السياسية – رصد:

سهام معط الله

أطلقت الأمم المتحدة يوم 20 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، صافرات الإنذار لتنبيه المجتمع الدولي بقرب معاناة اليمن من أسوأ مجاعة شهدها العالم منذ عقود نتيجة انعدام الأمن الغذائي والحرمان من الدخل وسوء التغذية الحادّ. وإذا استمرّ الصراع وتفاقمت الأزمة الاقتصادية وتغوَّلت جائحة كورونا، فإنّ عدد الأشخاص الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي الشديد في اليمن سوف يقفز من 13.5 مليوناً إلى ما يفوق 16 مليوناً، أي أكثر من نصف عدد السكان البالغ 30.5 مليون نسمة، مع العلم أنّ هذا الرقم عرضة للزيادة بسبب الاعتماد الكبير على مساعدات الإغاثة الدولية ونقص التمويل لوكالات الأمم المتحدة.

تشير أحدث إحصائيات الأمم المتحدة إلى أنّ هناك 24 مليوناً و300 ألف يمني يحتاجون بشكل عاجل للمساعدة الإنسانية، ونحو 6 ملايين يمني لا يستطيعون توفير الطعام لأنفسهم، ومن المتوقَّع أن يرتفع عدد اليمنيين الذين يعانون من المجاعة الحادّة إلى 5 ملايين بحلول حزيران/ يونيو 2021.

الجوع يُداهم اليمن في الوقت الذي يقف فيه العالم بأسره مُتفرِّجاً على 2 مليون طفل في حاجة ماسة إلى العلاج من سوء التغذية الحادّ، و360 ألف طفل يتربَّص بهم شبح الموت في حال عدم حصولهم على العلاج المطلوب. وما بين المجاعة التي تُهدِّد، والمجتمع الدولي المُتردِّد، تتلاشى فرص انتشال اليمن وشعبه من أسوأ كارثة إنسانية، فقد سبق أن واجه اليمن تهديداً مماثلاً سنة 2018، ولكن تمَّ تدارك الأمر من خلال تقديم حزمات اقتصادية ومِنح طارئة وتكثيف المساعدات الإنسانية.

تحرص الأطراف المتحكِّمة في الحرب اليمنية على إعاقة عمل وكالات الأمم المتحدة ومنع دخول الإمدادات المنقذة للحياة إلى البلاد، كما تضاءل تمويل المانحين الدوليين بسبب الجائحة، وكل هذا يدفع باليمن إلى اجتياز عتبة جديدة وخطيرة نحو المجاعة. وما يزيد الطين بلّة هو تقسيم وازدواجية مؤسسات الدولة اليمنية التي تسبَّبت في انزلاق أكثر من 80 بالمائة من السكان إلى ما دون خط الفقر المحدّد بدولارين في اليوم.

بإمكان أميركا الضغط على زرّ إنهاء الحرب باليمن، فبحلول شهر آذار/ مارس 2021، ستكون الحرب اليمنية قد دخلت عامها السابع، وسيكون الرئيس المنتخب جو بايدن قد أمضى 100 يوم في منصبه، وهو الذي وعد اليمنيين الأميركيين بأمرين، هما إلغاء حظر السفر على اليمن، وإنهاء الدعم اللوجستي الأميركي لحرب السعودية والإمارات في اليمن، ولم يرفق وعوده بمقترحات ملموسة، وهذا غير كافٍ، فبمقدوره أن يتعهَّد بإنهاء الحرب نفسها، ولكن يبدو أنّه يسير وفقاً لخطّة سابقة تحرص على استمرار عدم الاستقرار في هذا البلد.

من المستبعد أن يكون اليمن على رأس قائمة أولويات الإدارة البايدنية الجديدة في الشؤون الدولية خلال أول مائة يوم في السلطة، لا سيَّما في ظلّ الصمت الرهيب والمريب الذي يواجه به المجتمع الدولي القضية اليمنية. لطالما تغنّى بايدن بمعارضته للمعاناة الإنسانية وتأييده لحقوق الإنسان والحرية، ولكن إذا لم يتحرَّك ضميره لوضع حدّ للكارثة الإنسانية التي يرزح تحتها الشعب اليمني، سيصبح حق العيش حكراً بشكل علني على أميركا وزبانيتها.

نهاية الجوع في اليمن تبدأ عند قيام بايدن بمعالجة الأسباب الجذرية للحرب في البلاد، والإسراع بتهدئة الشرق الأوسط المضطرب، والعمل بشكل جدّي مع الحلفاء الإقليميين التاريخيين من خلال التمسُّك بالقيّم الديمقراطية الأساسية في العلاقات الدولية، والسير وفق نهج جديد لا يمّت بصلة لنهج سلفه دونالد ترامب في المنطقة، ولا يُشكِّل امتداداً لإرث باراك أوباما.

ولذا يتعيَّن على الرئيس المنتخب بايدن تشجيع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة على التحدُّث بصوت موحَّد حول الأوضاع المأساوية في اليمن، لا سيَّما بعد مرور قرابة العام على الجهود التي بذلها المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة لليمن مارتن غريفيث من أجل حشد الجهود الدولية للضغط على أطراف الصراع اليمني لوقف الحرب، والتوصُّل إلى اتِّفاق بشأن نص الإعلان المشترك لوقف إطلاق النار الذي سيُمهِّد الطريق أمام اتِّخاذ تدابير اقتصادية وإنسانية فعّالة وعاجلة، واستئناف التفاوض الجدّي بشأن إنشاء حكومة وحدة وطنية يمنية.

لكن إذا مرّت سنة على تنصيب بايدن واستمرّ خلالها الصراع في اليمن، سيستحيل بعد ذلك إحراز أيّ تقدُّم ولو طفيف في إنهاء المأساة اليمنية نظراً لصعوبة وضع حدّ لاقتصاد الحرب الذي حلَّ محل الاقتصاد الوطني وخلقَ حوافز مغرية وأكثر ربحية وجاذبية للأطراف والجهات التي تستفيد من الوضع القائم وتقتات على استمرار الصراع والنزاع في اليمن، وهنا مربط الفرس، لأنّ مثل هذه الحوافز والحسابات هي التي تتسبَّب في نسيان حرب اليمن والتعامل معها بلامبالاة.

وجدير بالذكر أنّ معظم الرؤساء الذين تعاقبوا على حكم الولايات المتحدة منذ 1953 لم يلتزموا بحماية السلام والاستقرار في العالم، واتَّبعوا فقط ما تمليه المصلحة العليا لأميركا ومصالح حلفائها في المنطقة وخارجها، فما الذي يضمن أن يكون الرئيس المنتخب بايدن مختلفاً عن أسلافه وحريصاً على إحلال الاستقرار في اليمن؟

لا غبار على سجِّل بايدن الطويل في دعم حروب الولايات المتحدة وحلفائها، والأمر المثير للريبة والشكّ أنّه لجأ إلى اختيار الشخصيات الملطَّخة بدماء الحروب من حقبة أوباما لتولِّي المناصب العليا في حكومته، مثل أنتوني بلينكن المُرشَّح لمنصب وزير الخارجية، وأفريل هاينز المُرشَّحة لشغل منصب مديرة الاستخبارات الوطنية، وليندا توماس غرينفيلد المُرشَّحة لشغل منصب المندوبة الدائمة للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، وجيك سوليفان المختار لشغل منصب مستشار الأمن القومي، وميشيل فلورنوي المُرشَّحة لمنصب وزيرة الدفاع الأميركية.

والسؤال الذي يطرح نفسه بقوّة هنا هو: كيف يمكن لهذه التوليفة من الشخصيات المُؤيِّدة لاحتلال أفغانستان وغزو العراق والداعمة للتدخُّل العسكري في ليبيا والعدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين والمُعارِضة لسحب القوّات الأميركية من العراق أن تعمل على إنهاء الحرب في اليمن؟ خلاصة القول إنّ لا فرق بين هدوء بايدن وجنون ترامب، فكلاهما يخدمان الغرض نفسه المتمثل في الحفاظ على الزعامة العالمية الأميركية وانتعاش صناعة الأسلحة في الولايات المتحدة وتفوُّق إسرائيل في المنطقة، والذي يحجب سماع صيحات جياع اليمن.

* المصدر : العربي الجديد

* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع