سكان جزر تشاغوس يطالبون باعتقال مسئولين بريطانيين بسبب “الفصل العنصري”
بقلم: ستيف شو
( صحيفة “باي لاين” البريطانية- ترجمة هائل فارع, الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)
قدَم سكان جزر تشاغوس الذين طُردوا قسراً من مستعمرة بريطانية في المحيط الهندي اتهامات إلى المحكمة الجنائية الدولية, وفقا لما ذكره ستيف شو.
وفي برقية سرية صادرة بتاريخ 15 مايو 2009، أبلغ دبلوماسيون من الحكومة البريطانية نظرائهم الأمريكيين بخطة لاختيار مجموعة من الجزر الاستوائية، المعروفة باسم أرخبيل تشاغوس، محمية بحرية.
كتب المسؤولون أن الاختيار سيعني أن سلسلة الجزر التي تشكل إقليم المحيط الهندي البريطاني ستستفيد من “حماية البيئة”، لكنهم وعدوا أيضاً بأن هذا “لن يمس باى حالٍ من الأحوال” القاعدة العسكرية الأمريكية الواقعة في أكبر الجزر، المعروف باسم دييغو غارسيا.
وبشكل قاطع، تشير البرقية التي نشرتها ويكيليكس في عام 2010 إلى فائدة أخُرى للحكومتين, حيث أن السكان السابقين للجزر، وهم مواطنون بريطانيون، “سيجدون صعوبة، إن لم تكن مستحيلة، متابعة مطالبتهم بإعادة التوطين في الجزر”.
وقد كشفت تلك البرقية النقاب عن أن الحكومة البريطانية، حتى بعد مرور أكثر من 40 عاماً، ما تزال مستعدة للذهاب إلى أبعد الحدود لمنع الشاغوسيين من العودة إلى ديارهم, الوطن الذي طردتهم حكومتهم سراً منه تحت حكم هارولد ويلسون في أواخر الستينات وأوائل السبعينات.
وذلك ببساطة لأن الجزر تقع في منتصف الطريق بين قارتي أفريقيا وآسيا وهي منطقة إستراتيجية مهمة بالنسبة للأميركيين، الذين كانوا يتطلعون إلى إنشاء قاعدة عسكرية جديدة.
وفي السنوات التي تلت ذلك، ظلت الجزر مستعمرة بريطانية، وانتقلت دييغو غارسيا، من جنة استوائية بها القرى المزدهرة والسكان الذين عاشت عائلاتهم هناك لأجيال، إلى قاعدة عسكرية اُستخدمت لإيواء السجون السرية لوكالة المخابرات المركزية.
يُنقل محتجزوها جواً إلى هناك برحلات تسليم سرية, حتى قوة الفضاء الأمريكية التي تشكلت حديثاً وجدت موطئ قدم هناك، إلى جانب عمال في شركة “سيركو” الأمريكية المتعددة الجنسيات التي حصلت على عقد بقيمة 57 مليون دولار “لمراقبة الفضاء البعيد”.
المواطنون البريطانيون المهجورون:
الشاغوسيون هم المجموعة الوحيدة من السكان الذين لا يُسمح لهم بوضع أقدامهم هناك، إلا تحت حراسة عسكرية.
أصبح معظمهم بلا مأوى بين عشية وضحاها، عندما تم طردهم من الجزر وإرسالهم إلى البلدان المجاورة بدون أي شيء.
وفصل العديد من العائلات ما بين موريشيوس وسيشيل، وأَلْقِيَا بالآخرين في زنازين السجن قبل نقلهم إلى مكان سكني مهجور بدون ماء أو كهرباء.
وفي العقود الخمسة التي تلت ذلك، لم يحصل الشاغوسيين على أي شيء تقريباً من الحكومة البريطانية والتي من المفترض أن تمثلهم، وبدلاً من ذلك، بقى السياسيين يبحثون عن أعذار لمنعهم من العودةِ إلى ديارهم.
ويعتبر معاملتهم تناقضاً صارخاً مع مجموعة أخرى من المواطنين البريطانيين الذين يعيشون في جزر بعيدة عن وستمنستر.
عندما غزت الأرجنتين جزر فوكلاند في عام 1982، أرسلت بريطانيا أسطولاً للدفاع عنها ومن المرجح أن تفخر بفعل ذلك مرة أخرى.
قال سولومون بروسبر، الذي كان في الثالثة من عمره فقط عندما أُجُبرت عائلته على الخروج من منزلها في دييغو غارسيا على متن قارب إلى سيشيل، لصحيفة “باي لاين تايمز” إنه يعتقد أن الفرق هو أن الشاغوسيين سود.
يعمل بروسبر، وبرنارد نوريتش البالغ من العمر 65 عاما والذي ولد أيضا في الجزيرة، مع محام لتقديم اتهامات إلى المحكمة الجنائية الدولية ضد إدارة إقليم المحيط الهندي البريطاني بأكمله لارتكاب جريمة الفصل العنصري.
وقال المحامي الدكتور جوناثان ليفي لـ باي لاين تايمز, أن الأمر سيكون الآن على مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لتقييم القضية واتخاذ قرار بشأن ما إذا كان سيتم فتح تحقيق.
ويأمل أن تكون المحكمة الجنائية الدولية على استعداد للانحياز إلى جانبهم في القضية لأنها تتبع حكم محكمة العدل الدولية في فبراير الماضي والتي حكمت على المملكة المتحدة مغادرة الجزر “بأسرع ما يمكن”.
وبعد أشهر، أدانت أكثر من 100 دولة في الجمعية العامة للأمم المتحدة احتلال المملكة المتحدة للجزر، بما في ذلك العديد من حلفائها وتجاهلت وستمنستر كلا الحُكمين.
يقول بروسبر، الذي يعيش حالياً في جزر سيشل، إن لدية ذكريات قليلة عن منزله بخلاف القصص التي ترويها له والدته، ويصف الحياة على دييغو غارسيا بأنها “حلم” ، كان هادئاً وسعيداً.
كان لديهم مدرسة ومرافق طبية وكنائس وكل أسرة لها منزلها الخاص, وكان هذا قبل أن تقرر الحكومة البريطانية ترحيلهم.
وفي وثائق المحكمة، يصف بروسبر كيف أجبرت بريطانيا وأمريكا العائلات على ترك منازلهم، مع “حقيبة واحدة فقط وفراش واحد لكل أسرة” وأما بقية أمتعتهم فقد تُركت وراءهم.
قال لصحيفة “باي لاين تايمز” ساعد الأمريكيون في قتل كلابنا الأليفة واحتفظوا بمواشينا وممتلكاتنا لأنفسهم”.
“تم اقتيادنا إلى القوارب قبل حلول الليل إلى وجهات مجهولة وتم فصل العديد من أسرنا مدى الحياة بين موريشيوس وسيشيل, وينظروا إلينا ويعاملوننا كمهاجرين غير شرعيين, أصبح معظم الشاغوسيين بلا مأوى بين عشية وضحاها.
في سيشيل، نام البعض تحت أشجار جوز الهند لشهور، ونام الكثير في السجن والبعض الآخر تحت حماية المنظمات الدينية أو الخيرية.
وفي موريشيوس، بدأ معظمهم حياتهم بلا مأوى على قارعة الطريق وبعد ذلك في الأحياء الفقيرة”.
يقول أن الكثيرين تعرضوا للاستغلال والإيذاء الجسدي والجنسي واضطر البعض للجريمة من أجل البقاء على قيد الحياة ووقع البعض الآخر ضحية الإدمان.
وأضاف: “ما زلنا تائهين جداً خارج أرخبيل تشاغوس خاصتنا”.
ادعاءات الحكومة في تقديم الدعم:
قال المتحدث باسم مكتب الشؤون الخارجية والكومنولث والتنمية أن الحكومة لا ترى “أي أساس موثوق” لهذه الادعاءات.
وقال المسئولون “نشعر بخيبة أمل لأن الدبلوماسيين والمسئولين ورد ذكرهم في هذه العريضة نتيجة مشاركتهم بحسن نية في إدارة إقليم المحيط الهندي البريطاني”.
“لا نرى إي أساس موثوق على ارض الواقع أو في القانون لهذه الادعاءات غير الملائمة تماماً, لقد أعربت حكومة المملكة المتحدة باستمرار عن أسفها العميق بشأن الطريقة التي تم بها طرد الشاغوسيين من الإقليم في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي”.
وأضافوا أن الحكومة تقدم الدعم لمجتمعات تشاغوس في موريشيوس وسيشيل والمملكة المتحدة.
الحالة هي أن الحكومة قد قدمت بعض الدعم, ففي عام 2016، تم الاتفاق على إنفاق حزمة دعم بقيمة 40 مليون جنيه إسترليني على مدى 10 سنوات.
لكن ورقة إحاطة برلمانية نُشرت في نهاية عام 2019 كشفت عن إنفاق الحكومة لـ 313 ألف جنيه إسترليني فقط.
قال بروسبر لـ “باي لاين تايمز” أن معظم الأموال التي تم إنفاقها ذهبت إلى ما وصفته الحكومة بـ “زيارات الإرث”.
وتقدم هذه الزيارات القصيرة إلى الجزر لمواطني تشاغوس لمنحهم فرصة لرؤية وطنهم، بيد أن بروسبر قال إن قلة منهم مستعدون للمشاركة لأنهم تحت حراسة الجيش البريطاني ويراقبون في جميع الأوقات.
كما يعترض بروسبر على الرحلات المدفوعة من خارج صندوق الدعم والذي كان يهدف إلى تحسين سبل المعيشة.
وقال “إنهم يقومون بزيارتين كل عام ما بين 10 و15 شخصا” وأضاف “لم أقم بالزيارة لأنني رفضت, والسبب هو، حسب رأيهم، أنهم يستخدمون الأموال من حزمة الدعم، والتي من المفترض أن يكون لشيء آخر، لتمويل الرحلة المكلفة إلى دييغو غارسيا لمدة أو خمسة أيام, بإمكانهم أن يعطوننا المال مباشرة لماذا لا يعطونا المال؟ لماذا لا نستطيع أن نقرر مستقبلنا؟”
في مايو، ذكرت صحيفة “ذي أوبزرفر” أن العديد من الشاغوسيين يكافحون من أجل تحمل حتى أبسط المؤن الأساسية مثل الأدوية.
وعندما اتصل أعضاء الجالية بالمفوضية العليا البريطانية في موريشيوس لطلب المساعدة، زعمت الصحيفة أن وزارة الخارجية ردت بالقول “لا توجد آلية حالياً لتنفيذ خطة لمجتمع تشاغوس”.
* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.