السياسية :

فؤاد مسعد*

منذ أطلق الفيلسوف والناقد الفرنسي المعروف “رولان بارت” (1915-1980) نظريته الشهيرة “موت المؤلف”، في ستينيات القرن العشرين، ظل المؤلف يتوارى شيئاً فشيئاً، راغباً تارة ومكرها تارات أخرى، لصالح سطوة “النص”، الذي أراد له “بارت” أن يكون فضاء مفتوحاً ومحرراً مما أطلق عليه “التفسير الاستبدادي”، وأوجب على القارئ فصل أعمال الأدب عن مؤلفيها.

الكتاب الذي صدر منتصف العام الجاري، بعنوان “ضد موت المؤلف”، للناقد اليمني الدكتور/ سالم السلفي، أستاذ الأدب والنقد بجامعة عدن، يأتي في اتجاه معاكس لنظرية “موت المؤلف”، أولا من خلال عنوانه الصريح، ثانياً لكونه يضم بين دفتيه معجماً لدارسي الأدب الأجانب (غير العرب)، في القرنين التاسع عشر والعشرين الميلاديين.

يدرك المؤلف أن نظرية “موت المؤلف” تجاوبت أصداؤها حتى تجاوزت حدود النقد الأدبي لتتردد في أنحاء العلوم الإنسانية كافة، إلا أنه يُرجع ذلك إلى سيطرة (البنيوية) على مناهج الدرس في تلك العلوم، البنيوية التي تعزل النص عن كل سياقاته الخارجية، ليخلص إلى أن تلك السطوة تراجعت في الوقت الراهن، وأعيد الاعتبار لهذه السياقات، ما يعني أنه “صار من حق المؤلف أن يتمتع بحياة في عالم الكتابة، ولو بأضيق الحدود”، راجياً أن يكون الكتاب إسهاماً متواضعاً في هذا المجال.

يتألف الكتاب من المقدمة والمعجم وملحق للتعريف بالأعلام الواردة في موادّ المعجم، وببليوغرافيا عن الدراسات الأدبية العربية والمترجمة، ويبلغ عدد صفحاته 374 صفحة من القطع الكبير.

بينت المقدمة سبب تأليف الكتاب ومنهجَه، كما تناولت العلاقة بين الأدب من ناحية، والدرس الأدبي من ناحية ثانية، الأول يصدر عن رؤية خاصة فردية أو جماعية، والثاني يصدر عن وعي عام متسلح بالعقل والمنهج، الأمر الذي يعطي للدرس الأدبي طابع العالمية، ويقرر المؤلف في المقدمة أن كل منجز متميز في دراسة الأدب قادر على عبور حواجز اللغات والثقافات فضلاً عن الحدود السياسية، في سرعةٍ أكبر من سرعة النصوص الأدبية، مُرجعاً ذلك إلى أمر الترجمة: المتيسرة في لغة الدراسة الأدبية والمستعصية في لغة الأدب.

كما تتناول المقدمة العلاقة بين القراءة والكتابة والمعرفة، وهنا يقرر أن القراءة وليدة الكتابة، والمعرفة آتية من الكتابة- لا من القراءة، حيث الكتابة مصدر أصل والقراءة وسيط.
وتلي المقدمة قائمة بالمختصرات المستخدمة في الكتاب، ثم يأتي المعجم موزعاً على الحروف العربية، وتتضمَّن كلُّ مادَّة من موادِّ المعجم: اسم دارس الأدب الأجنبي، ومجال شهرته واهتمامه في الدراسات الأدبيَّة، وتاريخ ولادته ووفاته ومكانيهما، ودراسته وعمله، ونتاجه العلميَّ والبحثيَّ والتأليفيّ، ثم ما تُرجم من نتاجه إلى العربيَّة، ويكون بسطُ القول في الترجمة ونشرِها في الهامش، حيث يذكر اسم المترجم ثمَّ تاريخ نشر الترجمة ودار النشر ومكانه بين قوسين، ويشمل المعجم 1000 دارس للأدب من مختلف اللغات والقوميات والدول والاتجاهات والمدارس الفلسفية والفكرية والنقدية.

فيما تضمن الملحق (في آخر الكتاب) تعريفاً بالأعلام التي وردت في مواد المعجم من غير دارسي الأدب، أو ممن ليسوا ضمن مادة الكتاب، وهم إما أدباء كانوا مجال اهتمام دراسي الأدب تخصصاً أو تأليفاً، أو لهم صلة بالدرس الأدبي الحديث بعيدة زمناً أو تخصصاً، ويبلغ عددهم 257 عَلَم.

وتضمنت الببليوغرافيا أسماء الكتب العربية والمترجمة الواردة في متن الكتاب/ المعجم وهوامشه، وفيها 867 دراسة أدبية.

يُقدّم المعجم الذي أخذ من وقت مؤلِّفه نحو 4 سنوات، في الفترة بين عامي 2016 و 2020، مادة غنية وجديرة بالقراءة والاطلاع على مضامينه القيمة، ليس للباحث المتخصص فحسب ولكن للقارئ العادي، فالكتاب رغم أنه يعالج موضوعا في صميم المجال الأدبي النقدي، إلا أن شمول مضمونه وثراء محتواه بالجديد النافع تجعل منه مرجعاً لا غنى عنه للمتخصص وغير المتخصص على حد سواء، فضلاً عن وضوح لغته وسلاسة أسلوبه- والمؤلف خبير في حقل الأسلوب وماهرٌ باستخداماته.

في مواجهة الموت

يقول مؤلف الكتاب:في زمن الموت هذا (إبان اشتداد وطأة وباء كورونا في يونيو/حزيران 2020)، كان علينا أن نتمسك بالحياة: الحياة في الحياة، والحياة بعد الحياة، فكان هذا الكتاب الذي ينطلق من رؤية مضادة لفكرة “موت المؤلف“.

والكتاب بموضوعه الذي يضج حيوية يواجه الموت من زاويتين، زاوية بعث المؤلف في مواجهة نظرية “موت المؤلف”، التي سبقت الحديث عنها، وزاوية توقيت صدور الكتاب، بالتزامن مع شيوع جائحة كورونا التي فتكت بالملايين في مختلف أنحاء العالم.

وعن هدف الكتاب يقول الدكتور السلفي إن الكتاب “يسعى إلى تجاوز إحدى العقبات الرئيسة التي يواجهها القارئ والباحث العربيُّ اليوم في مجال دراسة الأدب، وهي كثرة أسماء الأعلام الأجنبيَّة المبثوثة في كتب الدراسات الأدبية العربيَّة والمترجمة”، أما عن مضمونه فهو بحسب المؤلف: “معجمٌ يضمُّ تراجم لدارسي الأدب الأجانب في القرنين التاسع عشر والعشرين حتَّى يومنا هذا، من نقَّاد الأدب ومؤرِّخيه ومنظِّريه، ومن لهم أثر في دراسة الأدب مثل بعض اللسانيِّين والفلاسفة وعلماء الجمال وعلماء الاجتماع وعلماء النفس الذين تردَّدت أسماؤهم في كتب الدراسات الأدبيَّة العربيَّة الحديثة أو المترجمة إلى العربيَّة”.

من هو المؤلف

ونحن نعرض الكتاب الذي يحتفي بالمؤلفين انطلاقاً من موقف يعيد الاعتبار للمؤلف، يجدر بنا الوقوف قليلاً أمام مؤلفه الدكتور/ سالم عبدالرب السلفي، ببطاقة تعريف موجزة تشمل المؤلِّف وبعض مؤلَّـــفاته.

ينحدر الدكتور السلفي المولود في العام 1970 من منطقة “يافع”، إحدى أشهر المناطق اليمنية، وتقع شمال شرق مدينة عدن، وبعدما أكمل دراسته الثانوية حطّ رحاله في “جامعة عدن” التي تأسست في نفس عام مولده، وهما يكملان هذا العام -2020 خمسين عاماً، حصل على البكالوريوس في الآداب والتربية (لغة عربية) في العام 1995، ولتفوقه الدراسي أصبح معيداً في كلية التربية، حتى حصل على الماجستير في الدراسات الأدبية عام 1999، عن رسالته “الخصائص الأسلوبية للمثل في كتاب مجمع الأمثال للميداني”، أما الدكتوراه فقد حصل عليها في العام 2006، من معهد البحوث والدراسات العربية بالقاهرة عن أطروحته “الغربة في الشعر اليمني الحديث والمعاصر.. دراسة أسلوبية”. كما حصل على دبلوم عال في علم “المخطوطات وتحقيق النصوص” من معهد المخطوطات العربية بالقاهرة عام 2006.

في مجال التأليف صدر ت له الكتب التالية:

· معجم أعلام يافع، صنعاء: 2009.
· يافع في مصر ودراسات أخرى، عدن: 2010.
· وفيات عدن وما جاورها في الصحف الصادرة في عدن ( 1940-1989)، “الجزء الأول”.
· حَجْر رُعَيْن: القبيلة والمكان والأعلام، موقع الألوكة 2012.
وصدر له عددٌ من الأبحاث المحكمة منها “الغُربة في شعر الهمداني .. الرؤية والأسلوب”، 2008، و”سلالة عبد الله بن أسعد اليافعي”، 2008، و”شعر القاضي أبي بكر اليافعي جمعاً وتوثيقاً ودراسة”، 2009.

يعمل حالياً رئيس قسم اللغة العربية في كلية التربية بجامعة عدن، إذ يجمع بين المهام الإدارية بصفته رئيساً للقسم من جهة، وبين البحث والتأليف والتحقيق والكتابة من جهة ثانية، فضلاً عن اختياره ضمن لجان ومجالس وهيئات تحرير مجلات علمية وأكاديمية داخلياً وخارجياً، وفي أكتوبر/تشرين الماضي اختير لعضوية هيئة تحرير مجلة “أبوليوس” العلمية المُحَكّمة الصادرة عن كلية الآداب واللغات بجامعة محمد الشريف مساعدية، بالجزائر، وهو إلى ذلك شاعر مجيد ومترجم حاذق ورسامٌ ماهر.

* المصدر : رأي اليوم