هل يمكن أن تنفصل ولاية كاليفورنيا عن الولايات المتحدة الأمريكية؟
السياسية – رصد:
إلى كم جزء تنقسم الولايات المتحدة الأمريكية في الوقت الراهن؟
تبدو إجابة “إلى جزئين” هي الإجابة الواضحة. فغالبية المحافظين هم من البيض المسنين، الذين يدعمون الجمهوري، دونالد ترامب، ويقفون ضد الليبراليين، وغالبيتهم من الشباب البيض ومعهم الأقليات العرقية، ويدعمون الديمقراطي، جو بايدن. يتساوى كلا المعسكرين، في ظل واقع التوجه الديموغرافي نحو تغيير التوازن بشكل مطرد وإلى الأبد لصالح الديمقراطيين.
في الوقت نفسه، يتجاوز الوضع المواجهة المعتادة والطبيعية بين الحزبين، حيث تؤدي الأزمة المنهجية المتنامية في الولايات المتحدة الأمريكية إلى تصدع المجتمع وجماعات النخبة حتما. وبالفعل يمكن تسمية المواجهة الشرسة بين المعسكرين بالحرب الأهلية الباردة، والتي تحمل داخلها كل الفرص للتصعيد، والتحول إلى حرب ساخنة إذا (أو بالأحرى عندما) تتصاعد الأزمة الاقتصادية وتؤدي إلى انخفاض حاد وكبير في مستوى معيشة معظم المواطنين الأمريكيين. فلكل معسكر رؤيته الخاصة لكيفية إنقاذ الولايات المتحدة الأمريكية، وهذه الرؤى متضادة ومتناقضة، وعندما تبدأ الدولة فعليا في الانهيار، فمن غير المرجح أن يقتصر الأمر ساعتها على التظاهرات السلمية.
ومع ذلك، فهناك المزيد من الخطوط التي تقسم الولايات والتي تحمل بعدا جغرافيا، والتي يكفي لملاحظتها إلقاء نظرة على نتائج الانتخابات الأولية للحزب الديمقراطي في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.
يمكننا أن نرى بوضوح أن الجنوب الغربي من الولايات المتحدة الأمريكية قد دعم بيرني ساندرز، بأجندته اليسارية، في حين أن معظم البلاد دعمت جو بايدن، وهو أحد أكبر الداعمين للأموال الكبيرة، والذي يحافظ على ولائه المطلق للرأسمالية.
لكن النتيجة تصبح أكثر بلاغة ووضوحا، عندما نضيف الأصوات التي أدلى بها الناخبين لمرشحين “يساريين” آخرين، مثل إليزابيث وارين، إلى نتائج ساندرز. فإذا قمنا بدمج نتائج المرشحين “اليساريين”، فسوف تتغير الصورة قليلا من حيث المبدأ، وسوف يصبح عدد الولايات التي خسر فيها بايدن أمام “الأفكار اليسارية” أكبر بكثير.
إلا أن الحديث لا يدور حول ذلك، وإنما يدور حول أنه في ولايات مثل كاليفورنيا ونيفادا وكولورادو، كان ساندرز متقدما بشكل كبير على بايدن، بينما لم يكن في ولايات مجاورة، متراجعا عن بايدن بشكل كبير.
فإذا جمعنا أصوات الديمقراطيين في الولايات لسبع المجاورة في الجنوب الغربي (كاليفورنيا، نيفادا، كولورادو، أريزونا، نيو مكسيكو، تكساس)، نجد أن بايدن حصل على 3.086 مليون صوت، مقابل ساندرز الذي حصل على 3.421 مليون صوت. في الوقت نفسه، حصل بايدن على ضعف الأصوات في الولايات المتحدة أكثر من ساندرز، لذلك يمكن تسمية الجنوب الغربي من الولايات المتحدة الأمريكية بـ “معقل الاشتراكية”.
كذلك فإنه من المفترض أن تصبح الأفكار اليسارية أكثر شعبية في الولايات المتحدة الأمريكية مع تفاقم الأزمة الاقتصادية، وسيصبح الانقسام داخل الخط الديمقراطي على طول هذا الخط أمرا لا مفر منه على المستوى الوطني أيضا.
لقد كتبت في وقت سابق عن النسبة المتزايدة من الأمريكيين من أصول لاتينية في الولايات الجنوبية الغربية، الذين يشكلون أكثر من 52% من عدد سكان نيو مكسيكو، و44% من عدد سكان كاليفورنيا وتكساس، وبشكل عام فسوف تتجاوز نسبة هؤلاء 50% في السنوات القليلة المقبلة، وسينضم إليهم قريبا 11 مليون مهاجر غير شرعي، معظمهم من أمريكا اللاتينية، والذين يريد بايدن منحهم الجنسية الأمريكية، ويعيش جزء كبير منهم في هذه الولايات.
بهذا نرى أن الجنوب الغربي من الولايات المتحدة الأمريكية يبتعد على نحو متزايد عن بقية أراضي البلاد وفقا لمعيارين مهمين تتصدع على أساسهما الولايات المتحدة إلى معسكرات لا يمكن التوفيق بينها، وهما معيار العرق، والانقسام ما بين الرأسمالية التقليدية والاشتراكية، وهي تصدعات تنمو كل عام.
كل من هذين العاملين على حدة هو سبب كاف لحرب أهلية، أما في حالتنا هذه فلدينا سببان لا سبب واحد. ويبدو لي أن الانهيار الحتمي لهرم الديون العالمية، والدولار كعملة عالمية، ربما يرسم الحدود بين هذه الولايات وبقية أراضي الولايات المتحدة الأمريكية على هيئة جبهات حرب فعلية.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف
* المصدر : روسيا اليوم
* المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب