السياسية – رصد :

لم نكن نحن الفلسطينيون، في أرضنا وشتاتنا، ومعنا كل المناصرين والداعمين، بحاجة لاعتراف الاحتلال الإسرائيلي بنهبه المشين للممتلكات والأرض والمال، خلال تهجير أبناء شعبنا من مدنهم وبلداتهم وقراهم عام 1948.

لكن التاريخ لا يُعفي ولا يقفز، حتى على الأشياء التي تبدو بسيطة كسرقة راديو أو سجادة أو ثلاجة أو دمية، أمام أحداث كبيرة ومؤلمة تعرض لها مئات الآلاف من أبناء شعبنا، من استشهدوا ونسفت بيوتهم واحتلت مزارعهم وثروتهم الحيوانية وأموالهم.

في محضر عثر عليه مؤخرا المؤرخ آدم راز في اطار بحث لكتاب جديد من تأليفه، والذي يتناول موضوعا مشحونا وحساسا ومتفجرا جدا: “سرقة الممتلكات العربية في حرب الاستقلال” (نكبة عام 1948).

نشرت صحيفة “هآرتس” الاسرائيلية، تحقيقا حول نهب العصابات الصهيونية واليهود المدنيين ممتلكات اللاجئين الفلسطينيين الذين هجروا من ديارهم قسرا عام 1948 إستنادا إلى شهادات شخصيات إسرائيلية، بما في ذلك دافيد بن غوريون، جاء فيه: في كتاب واحد، كل المعلومات الموجودة عن سرقة الممتلكات العربية من قبل اليهود في حرب الاستقلال، من طبريا في الشمال وحتى بئر السبع في الجنوب، من يافا، وحتى القدس، ومرورا بمساجد وكنائس وقرى منتشرة بين المستوطنات.

لهذه الغاية استعرض حوالي 30 متحفا في أراضي عام 1948 وتصفح صحفا تاريخية وقرأ أدبيات البحث الموجودة.

النتيجة كانت صادمة، عشرات آلاف البيوت والحوانيت “أجزاء كبيرة من الجمهور الاسرائيلي، مواطنون ومحاربون على حد سواء، كانوا مشاركين في سرقة ممتلكات الجمهور العربي”، قال في إحدى المقابلات.

“السرقة تفشت مثل النار في الهشيم في أوساط الجمهور اليهودي”.

حسب أقوال راز، السرقة شملت محتويات عشرات آلاف البيوت والحوانيت، المعدات الميكانيكية، المصانع، المحاصيل الزراعية، الأغنام وغيرها، وشملت أيضا: أجهزة بيانو، وكتبا، وملابس، ومجوهرات، وطاولات، وأجهزة كهربائية، ومحركات وسيارات.

النقاش حول مصير الأراضي والمباني التي تركها 700 ألف لاجيء فلسطيني الذين هجروا قسرا من ديارهم، يتركه لباحثين آخرين.

في الكتاب الحالي ركز راز على الممتلكات المنقولة فقط، الممتلكات التي كان يمكن تعبئتها في أكياس وتحميلها في سيارات.

شهادة عن النهب في صفد، قالت إحدى المشاركات في احتلال المدينة من قبل عصابات “البلماخ”: لقد أحضرت من صفد اشياء جميلة، وجدت لسارة ولي فساتين عربية مطرزة بشكل جميل جدا، وربما أنهم سيكيفوها لنا هنا، وملاعق ومناديل وأساور وخرز وطاولة دمشقية وطقم فناجين قهوة فضية رائعة.

وفوق كل شيء سارة أحضرت سجادة فارسية جديدة وجميلة، كبيرة، لم أشاهد مثل جمالها من قبل، صالون كهذا يمكن أن ينافس كل أثرياء تل ابيب.

يئير غورين، من سكان القدس، قال إن “ملاحقة الغنائم كانت في ذروتها، الناس، نساء وأطفال، ركضوا هنا وهناك مثل الفئران المسممة، الكثيرون تشاجروا على هذا الشيء أو ذاك في كومة أو على بعض الأغراض ووصلوا إلى حد سفك الدماء”.

إلياهو سيلع، ضابط عمليات في لواء هرئيل، حدثنا كيف تم تحميل اجهزة بيانو وأرائك مذهبة باللون الازرق على شاحناتنا.

دافيد (فرنر) سنتور، من زعماء “بريت شالوم” وأحد العاملين في الجامعة العبرية، وصف ما شاهده: “عندما تمر في هذه الأيام في شوارع رحافيا فأنت ترى فوق كل خطوة وشبر مسنين، شبابا وأطفالا، يعودون من القطمون أو من أحياء أخرى مع أكياس مليئة بأشياء مسلوبة، الغنائم كانت متنوعة: ثلاجات وأسرة، ساعات وكتب، ملابس داخلية وخارجية”.

شيوخ ونساء دون فرق في العمر والمكانة الدينية، جميعهم منشغلون بالسطو، ولا أحد يمنعهم، كتب يوسف نحماني الذي زار حيفا بعد احتلالها.

وفي شهادة موشيه كرمل، قائد لواء كرميلي: “كم هي كثيرة البيوت المهدمة والأثاث يتناثر تحت هذه الأنقاض، أبواب البيوت على جانبي الشارع كانت مقتحمة، أشياء كثيرة من البيوت تناثرت على الأرصفة، على عتبة أحد البيوت كان هناك سرير مائل ودمية عارية مهشمة بدرجة ما، كانت موضوعة بجانب السرير والوجه إلى الأسفل، أين هذا الطفل الآن؟ إلى أي منفى ذهب؟ إلى أي منفى؟.

تلك الشهادت، وإن كان اكتشافها هو حقيقة ما ارتكب من جرائم بحق شعبنا، هي استمرار لما يحدث منذ 72 عاماً، فالبيوت التي تداهم تُسرق، والآثار من حجارة وفسيفساء وأعمدة، ومياه وآبار وجبال ومزارع وحقول وطيور وأكلات شعبية ومطرزات، جميعها تسرق إلى اليوم.

الأسهم المشار اليها تخص الممتلكات الفلسطينية التي تم الاستيلاء عليها من قبل جنود الاحتلال ايام النكبة

 

 

 

 

 

 

 

 

 

لذا، استكمالا لما نشرته “هآرتس”، حول سرقة ممتلكات الفلسطينيين، تنشر وكالة “وفا”، ما استطاعت تجميعه حول سرقة الأرض والإنسان الفلسطيني عام 1948.

بعض المصادر المتوفرة، من كتب ومقالات، قدرت الخسائر أو بعضها، فبحسب مايكل فيشباخ في كتابه “سجلات السلب – أملاك اللاجئين الفلسطينيين والصراع العربي الإسرائيلي”، فإن تقدير الهيئة العربية العليا لخسائر الفلسطينيين في الأملاك، 1,976,000,000 جنيه فلسطيني، وهو يشمل الأراضي والأموال المنقولة.

اما جامعة الدول العربية فقد قدرت الخسائر بـ1,933,000,000 جنيه فلسطيني، في حين قدر سامي هداوي وعاطف قبرصي الخسائر بـ743,100,000 جنيه فلسطيني. وقدرها يوسف صايغ  بـ757,000,000 جنيه فلسطيني.

مصدر آخر، مقال لمنذر جوابرة: إذا احتسب ما جنته إسرائيل من غنائم النكبة فقط، فتقدّر قيمة الممتلكات والعقارات والأراضي الفلسطينية التي استولت عليها عام 1948 (دون الخسائر البشرية) بحوالي 290 مليار دولار (بأسعار 2014)، بحسب دراسة مميزة حول الخسائر الفلسطينية جراء النكبة لعاطف قبرصي وسامي هداوي.

مصدر آخر، وهو كتاب “اللاجئون الفلسطينيون بين العودة والتوطين” لإبراهيم الجندي والصادر عام 2001 عن دار الشروق، جاء فيه: قانون التصرف: صدر هذا القانون عن السلطات الإسرائيلية عام 1953، وينص على “أنه إذا لم يتصرف صاحب الملك، بأرضه تصرفا فعليا أي بنفسه وبيده، وكانت الحكومة محتاجة إليها للأغراض الدفاعية أو لأغراض التوطين، فإنها تصبح بأمر وزير المالية ملكا للدولة”، ويكون بذلك قرار وزير المالية قرارا قطعيا بحيث لا يخضع لمراقبة المحاكم.

لقد خسر الفلسطينيون من جراء ذلك خسائر مادية فادحة واستولى الإسرائيليون على إحدى عشرة مدينة فلسطينية، وتشير بعض التقديرات إلى الممتلكات والأراضي التي استولت عليها إسرائيل إثر حرب 1948:

120,800 دونم من بيارات الحمضيات، 1000 دونم من بساتين اللوز، 530,000 دونم من كروم الزيتون والفاكهة والأشجار المثمرة، 5,000,000 دونم من أجود الأراضي الزراعية.

كما تشير بعض التقديرات عن ريعها كالتالي 14,750,000 جنيه استرليني ريع الأثمار الحمضية والزيتون والفاكهة، 10,000,000 جنيه استرليني إيجار الأراضي الزراعية التي استغلها الاحتلال، 22,750,000 جنيه استرليني إيجار دورهم ومساكنهم ومحلاتهم التجارية. المجموع 47,500,000 جنيه إسترليني.

