عمر معربوني*

لم يكن مفاجئاً لمن يتعاطى الشأن العام ان تُقدم إدارة الرئيس ترامب على فرض عقوبات على الوزير جبران باسيل وهي عقوبات ستطال الرئيس نبيه بري ايضاً ، وذلك بحسب ما جاء في الخطة التي تحمل عنوان ” تدمير لبنان لإنقاذه ” والتي أرسلتها لجنة الدراسات في الحزب الجمهوري الى الكونغرس الأميركي بتاريخ 14 حزيران / يونيو 2020 .

وفي إشارة الى ان هذه اللجنة التي تضّم مجموعة من النواب المحافظين المتشددين من الحزب الجمهوري ، تقدمت بطرح عن لبنان والشرق الأوسط يُجب الكثير من الحيطة والحذر والقلق ، وهو ما ظهرت بوادره مع الإعلان عن العقوبات على الوزيرين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس واكملته اليوم مع الوزير جبران باسيل والذي لن يتوقف عنده بل سيستمر حتى تحقيق الأهداف الأميركية كاملة بحسب التوجهات الأميركية.

والتدرج في فرض العقوبات هو رسائل هدفها الإخضاع وهو ما لم يحصل على ما يبدو بما يخص الوزير باسيل الذي يتمسك بمواقفه.

وقبل الدخول في مقاربة تأثير العقوبات على الوزير باسيل وانعكاساتها على الوضع اللبناني لا بد من الإشارة الى أهّم ما ورد في الخطة التي أرسلتها لجنة الجمهوريين للدراسات الى الكونغرس الأميركي .

فقد جاء في هذه الخطة: ” تركّزت توصيات اللجنة على احتواء النفوذ الإيراني في المنطقة، من خلال تشديد “حملة أقصى الضغوط” على طهران.

لكن ما هو جديد هنا هو ضم لبنان إلى هذه الجهود، إذ يدعو التقرير إلى أمرين يتعلقان به فهو يطلب:

أولاً: إنهاء المساعدة الأمنية للجيش اللبناني كما يدعو الكونغرس في الفقرة نفسها، وبسبب ما يسميه سيطرة حزب الله على لبنان، إقرار تشريع “يحظر إرسال أيٍّ من أموال دافعي الضرائب إلى صندوق النقد الدولي لإنقاذ لبنان”، لأن هذا لن يعني “سوى مكافأة حزب الله، فيما المحتجّون في لبنان يطالبون بوضع حد للفساد والوقوف في وجه حُكم حزب الله”.

التوصية الثانية هي أنه يتعيّن على الولايات المتحدة معاقبة حلفاء حزب الله في لبنان، وهو يذكر بالاسم شخصيتين يجب استهدافهما: صهر الرئيس ميشال عون جبران باسيل ورئيس مجلس النواب نبيه بري.

وقد يسأل البعض كيف لخطة تقدم بها أعضاء جمهوريين ان تجد طريقها للتنفيذ وفي الكونغرس غالبية ديموقراطية؟

وهنا لا بد من التأكيد على عدم وجود ادنى خلاف بين الجمهوريين والديموقراطيين عندما يتعلق الأمر بأمن كيان العدو وحزب الله وسلاحه ، ولا يوجد ادنى تردد في الذهاب نحو الحدود القصوى لتدمير لبنان اذا كان الهدف هو إنقاذه بحسب وجهة النظر الأميركية.

إضافة الى ذلك فاللجنة الجمهورية استعانت بمسؤولين صهاينة يؤكدون أن ترسانة صواريخ حزب الله تفرض تهديداً استراتيجياً على إسرائيل. هؤلاء يتبنّون وجهة نظر وزير الدفاع الإسرائيلي السابق أفيغدور ليبرمان بأن ” لبنان = حزب الله “، ولذا فهم يرون أن الولايات المتحدة لا تستطيع إضعاف الحزب إلا من خلال شل لبنان.

والمؤكد ايضاً ان خطة اللجنة لم تقّر بصيغة رسمية بعد ولكنها تجد طريقها للتنفيذ من خلال ما اعلنه مايك بومبيو اليوم بان وزارة الخزانة الأميركية فرضت عقوبات على الوزير باسيل ، إضافة الى امتلاكها الوقت الكافي حتى استلام الرئيس الجديد وادارته لفرض المزيد من العقوبات املاً بتحقق الأهداف الأميركية.

امّا لماذا الإستعجال بفرض عقوبات على باسيل فالأمر مرتبط بمسارين اثنين :

1- مسار تشكيل الحكومة التي لا تزال الأمور فيها في المراحل الأولى ولا تسير بحسب السرعة الأميركية المطلوبة، وهو أمر سيتعقد اكثر بعد معاقبة الوزير باسيل وعلى غير ما يريد الأميركي، لا بل بالعكس فقد تعود التفاهمات بين حزب الله والتيار الوطني الحر الى مستواها السابق وقد تتجاوزه الى سقوف اعلى من حيث التنسيق والترابط ، فالواقعة وقعت ولا رادّ لها الا مواقف ثابتة للوزير باسيل الذي قال: “لا العقوبات اخافتني ولا الوعود اغرتني ولن انقلب على أي لبناني لأنقذ نفسي ويهلك لبنان” وهو كلام واضح يعني الإستمرار في السياسة التي يتبعها وهو ما سيعقد اكثر ملف تشكيل الحكومة اذا لم يصدر عن الرئيس المكلّف ما يؤكد سيادة لبنان ويشجب القرار الأميركي وهو الحد الأدنى المطلوب للإستمرار في تشكيل الحكومة.

2- مسار المفاوضات غير المباشرة مع كيان العدو حول ترسيم الحدود البحرية التي أبدت الإدارة الأميركية امتعاضها المباشر لما اسمته التشدد اللبناني في التمسك بالوثائق والخرائط التي تحفظ حقوق لبنان وهو ما تأكد خلال زيارة السفيرة الأميركية للرئيس عون منذ فترة قصيرة.

وبالعودة الى خطة “تدمير لبنان لإنقاذه” لا يخفى ان الطموح الأميركي يتجاوز عزل حزب الله عن حلفائه ليصل حدود الضغط على بيئة الحزب المباشرة عبر فرض ضغوط على المتمولين ورجال الأعمال لإخافتهم وجعلهم يتبرؤون من أي علاقة بالحزب وهو ما يعرف الحزب ادق تفاصيله ولن يكتفي بالتنديد والشجب الكلامي فوعود السيد حسن نصر الله هي وعود قاطعة ، فلبنان لن يجوع ولن يستطيع احد انتهاك سيادته فشعار المقاومة الحاضر والدائم ” نحمي ونبني”.

وختاماً يجب القول ان القرار الأميركي الأخير يندرج ضمن سلسلة القرارات التي عانت من سوء تقدير كبير للموقف ، فهم على ما يبدو لا يعرفون من يواجهون ولا استفادوا من عبر المواجهة في المنطقة ولا من تحولاتها الكبرى.

* باحث في الشؤون السياسية والعسكرية
* المصدر : رأي اليوم
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع