السياسية – رصد :

نشوان الخراساني*

منذ توقيع المبادرة الخليجية في نوفمبر 2011م كان حلم اليمنيين الانتقال الى دولة حديثة تنعم بالأمن والاستقرار والسلام والوئام والتقدم السياسي والاقتصادي والاجتماعي خصوصاً بعد أن نجحت مبادرة الاشقاء في إنقاذ بلادهم من السقوط في مستنقع الحرب الاهلية التي كان السيناريو الاقرب الى القدر المحتوم ولذلك فقد كان تفاؤل الجميع كبيراً بأن جهود اشقاء اليمن ستسهم الى حد بعيد في إيقاف التدهور الامني وشد الأطراف المتصارعة الى التفكير الاستراتيجي الذي يراعي المصلحة الوطنية وينتقل بتلك الأطراف من دائرة الصراعات الى طاولة الحوار والتفاهم على بناء دولتهم الجديدة التي تُصان فيها وحدة المجتمع وقيم المواطنة والعيش المشترك في إطار سيادة القانون والهوية الوطنية الواحدة.. ولكن هذه الغاية لم تتحقق حتى هذه اللحظة بالرغم من كل التوافقات التي جرت والنتائج التي سيفضي إليها بحكم الأوضاع الجديدة والحجم المخيف من الإشكاليات التي أفرزت نفسها خلال فترة الحوار الماضية والذى لا شك أن هناك من أراد له أن يغوص في متاهات التركة المزمنة بدلاً عن الاهتمام بقضايا المستقبل.

وبعيداً عن الإشكاليات التي القت بظلالها على مسارات والاسباب والعوامل التي أدت إلى إطالة أمد الحرب بدون إنهاء الانقلاب والمؤثرات الداخلية والخارجية وما يتردد في وسائل الإعلام اليمنية عن دور مبعوث الأمم المتحدة مارتن غريفيث في صياغة الكثير من آليات الحوار والتي يرى البعض أنها قد أخرجت الحوار عن مقاصده الحقيقية فلابد من الأقرار بان اليمنيين قد ارتكبوا خلال الفترة الماضية اخطاء جسيمة فقد اخطأوا حينما اتجهوا الى حوار مفتوح لا تحكمه اية ثوابت او مسلّمات وطنية وأخطأوا حينما تلكأوا في تنفيذ المبادرة الخليجية بالصورة المثلى والتي كان لتنفيذها بشفافية ونوايا حسنة أن تقود البلاد الى حالة الاستقرار الاجتماعي والسلم الاهلي، واخطأوا عندما تركوا لخلافاتهم وتبايناتهم السياسية والحزبية تجرهم إلى الانقسام على أساس جهوي ومناطقي كجنوب وشمال، الأمر الذى نقل الصراع من صراع حول السلطة الى صراع حول الدولة ووحدتها ليتولد عن ذلك فكر اقصائي لا يرى في الآخر اخاً في العروبة والدين ولا شريكاً في الوطن بل ينظر اليه من زاوية العصبية القروية ونزعات الانتماء المناطقي التي تشكل بوابات للفتن والاقتتال الداخلي.

ويمكن القول على وجه المجمل بأن الحوار الذي أراده الجميع أن يؤسس لاستقرار سياسي يبنى عليه الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي وتعزيز الخيارات الجامعة والدافعة لاتجاه الالفة والوئام هو من قد يتحول الى معضلة بحد ذاته اذا ما تم الرفض الشعبي لاستبدال الدولة الموحدة والبسيطة بدولة اتحادية مركبة تتكون من عدة أقاليم فيدرالية بعد أن اتفقت القوى المتحاورة على تفكيك الدولة الموحدة لتصبح اتحاداً فيدرالياً يتمتع كل أقليم فيه بسلطة تشريعية وتنفيذية وقضائية وبالذات وان هناك قطاعا واسعا من اليمنيين يعتبرون مثل هذه الخطوة قفزا الى المجهول إن لم تكن باعثاً على تمزيق اليمن الى عدة دويلات يسهل السيطرة عليها من قبل تنظيم القاعدة الارهابي الذي لابد وانه يتحين اللحظة للوصول الى ذلك الهدف اذا ما اخذنا بعين الاهتمام دعوات التقسيم التي تتصاعد اليوم في حضرموت وعدن وغيرهما من المحافظات الجنوبية بعد أن وجد دعاة التقسيم في ضعف الدولة ضالتهم لتمرير اجندتهم بإقناع ابناء الجنوب بأن الظروف المتاحة لا تسمح بترف الطرح العاطفي الذى يتغنى بالوحدة بعد أن فقدت بريقها ورومانسيتها وان البديل هو الانفصال على طريقة انفصال السودان الجنوبي عن السودان الشمالي والتي جرت بشكل ودي وسلمي.

ولكن ما يغفله دعاة التقسيم أن انفصال اليمن لن يكون على الطريقة السودانية أو على طريقة الهند وباكستان أو التشيك والسلاف، أو على طريقة دول البلقان بعد انهيار يوغسلافيا بل سيكون على الطريقة اليمنية التي تتسع لقائمة طويلة من مشاريع الحروب المستقبلية وانهار من الدماء التي لن تردم بحوار وطني أو محاصصة مناطقية أو بأمنيات تحلق بعيداً عن الواقع.

* المصدر : رأي اليوم
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع