في اليمن.. مجتمع السود محاصرين بين مطرقة البؤس وسندان الحروب
بقلم: علي محمود وكوينتين مولر
(صحيفة “جون أفريك- jeuneafrique” الفرنسية – ترجمة: أسماء بجاش, الإدارة العامة للترجمة والتحرير الاجنبي “سبأ”)
يعيش في اليمن عدة ملايين من الأشخاص من ذوي البشرة السوداء, البلد الذي لطالما ما يتم تقدمه على أنه مهد العروبة.
واليوم, يعيش اليمن أزمة سياسية خطيرة ابتليا بها منذ أواخر مارس من العام 2015, وذلك عندما أعلن التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية بدأ العمليات العسكرية في اليمن ضد الحوثيين, مما أدى إلى تدهور وتفاقم الوضع العام في البلد الذي لا يُحسَد عليه بالفعل.
يعيش اليمن في ظل العام الخامس من الحرب التي حصدت أرواح عشرات الآلاف من المدنيين، في حين أجبرت ثلاثة ملايين شخص على الفرار من ديارهم.
واليوم, يعتمد 80% من إجمالي عدد السكان على المساعدات الإنسانية, وبالإضافة إلى تفشي وباء “كوفيد-19″، الذي وصل إلى البلد منتصف إبريل المنصرم, والذي أثقل كاهل البلد.
أضف إلى ذلك أن ما يقرب من 15% من السكان لديهم إعاقة واحدة على الأقل بسبب الحرب, كما يفتقر السكان إلى الرعاية الصحية اللازمة.
إن مجتمع السود الذي يطلق عليهم أسم “المهمشين” هم أول من يعاني من مثل هذا الوضع.
يمثل أولئك الذين يُطلق عليهم ازدراءً “الأخدام” ما بين 5٪ إلى 12٪ من سكان اليمن، أو ما بين 1.5 و 3.5 مليون نسمة.
فهذه الطبقة محرومة من: الزيجات المختلطة، المناصب العامة الرفيعة، التطورات الاجتماعية, فرص العمل، المناصب السياسية والتمثيل في وسائل الإعلام.
النظام الطبقي:
في اليمن، كان هناك نظام طبقي واحد, لا يزال سارياً منذ عدة قرون, حيث لا يمكن للمواطنين من ذوي البشرة السوداء الوصول إلى أي طبقة عليا في المجتمع.
وفي المدن الكبيرة مثل مدينة عدن الجنوبية، يقتصر عمل المهمشين بشكلٍ عام في جمع النفايات.
مع ستراتهم ذات الألوان الزاهية، يجوب هؤلاء كل حي لتفريغ سلال النفايات ومن ثم يعودون مثل الأشباح إلى أحيائهم الفقيرة الواقعة على مشارف المدن الكبرى.
وعلى الرغم من أنه لا غنى عنهم، فإن هذه المهنة التي يُنظر إليها بازدراء تام، هي الأكثر قيمة.
فر جمال الهاجري، ممثل فئة المهمشين في محافظة الضالع – الواقعة على بعد 140 كم متر شمال محافظة عدن الجنوبية- من المدينة ليخرج نفسه من البؤس و “البقاء” على قيد الحياة, على حد تعبيره.
وسط التلال الخضراء في المنطقة، تُعتبر قرية الصدررين بمثابة ملجأ لهذه الفئة, حيث تعيش فيها عشرات العائلات التي تقتات على ما تجنيه من المهن الصغيرة, مثل جمع النفايات أو حياكة الأحذية.
“نحن نواجه صعوبات في الاندماج في بلدنا, حيث يُنظر إلينا على أننا فئات أدنى شأنا بسبب لون بشرتنا, وفي النادر ما نحضر زيجات الجيران غير السود لأن المجتمعات الأخرى تعاملنا بطريقة تمييزية وعنصرية, كما أنهم لا يسمحون لنا بتناول الطعام معهم أو الاختلاط بهم, باختصار, غير السود لا يقبلوننا”.
يعيش أيهم عبده محمد، ذو 11 ربيعاً، من منطقة موريس في محافظة الضالع, هذا التمييز العنصري كل يوم في المدرسة, بالرغم من كونه لا يزال في الصف الرابع من المرحلة الابتدائية.
يصف أيهم المضايقات التي يتعرض لها كل يوم:” لا يوافق زملائي من ذوي البشرة البيضاء على مشاركة الطاولة نفسها أو الجلوس معي, أني أشعر أنني وحيد, فالجميع يدعوني “خادم” وهو ما يؤلمني جداً”.
