمريكيين ملتزمون بوضوح شديد بتقديم المساعدة في تأمين الصومال على المدى الطويل”.
بيد أن ستيفين شوارتز، السفير الأمريكي السابق لدى الصومال، انتقد الخطوة ووصفها بأنها “علاقات عامة بدون مبرر، ومكاسب مفاجئة لعمليات حركة الشباب”.
وثمة قلق خاص من تضرر التدريب العملي والإشراف الذي يقدمه الأمريكيون لقوات العمليات الخاصة الصومالية في منطقة داناب، على الرغم من استمرار غارات طائرات أمريكية مسيّرة مثيرة للجدل في كثير من الأحيان على أهداف تابعة لحركة الشباب.
وقال علي: “الضربات الجوية الأمريكية والقوات الخاصة فقط هي التي تضرب حركة الشباب بقوة وتعطل حركتها”.
وأضاف: “لولا ذلك لكان بمقدورهم (حركة الشباب) إحراز المزيد من التقدم. قد يكون لذلك تأثير خطير على جهود مكافحة الإرهاب في الصومال. و(قد تكون داناب حاليا) عرضة لاستخدامها كأداة سياسية” من جانب القوات المتنازعة داخل الدولة.
تتأجج هذه التوترات داخل مؤسسات الدولة الهشة في الصومال وتتلاعب بها دول أخرى في منطقة لا يمكن التنبؤ بمستقبلها على الإطلاق، في ظل تنامي عدم الاستقرار في إثيوبيا والخليج وأماكن أخرى، فضلا عن وجود خمسة جيوش أفريقية أجنبية ومستشارين عسكريين من العديد من الدول الأخرى، ينشطون حاليا في الصراعات الداخلية في الصومال.
تقدم هائل في الصومال
قال السفير فيندر: “المشكلة هي أن نزاعات الصومال لم تُحل بالكامل حتى الآن، وتوجد وجهات نظر مختلفة بشأن نوع الدولة التي يجب أن تصبح عليها. كما تتعرض الخلافات داخل الصومال أحيانا لاستغلال الشركاء الدوليين أو توسيع نطاقها”.
وكان الصومال قد أحرز بدون شك تقدما كبيرا في العديد من المجالات خلال السنوات الماضية.
وأصبحت الدولة أكثر فاعلية في تحصيل الإيرادات، كما ينشط الشباب الصومالي والمغتربون في المجتمع المدني، وتتغير مقديشو بسرعة، وإذا استطاع السياسيون التغلب على المأزق الحالي وإجراء انتخابات أخرى هذا العام، فهذا يعني أن البلد سيتمكن من الانتقال السلمي الثالث في أقل من عقد.
بيد أن هذا التقدم لا يزال يعتمد كليا على قوات بعثة الاتحاد الإفريقي “أميسوم” المؤلفة من نحو 20 ألف جندي أفريقي، والتي تحمي الحكومة وتصدرت مشهد محاربة حركة الشباب على مدار سنوات.
ويقول معارضو بعثة الاتحاد الأفريقي إنها أصبحت مرتاحة للغاية للوضع الراهن، ولا تبذل ما يكفي من جهود للقضاء على المسلحين.
بيد أن مسؤولين بارزين في “أميسوم” يقولون إن محاولات بناء جيش وطني صومالي متماسك لدعم حملتهم ضد حركة الشباب باءت بالفشل إلى حد كبير.
خط الدفاع الأخير
وقال علي بشأن الجهود المبذولة لبناء جيش صومالي: “لم نقم بعملنا. إنها حقيقة، أميسوم أيضا لم تفعل ما يكفي”.
في الماضي، عندما كانت حركة الشباب لا تزال تسيطر على أكثر من نصف مقديشو واندلعت حرب الخنادق العنيفة في المدينة، كان من المقبول على نطاق واسع فكرة أن المسلحين سوف يجتاحون العاصمة في غضون ساعة إذا انسحبت قوات “أميسوم”.
لكن اليوم، إذا انسحبت “أميسوم”، وفقا لمسؤول عسكري بارز تحدث بشرط عدم كشف هويته، فسوف يستغرق الأمر “12 ساعة فقط” حتى تستولي حركة الشباب على مقديشو ومعظم المدن الأخرى.
وكالات