وبحسب ما أورده الاقتصادي الفلسطيني يوسف صايغ: تقدر الخسائر الإجمالية بنهاية عام 1948 –أي الممتلكات الفردية- 757 مليون جنيه فلسطيني: المساكن على أنواعها: 181 مليونا، مباني المصانع والمشاغل والمكاتب والمحال التجارية والفنادق والمطاعم والمقاهي والنوادي ومباني البارات 59.8 مليون، تجهيزات المصانع والمشاغل ومحال التصليح والصيانة والحرف 15 مليونا، وسائل النقل والمواصلات عدا السيارات الشخصية 15 مليونا، الأثاث والمكاتب والأمتعة الشخصية 62.5 مليون، المواشي والدواجن 10 ملايين، حسابات البنوك والأمانات مليونان، الأراضي 403.4 مليون، ستوكات البضائع 5 ملايين، تجهيزات المطاعم 3 ملايين.

وعلاوة على ذلك فقد استولى الاحتلال على أملاك حكومة الانتداب البريطاني في فلسطين، سواء التي ورثها عن الدولة العثمانية – كأراض أميرية – تعود بملكيتها إلى فلسطين كالمدارس والمستشفيات والمختبرات أو المباني الحكومية والطرق والسكك الحديدية والموانئ والمطارات.

أما فيما يخص لجنة التوفيق الدولية التابعة للأمم المتحدة والمختصة بالقضية الفلسطينية والتي أنشئت بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 (الدورة الثالثة) الصادر بتاريخ 11/12/1948، وضمت في عضويتها كلا من فرنسا وتركيا والولايات المتحدة الأميركية، فقد قدرت الممتلكات العربية في فلسطين في بيانها الصادر في الرابع والعشرين من كانون الأول 1950:

قيمة الأملاك في القرى 69,525,144 جنيها استرلينيا.

قيمة أملاك المدن 21,608,640 جنيها استرلينيا.

قيمة الأملاك في منطقة القدس 9,250,000 جنيه استرليني.

بمجموع 100,383,884 جنيها استرلينيا.

ويشار إلى أن لجنة التوفيق في تقديرها اقتصرت على قيمة المباني والأراضي فقط، وأسقطت الأموال والموجودات الأخرى.

وفي الثاني والعشرين من شباط 1948 اتخذت الخزانة البريطانية مجموعة من الاجراءات والتي جمدت بواسطتها الأرصدة الاسترلينية المستحقة لفلسطين، وقامت السلطات الاسرائيلية في الثلاثين من تموز 1948 بإصدار أمر يقضي بتجميد أموال اللاجئين المودعة في جميع البنوك العاملة (البنك العثماني، وبنك باركليز، والبنك العربي، وبنك الأمة) وكما هو معروف كان الفلسطينيون يودعون في خزانات البنوك أمانات وودائع أخرى غير نقدية ذات قيمة كبيرة كالحلي، والمجوهرات، والقطع الأثرية الصغيرة نادرة الوجود، والأسهم، والسندات المالية، وعقود الإيجار، وسندات ملكية الأراضي والعقارات.

علاوة على ذلك تنازلت الحكومة البريطانية في الثلاثين من آذار 1950، عن جميع حقوق وأملاك حكومة الانتداب الواقعة ضمن الأراضي التي احتلتها اسرائيل، ووافقت في أول أيار 1950 على أن تفتح لإسرائيل حسابا من أصل أرصدة فلسطين، وأفرجت لها عن أربعة عشر مليون جنيه استرليني في مدة لا تتجاوز السنتين.

وأضاف: خسائر اللاجئين لم تنحصر في الممتلكات والودائع والأرواح فحسب، ولكنها تعدتها أيضا إلى موارد الرزق، حيث فقدوا فرص العمل والانتاج في اقتصاد كان يوصف وقتئذ بأنه اقتصاد قائم ونشط، إضافة إلى صعوبة تقديره، لكون قيمته لا تحسب على أساس دخل سنة بعينها من السنوات، بل دخول سنوات عديدة متتالية لجيل من السكان، مع وجوب الأخذ بعين الاعتبار الطاقات النامية لاقتصاد ديناميكي. أخيراً: لا فائدة من كل مال الدنيا، إن لم يَعد عقالا فقده عجوز أثناء تهجيره من بلدته الأصلية عام 1948 إلى الأردن، أو قطرة دم من قدم طفل تعثر في الطريق إلى مخيمات اللجوء المؤقتة في لبنان وسوريا.

لا شيء يُعوض برتقال البلاد المنهوب، لوزها، وتينها، وزيتونها، وقمحها، وعنبها، وآبار المياه في أحواش منازلها، لا مال يُهدئ رعب النساء والأطفال من قصف “الهاغانا” وقادة المجازر الصهيونية، الصوت الذي لم ينسه كل من عايش تلك الأيام، لا أحد إلى اليوم استطاع جمع ما سُرق، ولا حتى تقديره بدقة، ولا شيء عاد إلى اليوم.. وما يدفعه العالم عبر “الأونروا” هو حق المهجرين الطبيعي والعادل حتى إيجاد حل دائم.

المصدر : وكالة الانباء الفلسطينية وفا