العنف المعنوي والجسدي:
إن هذا العنف المعنوي والجسدي الذي يتعرض له العديد من الأطفال في المدارس, يعتبر السبب الرئيسي في تسريب عدد مهول من الأطفال بين صفوف المهمشين من المدارس.
فهذه بمثابة ظاهرة اجتماعية تعزز التطور الاجتماعي الضعيف والقوالب النمطية الوسيطة تجاه المجتمع.
أجرت بوجوميلا هول -وهي اختصاصية في علم الاجتماع وباحثة في الدراسات الثقافية, تعمل لدى الأكاديمية البولندية للعلوم- مقابلات عديدة مع يمنيين من ذوي البشرة البيضاء.
فقد اتفق جميعهم على مبدأ “نحن جميعاً فقراء في اليمن، ولكننا لا نتسول شأنهم في ذلك, كما أننا لا نعيش في الأوساخ، ناهيك عن أنهم “لديهم العديد من الزوجات والأطفال, في الوقت الذي لا يملكون فيه أي أموال لإعالتهم, حيث ينجبون المزيد من الأطفال لكي يرسلوهم إلى الشارع لتسول، ولا يهتمون بتعليمهم أو صحتهم”.
واجهت سميرة نوبيش أيضاً ذات السلبية الكئيبة التي انتهجها المتنمرين ضدها على مدار سنوات دراستها, ولكن الشابة القاطنة في مدينة تعز قد صنعت لنفسها مكانة, حيث أكملت دراسة القانون وتعمل اليوم محامية، وهي مهنة تمثل اهمية بالغة في مجتمعها المحلي, نظراً لكونها مفيدة في حماية السكان المعرضين لنظام تمييزي عنصري.
تقول: “إن النساء السود يتعرضن عموماً لسوء المعاملة، وخاصة عندما يذهبن إلى المؤسسات العامة الخدمية مثل المستشفيات, فالعديد من النساء الحوامل السود يعاملن بطريقة تمييزية وعنصرية.
ففي مستشفى خليفة العام في مدينة التربة بمحافظة تعز، على سبيل المثال، عانت أحداهن من آلام المخاض, لدرجة أنه تم ابقائها في فناء المستشفى, حيث وضعت طفلها في العراء”.
ومن جانبه, قال الباحث الفرنسي فرانسوا فريسون روش من المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي “CNRS” والمدير السابق لمشروع “المساعدة الانتقالية في اليمن” الذي اختارته الحكومة الفرنسية ليكون مستشاراً لدى الجمهورية اليمنية ليساعد اليمنيين على وضع الدستور اليمني الجديد في فترة انعقاد مؤتمر الحوار الوطني ولجنة صياغة الدستور في الفترة ما بين 2012 إلى 2014, :”لا يوجد حد للتمييز ضد المهمشين, في المدن، لا يتصرف الأطباء الذين تلقوا تعليمهم في الخارج دائماً على هذا النحو، ولكن في أماكن أخرى يمكن أن يؤدي ذلك إلى التمييز والعنف، وبالتالي نقص الرعاية اللازمة للمجتمع بأكمله”.
وفي هذا الوقت، كل كيان قبلي أو عرقي أو لغوي مدعو إلى المشاركة, حيث يشارك في هذه المائدة المستديرة التي تقودها الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ما مجموعه 565 ممثلاً عن جميع الأطياف في اليمن.
تتم دعوة الحوثيين والجنوبيين والإخوان المسلمين والمهريين والسقطريين والحضرميين، وكذلك النساء، ولكن لا تتم دعوة أي من المهمشين.
ضغوط شعبية:
لذا ففي ديسمبر 2012، في العاصمة صنعاء، غزا مئات اليمنيين من ذوي البشرة السوداء الشوارع, حيث انتهت التظاهرة التي لم يسبق لها مثيل في تاريخ البلد, أمام منزل الرئيس عبد ربه منصور هادي.
وفي مواجهة هذه الضغوط الشعبية غير المسبوقة التي قادتها فئة المهمشين، وافقت الحكومة على تعيين نعمان الحديثي ممثلاً لفئة المهمشين في مؤتمر الحوار الوطني.
قال فرانسوا فريسون-روش:” عندما يكون هناك مقعداً واحداً فقط من بين 565 مقعداً، لتمثيل ما يقرب من 3 ملايين نسمة! فإن هذه دليل على أن التميز الذي تتعرض له هذه الأقلية, أصبح غير مرئي، في الوقت الذي لا يرغب فيه أي يمني حقاً في الاعتراف بذلك”.
أتذكر نعمان الحديثي, عندما أخبرني بهذا الأمر الذي صدمني, حيث قال: “لو كان بوسعنا فقط أن نحصل أو نتمتع بالوضع الذي تتمتع به المرأة اليمنية”, فعندما تعرف حالة هذه…”.
اقترح فرانسوا فريسون روش بعد ذلك على ممثل المهمشين في مؤتمر الحوار الوطني, أن يكتب في الدستور نص تمييز للعمل الإيجابي، حيث يقدم وضع اليمنيين السود.
وقبل كل شيء، تسجيل واقع الشعب اليمني الذي لا يتألف حصراً من العرب ذوي البشرة البيضاء.
بيد أنه, تم تجاهل اقتراح المهمشين “الأخدام”, حيث كُتب الدستور الجديد على عجل في أبو ظبي، وعلى غرار النموذج الأميركي.
ولتعليل هذا الاستبعاد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي، من المهم العودة إلى أصول فئة “المهمشين”.
يروي جمال الهاجري بفخر قصة أسلافه, حيث قال: “لدينا أصول أفريقية حبشية, حيث جئنا إلى اليمن وأسسنا سلالة النجاحيون في زبيد بمنطقة تهامة في العام 1039, فعلى مدى 150 عاماً، سيطرنا على المنطقة إلى أن قاد أمير عربي يمني ضدنا الحرب وستعبدونا”.
وبهذا, أصبح الأحباش المسيحيون القادمون من أفريقيا في إطار الفتوحات، خدم بعد هزيمتهم العسكرية ضد القبائل العربية.
هذه القصة الملحمية، التي تم استيعابها ومشاركتها على نطاق واسع في اليمن، تُعزز فكرة أن فئة المهمشين أجانب على الرغم من جنسيتهم اليمنية.
واليوم من شأنه أن يبرر في اللاوعي الجماعي موقفهم الاجتماعي الضعيف وفقا لعالمة الاجتماع بوغوميلا هول.
ومن الصعب إثبات أن جذور الأسلاف من “المهمشين” قد أصبحت موضوعاً حقيقياً للخلاف بين الأقلية.
واليوم، ينكر البعض الجذور الأفريقية وأسطورة أصولهم الأجنبية, ومن جانبها ترفض نقابة جامعي القمامة استخدام كلمة “أخدام” وتدعو بدلاً من ذلك إلى الحصول على الحقوق وظروف عمل أفضل.
وبالنسبة لهم، فإن مشكلة التهميش اليوم لا ترتبط بالنسب أو لون البشرة، بل ترتبط بوضعهم الاجتماعي المتدني ووصمة العار التي تنتج عنه.
تقول بوغوميلا هول:” لم يكن هذا هو موقف مؤتمر الحوار الوطني, فيما يخص فئة المهمشين الذين مثلهم نعمان الحديثي, فقد بدأ في الحديث عن العرق، والمطالبة بحقوق لصالح الأخدام باعتبارها أقلية سوداء”.
انقسامات داخلية:
وقد دفعت هذه التنافرات و الخلافات الداخلية بين الأقليات بعض المهمشين إلى الالتجاء إلى أحضان الحوثيين، بعد أن أنهكتهم عقود من الصراعات والبؤس والحروب.
ففي يونيو 2020، أطلق زعيم جماعة الحوثيين “عبد الملك الحوثي” على فئة المهمشين لقب “أحفاد بلال بن رباح”- صاحب ورفيق النبي, العبد الأسود المحرر والذي أصبح أول مؤذن في تاريخ الإسلام- للانضمام إلى صفوف الجماعة، متعهداً بدمجهم بشكل أفضل في المجتمع.
ومن جانبه, يأسف نعمان الحديثي أن عدة مئات من الشباب المهمشين قضوا نحبهم منذ ذلك الحين على خط المواجهة، ولكنهم يشعرون بالفخر لارتباطهم ببلال.
بيد أن عملية مقتل جورج فلويد على يد شرطة مينيسوتا الأمريكية, ذكر المهمشين بأن الوعي الواسع النطاق ما زال ممكنا.
ويأمل جمال حجر أن تنتصر الصدمة الوطنية إلى فوز العقليات اليمنية ذات يوم: فحركة “حياة السود مهمة – “Black Lives Matter وجميع الاحتجاجات التي نشأت في جميع أنحاء العالم تلهمنا, فنحن نتقاسم نفس المصير ونفس القمع الذي تعرض له جورج فلويد.
لقد سلطت هذه القصة الضوء على مشكلتنا وتسببت في نشوء حركة ثورية أوسع نطاقاً بين الأقليات السوداء المضطهدة الدولية، بما في ذلك في اليمن أيضا, حيث بدأ الناشطون السود في تمهيد الطريق أمام حركة أوسع نطاقاً للدفاع عن حقوقنا.
* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع.